نشرت بجريدة "القدس العربي" و"البناء"
تاريخ 18/9/2017
هل يسوّغ حق الدفاع عن النفس
إعادة بلد الى العصر الحجري ؟
د. عصام نعمان
تحت عنوان "إخضاع الحزب" ، انهى الجيش الإسرائيلي اخيراً مناورة كبرى تواصلت 11 يوماً وحاكت حرباً على حزب الله . نائب رئيس هيئة اركان الجيش سابقاً وزير البناء حالياً يواف غالنت اختتم المناورة بإطلاق تهديدات جديدة وجهها الى لبنان بقوله: "في حال اخطأ حزب الله وبادر الى حرب ضد "اسرائيل" ، فإن لبنان سيعود الى العصر الحجري".
بصرف النظر عن قدرة "اسرائيل" المزعومة على إعادة لبنان او غيره الى العصر الحجري ، فإن تهديدات مسؤول صهيوني بارز تستدعي بعض الملاحظات والحقائق :
أُولاها ، ان حزب الله كان دائماً في حال الدفاع عن النفس وعن بلاده في صراعه مع العدو الصهيوني . "اسرائيل" العنصرية العدوانية كانت هي البادئة دائماً بشن الحرب بذرائع شتى. فعلت ذلك على نطاق واسع في العام 1978 وفي العام 1982 وفي العام 2006 . في كل اعتداءاتها الوحشية ، كانت تلقى مقاومة شرسة من المقاومة اللبنانية ، لعل اشرسها وانجحها تلك التي قادها حزب الله وآلت الى اندحارها الشنيع في حرب العام 2006.
ثانيتها ، ان تهديدات مسؤولي الكيان الصهيوني وجنرالاته ضد لبنان وحزب الله ، ولاسيما بعد المناورة الكبرى الاخيرة ، تهدف بالدرجة الاولى الى رفع معنويات الإسرائيليين المتدهورة بتضخيم لهجة التهديدات ضد الاعداء.
ثالثتها ، ان التهديدات الإسرائيلية الصارخة سبقتها تصريحات ومقالات وتحليلات لمسؤولين واعلاميين وخبراء عسكريين اسرائيليين نوّهت بالصواريخ الدقيقة المئة الف التي يمتلكها حزب الله كما بقدراته العالية والخبرة القتالية البالغة الاهمية التي راكمها مقاتلوه خلال الحرب ضد الإرهاب في سوريا ، فهل ترى "اسرائيل" في ذلك كله مبرراً لتهديد لبنان (وحزب الله ) بإعادته الى العصر الحجري كونها تمتلك قدرة نووية مدمّرة ؟
رابعتها ، ان تصريحات وتحذيرات متعددة صدرت عن مسؤولين وخبراء عسكريين اسرائيليين قبل المناورة الكبرى واثناءها وبعدها كشفت هشاشة الجبهة الداخلية والمفاعيل الكارثية لقدرة حزب الله على توجيه اصابات دقيقة ومدمّرة لمرافقها الامنية والحيوية ، فهل تجازف القيادة الإسرائيلية بشن حرب على لبنان "لإعادته الى العصر الحجري" طالما تعلم وتقرّ سلفاً بقدرة حزب الله على إعادة جبهتها الداخلية الى العصر الحجري او ، بأقل تقدير ، الى شيء من هذا القبيل؟
خامستها ، ان "اسرائيل" لن تتورع عن استخدام اسلحة مدمرة يمكن ان تُلحق بالبلد المعتدى عليه اضراراً كارثية ، لاسيما في حال استعمالها اسلحة نووية ، وانها لن تفعل ذلك بغرض الدفاع المزعوم عن النفس بل ستكون هي البادئة بالعدوان لظنّها ان ضربتها الإستباقية كفيلة بكسر ارادة عدوها ولجم تقدّمه التكنولوجي وتفوقه العسكري عليها.
كل هذه الملاحظات والحقائق ، ولا سيما الخامسة منها ، تستدعي اعادة بحث مفهوم الدفاع عن النفس وتصويبه في عصر الاسلحة النووية والصواريخ البالستية العابرة للقارات ووجود دول وقوى عنصرية وعدوانية لا تتورع عن استخدامها لظّنها ان في وسعها الخروج من فعلتها الوحشية الكارثية النكراء سليمة وبمنجاة من محاسبة قاسية لاحقة.
