نشرت بجريدة "القدس العربي"
تاريخ 2/10/2017
بين "حماس" و"فتح"
ايّ مصالحــــة مـــع ايّ سلطــة ؟
د. عصام نعمان
رئيس "حماس" في غزة ، يحيى السنوار، اعلنها بصراحة وصرامة : "ايّ شخص سيعيق إتمام المصالحة سيُكسر عنقه ، سواء كان من "حماس" او غيرها. "حماس" ستسهل كل شيء من اجل تمكين الحكومة ، ولن تسمح بعرقلة عملها ولن تبقى طرفاً في الإنقسام بأي حال من الاحوال". وكي لا يبقى لدى اي جهة شك بأن كل قادة "حماس" يشاطرونه هذا الموقف ، اكّد السنوار ان "القائد العام لكتائب القسام (الذراع العسكرية للحركة) محمد الضيف هو من الداعين بقوة لخيار المصالحة الوطنية".
نعم ، الكل في "حماس" مع المصالحة الوطنية ، لكن هل المصالحة الجاري طبخها بين غزة ورام الله والقاهرة وعواصم اخرى هي المصالحة الوطنية المرتجاة ؟
من المبكر طرح السؤال الآن. لذا فإن توفير الجواب المقنع يبدو متعذراً في الوقت الحاضر. ومع ذلك يمكن استشراف بعض جوانب المصالحة المحكي عنها من خلال ما تسرّب من تفاهمات وتحركات بين قادة "حماس" في غزة ونظرائهم في "فتح" برام الله.
ظاهر الحال يدل الى ان المصالحة تبدو ادارية ، والى حدٍّ ما مالية ، لكنها ليست سياسية ... بعد. فقد تقرر ان تصل حكومة "الوفاق الوطني" الى قطاع غزة الاثنين (اليوم) على ان يتبعها وفدان : الاول من جهاز "المخابرات المصرية " والآخر من الامم المتحدة لمراقبة تنفيذ الاتفاق . أبرز اعضاء وفد الحكومة مسؤولُ جهاز "المخابرات الفلسطينية " ماجد فرج ، ومسؤول جهاز "الامن الوقائي" زياد هب الريح. بعد وصول الوفد المصري السياسي والامني ، يصل الوفد الأممي برئاسة مبعوث الامم المتحدة الى الشرق الاوسط نيكولاي ميلادينوف. هذان الوفدان سيشاركان في بحث ملف دمج موظفي حكومة "حماس" السابقة ( التي كانت تدير شؤون القطاع) في قوائم موظفي حكومة السلطة الفلسطينية.
المصالحة الإدارية تبدأ بدعوةٍ من حكومة رام الله موظفيها المستنكفين عن العمل في الوزارات الى العمل مع موظفي حكومة غزة السابقة في ظل موافقة مبدئية من "حماس" على دمج موظفي الفئات العليا (وكلاء الوزارات) في مواقع ادنى وذلك كبادرة ايجابية لتحريك المصالحة ، فيما تُمسك "فتح" بقيادة الاجهزة الأمنية.
هذه الترتيبات لا تشمل أمن المعابر ، ذلك ان قضيتها ستجري مناقشتها خلال مباحثات تشكيل حكومة "وحدة وطنية" تخلف حكومة "الوفاق الوطني" التي يرأسها رامي الحمد الله . هذا الاخير لن يكون رئيساً للحكومة الجديدة التي ستضم خمسة وزراء جدداً الى جانب معظم الوزراء القدامى.
ماذا عن "المصالحة المالية" ؟
تردد ان تمويل رواتب الموظفين سيكون عبر صندوق تُسهم في ميزانيته كل من تركيا وقطر وسويسرا والاتحاد الاوروبي على ان يكون الإشراف على الصندوق للأمم المتحدة.
ترتيبات المصالحة ومآلاتها لا تبدو غريبة عن "اللجنة الرباعية الدولية للشرق الاوسط" التي قال مبعوثوها انهم "يدعمون الجهود المبذولة لإعادة تمكين السلطة الفلسطينية من تسلّم مسؤولياتها في غزة ، ويرحبون بالجهود الأخرى المبذولة ، بما فيها جهود مصر ، ويحثون الاطراف على اتخاذ خطوات ملموسة لإعادة توحيد غزة والضفة الغربية في ظل السلطة الشرعية، وانهم مستعدون للعمل مع "اسرائيل" والسلطة ودول المنطقة دعماً لهذه العملية".
مروحة واسعة من الدول والاطراف المعنية تؤيد ، اذاً ، المصالحة وتباركها وتبدي الإستعداد اللازم لإنجاحها. لكن ماذا عن سوريا ؟
دمشق كانت سكتت على مضض بعد انزلاق حليفتها السابقة "حماس" الى التعاون مع بعض اطراف المعارضة الإسلامية المسلحة في مخيم اليرموك وذلك عقب اشتداد وتيرة عملياتٍ عسكرية واخرى ارهابية ضد الحكومة السورية ما ادى لاحقاً الى سيطرة "النصرة" و"داعش" على معظم احياء المخيم المذكور. صحيح ان العلاقات بين دمشق و"حماس" لم تنقطع رغم توترها الشديد بفضل بقاء التواصل قائماً بين كتائب القسام وايران . إلاّ ان التعاون بين الطرفين في اطار محور المقاومة توقّف خلافاً لحال التعاون والتنسيق الذي بقي قائماً بين حركة "الجهاد الإسلامي" ودمشق دونما تراجع.
هذا الغموض في موقف "حماس" من سوريا بعد إعلان مشروع "المصالحة الوطنية" حمل قائد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة احمد جبريل على الإتصال برئيس المكتب السياسي لـِ "حماس" يحيى السنوار ومطالبته بالتواصل مع دمشق لاحياء روابط التعاون والتنسيق كما كانت عليه قبل عاصفة "الربيع العربي" الملغومة.
كل هذه الملابسات تدفع المراقب المتتبع لتطورات المشهد الفلسطيني الى طرح سؤال مفتاحي: ايّ سلطة فلسطينية تريد "حماس" مصالحتها والتعاون معها ؟ هل هي سلطة الرئيس محمود عباس (المنتهية ولايته) التي ما زالت تتمسك بإتفاق اوسلو وترتجي خيراً من مفاوضات مع "اسرائيل" برعاية الولايات المتحدة، وترفض تالياً اعتماد خيار المقاومة ضد دولة العدوان والاحتلال والإستيطان ؟ ام هي سلطة اخرى لا يرأسها عباس تأتي بعد انتخابات عامة نتيجةَ تنفيذ بنود المصالحة الوطنية العتيدة ؟
سؤال آخر ، مفتاحي ايضاً ، تطرحه التطورات على رئيس "حماس" يحيى السنوار : كيف توفّق بين حماستك وتعهدك بكسر عنق كل معرقل للمصالحة الوطنية وبين تعهدك بإسم "حماس" بالإستمرار في اعتماد نهج المقاومة ؟
جمهور المقاومة المدنية والميدانية ينتظر اجوبة واضحة عن السؤالين الاول والثاني بلا ابطاء...