نشرت بجريدة "البناء" والقدس العربي"
تاريخ 11/9/2017
ماذا بعدما ضربت "اسرائيل" مصياف السورية ؟
د. عصام نعمان
" نورداغان" إسم لأكبر مناورات قام بها الجيش الإسرائيلي خلال السنين العشرين الماضية. شاركت في المناورات عشرات الفرق والالوية من القوات البرية والبحرية والجوية والاستخبارات . حاكت عمليات إخلاء مدن، وصدّ عمليات تسلل من حزب الله ، وشنّ هجوم على لبنان ، وإبطال عمل خلايا تجسس . هذا ما سُمح لوسائل الاعلام بكشفه ، وربما المخفي أخطر .
ضابط اسرائيلي رفيع قال لصحيفة "هآرتس" إن سيناريو المناورات يهدف الى هزيمة حزب الله . المقصود بمصطلح هزيمة توجيه ضربة قاصمة الى البنى التحتية للعدو ، وتقليص اطلاق القذائف من المناطق التي يتمّ احتلالها ، "لكن ليس مؤكداً ان هذا سيوقف الحرب".
مَن هو عدو "اسرائيل" ؟
العدو متعدد الهوية والمنطلَق والقدرة . في هذا السياق ، يأتي لبنان في المرتبة الاولى لأنه المنطلَق الاساس لحزب الله. لكن لحزب الله منطلقات اخرى ، فهو يقاتل في مختلف مناطق سوريا وكذلك في العراق . ولأنه يقاتل في سوريا فهو حليف لها ، ومَن يكن حليفاً لحزب الله يصبح عدواً لـِ "اسرائيل".
ثم ، أليس لسوريا حلفاء آخرون ؟ أليست ايران حليفة لسوريا وكذلك لحزب الله ؟ أليست روسيا حليفة لسوريا ؟ بل أليست روسيا، موضوعياً ، حليفة لإيران ؟
يتحصّل من هذه الواقعات ان اطراف محور المقاومة جميعاً اعـــداء لـِ "اسرائيل" ، وان روسيا وإن لم تكن عدواً لها إلاّ انها حليف او داعم لكل اطراف محور المقاومة ما يجعلها خصماً غير مباشر للكيان الصهيوني .
لماذا اجرت "اسرائيل" مناورات "نورداغان" الان ؟
ليس في الامر سر. "اسرائيل" خائفة ولا تخفي خوفها . خائفة من تداعيات اندحار "داعش" امام الجيش السوري ووحلفائه ، ومن ترسيخ وجود ايران في سوريا واحتمال قيامها ، مع حزب الله وافواج مقاومةٍ سورية بازغة ، بفتح جبهة ساخنة في جنوب سوريا بمحاذاة الجولان المحتل. اكثر من ذلك ، ان تقوم ايران بتسليح سوريا وحزب الله بأفعل وأفضل ما لديها من اسلحة فتاكة وقدرات تكنولوجية ما يؤدي الى اختلالٍ موازين القوى لصالح اطراف محور المقاومة المتربصين بها . الوضع سيصبح اكثر خطورة اذا ما آلت تطورات المشهد العراقي الى إنخراط بغداد في محور المقاومة وفي إقامة جسر بري لوجيستي مفتوح بين طهران وبيروت عبر العراق وسوريا.
لمواجهة هذه التحديات اعتمد قادة "اسرائيل" ثلاث مقاربات :
الاولى سياسية وذلك بإستغلال مخاوف دول الخليج من صعود ايران بغية توسيع علاقات "اسرائيل" الاقتصادية والامنية مع بعضها ولإقامة جبهة ردع فاعلة في وجه ايران وحلفائها . لرفع معنويات جمهوره ، صرح نتنياهو أن "اسرائيل" باتت تتمتع بمستوى تعاون غير مسبوق مع العالم العربي ، واصفاً العلاقات بأنها افضل منها في اي وقت مضى برغم انعدام الاتفاق مع الفلسطينيين . اكدّ ان "التعاون الحالي مع دولٍ في العالم العربي يُعدّ الاقوى مقارنةً بفترة توقيع معاهدتيّ السلام مع مصر والاردن". عزا هذا التحوّل الى دمج قوة "اسرائيل" الإقتصادية-التكنولوجية وقوتها العسكرية-الإستخبارية ما ادّى الى تعزيز قوتها السياسية.