من المسلّم به ، ديناً وعرفاً وقانوناً دولياً وتشريعات محلية ، ان الدفاع عن النفس حق مشروع لا تثريب في ممارسته . لكن إقرار هذا المبدأ وممارسة الحق الناجم عنه انما تمّا في ظروف وعصور كان متوافراً فيها دائماً ، ولو بمقادير متفاوتة ، نوع من التكافؤ في القدرات بين البشر والمجتمعات والجماعات والدول . تأتّى عن ذلك ان ممارسة حق الدفاع عن النفس أمّن الحماية والسلامة ولم يؤدِ بالضرورة الى الإبادة . اليوم ، بوجود السلاح النووي ، فإن قيام طرف من الاطراف بممارسة حق الدفاع عن النفس، بدافع مشروع او غير مشروع ، من خلال استخدام هذا السلاح سيؤدي لا محالة الى الدمار الشامل والإبادة. ليس ادل على ذلك من ان قيام الولايات المتحدة بإستعمال السلاح النووي ضد اليابان في العام 1945 ادى الى تدمير مدينتيها هيروشيما وناغازاكي وإبادة مئات الآلاف من سكانهما .
صحيح ان الجنس البشري الذي هزّته الفعلة الامير كية الوحشية وغير المسبوقة اتخذ عبر الامم المتحدة والاتفاقات الدولية الثنائية من القرارات والتشريعات والمعاهدات ما يمنع او يحدّ من استعمال السلاح النووي او إجراء تجاربه فوق الارض وتحتها . لكن ، هل هذه التدابير كافية لمنع قيادات او جماعات او حتى افراد من استعمال اسلحة كارثية، نووية او كيماوية او بيولوجية ، بدعوى الدفاع عن النفس ؟
لعل شعور قادة الدول والحكومات بخطورة السلاح النووي ومفاعيله الكارثية على الجنس البشري ، ولاسيما على الاطراف التي تستعمله ، حملهم على الإحجام بعد العام 1945 عن استعمال هذا السلاح . وما كان هذا الإحجام العام ليسود لولا نشؤ ميزان ردع متبادل بين الدول التي تمتلك اسلحة نووية . ومع ذلك فإن موازين الردع لن تردع الاطراف النووية او تحول دون انزلاقها ، بسببٍ من نقصٍ في المعلومات والمعرفة او نقص في العقل والقيم او نقص في قوة النفس والاعصاب او بدافعٍ من عنصرية وعصبوية وحشيتين ، الى استعمال اسلحة التدمير الشامل ، فما العمل ؟
قد يتوصل العلم والتكنولوجيا الى اختراع تجهيزات وآليات يمكنها تحسس وجود اسلحة تدمير شامل بمجرد البدء بإنتاجها او بنشرها وقبل المبادرة تالياً الى استعمالها . ذلك يساعد في كشف اصحاب النيات الخبيثة وفي ردعهم قبل فوات الاوان . لكن ما العمل خلال المرحلة الإنتقالية ؟
هذا السؤال يهمّ ، بل يجب ان يُقلق، الناس والجماعات والحكومات والنخب الوطنية والانسانية الملتزمة والمتخوّفة ، بحق ، من جنون "اسرائيل" ، قادةً وضباطاً وافراداً عنصريين ومتعصبين لهم اتصال ، بشكل او بآخر ، بسلاح تدمير شامل ، نووي او كيماوي او بيولوجي . إن المتضررين والنخب جميعاً مدعوون الى التفكير بعمق وروية في السبل الآيلة الى ابتداع وسائل ردع متقدّمة ، تكنولوجية وسياسية وعسكرية ، يحول اعتمادها دون إنزلاق اي مجنون او مجموعة من المجانين في العالم، ولا سيما في الكيان الصهيوني ، الى استعمال ايٍّ من اسلحة التدمير الشامل.
الى ان يحظى العرب والعالم بوسائل الردع المتقدّمة المرتجاة ، يقتضي ان يحرص الواعون والمتعقلون والمتربصون بمخاطر "اسرائيل" النووية ومجانينها المدنيين والعسكريين ، على ان يكون لدى قوى المقاومة العربية، حكوماتٍ وتنظيمات، اسلحة تدمير شامل متطورة لتأمين توازنٍ في الردع، وان تقوم تالياً بإفهام العدو بكل الوسائل المتاحة انها لن تتأخر ثانية واحدة عن استخدامها للدفاع المشروع عن النفس بمجرد تحسسها انه بات في لحظة المبادرة الى استعمالها.
هل من وسيلة وآلية افعل وافضل ؟