المقاربة الثانية استراتيجية ميدانية وذلك بإجراء مناورات "نورداغان" الضخمة مصحوبةً بتغطيةٍ اعلامية هدفها إعطاء انطباعٍ محدد الى اعدائها : "وجود القدرة والإستعداد والارادة السياسية لدى "اسرائيل" ليس لضرب حزب الله فقط ، بل لإخضاعه ايضاً والإنتصار عليه" (مقالة إيال زيسر، نائب رئيس جامعة تل ابيب ، في "يسرائيل هَيوم" ، 2017/9/5).
المقاربة الثالثة عملانية وذلك بتوجيه سلاح الجو الاسرائيلي من الاجواء اللبنانية ضربةً لمنشأة عسكرية سورية في مصياف بمحافظة حماة التي لا تبعد كثيراً عن قاعدة روسيا البحرية في طرطوس وقاعدتها الجوية في مطار حميميم القريب من اللاذقية .
لا يهمّ ما قالته "اسرائيل" لتبرير الضربة. المهم الإحاطة بالواقعات الآتية: ان الضربة كانت في سوريا وليس في لبنان ، وان تنفيذها جرى من الأجواء اللبنانية ، وانها استهدفت منشأة عسكرية بعيدة جداً عن جبهة الجولان في جنوب سوريا التي تشكو تل ابيب من إحتمال تحوّلها جبهة ناشطة بقوات لحزب الله مدعومة من ايران ، وان قرب المنشأة العسكرية من قاعدتين روسيتين ، بحرية وجوية، في منطقة قريبة امر له دلالاته . ذلك كله حدث غداة حديث لنتنياهو في حفلٍ لوزارة خارجيته عن "تغيّر هائل" في العلاقات الاقتصادية والثقافية مع روسيا في سياق ما اسماه "الأهمية الاستراتيجية للتنسيق مع موسكو في شأن سوريا".
توقيت المقاربات الثلاث يحمل على الظنّ بأن "اسرائيل" قصدت من وراء ضربة مصياف اختبار ردة فعل كلٍّ من حزب الله وسوريا وروسيا الأمر الذي يطرح اسئلةً ملّحة :
هل تظنّ "اسرائيل" أن الضربة قد تحمل حزب الله على اعادة النظر بمستوى مشاركته في الحرب ضد "داعش" فيقلص من حجمها ونوعيتها ما يؤدي الى إنتعاش "داعش" مجدداً وبالتالي اطالة امد الحرب واستنزاف سوريا ؟
هل تحمل الضربة سوريا على اعادة النظر بسياستها ازاء المنطقة المحاذية للجولان المحتل فتوافق على اعطاء تعهدات بإبعاد ايران وحزب الله عن ايّ تواجدٍ فيها ؟
هل تمّت الضربة بعلم روسيا ؟ وما حدود التنسيق بين "اسرائيل" وروسيا الذي اشار اليه نتنياهو ؟
اذا لم تكن موسكو على علم بالضربة وغير موافقة عليها كونها استهدفت منشأة عسكرية سورية وليس قافلة مزعومة تنقل سلاحاً لحزب الله، فهل تراها تحذر "اسرائيل" من الإسترسال في هذه السياسة تحت طائلة تزويد سوريا صواريخ دفاع جوي متقدمة قادرة على اسقاط القاذفات الإسرائيلية حتى لو كانت تعمل عن بُعد او من الاجواء اللبنانية ؟
هل يمكن اعتبار ضربة مصياف بأنها اختبار لمعرفة ردود فعل اطراف محور المقاومة وروسيا المتحالفة معهم ، وانها جرت بموافقة الولايات المتحدة او ، في الاقل ، بعلمها ما يستوجب تالياً الرد عليها ، بشكل او بآخر، من قبل الدول سالفة الذكر او اقلّه من اطراف محور المقاومة بدعمٍ قوي من روسيا ؟
من الواضح ان اطراف محور المقاومة تعطي مواجهةَ الإرهاب في هذه الآونة اولوية مطلقة ، سياسية وعسكرية . لكن ، أليس مفيداً إفهام "اسرائيل" التي عادت الى اعتماد مذهبها العسكري القديم القاضي بنقل الحرب الى ارض العدو أنه في مقدور عرب المقاومة ايضاً نقل الحرب الى ارضها وبالمقادير التي يرونها مناسبة ؟
آن اوان الفعل .