نشرت بجريدة "البناء" و"القدس العربي"
تاريخ 28/8/2017
لا نهاية لأي حرب بوجود "اسرائيل"...
د. عصام نعمان
سيحتفل اللبنانيون والسوريون قريباً بدحر "داعش" وبإنهاء إحتلال إرهابييه لحدود لبنان الشرقية مع سوريا. الفرحة لا تقتصر على الخلاص من "داعش" فحسب بل الخلاص ايضاً من "اسرائيل" وإرهابها في تلك الجبال والهضاب . فـ "داعش" كان وما زال ، مداورةً وموضوعياً ، حليف الكيان الصهيوني ، ومن ورائه الولايات المتحدة ، في الحرب على سوريا وحلفائها.
فرحةُ اللبنانيين والسوريين لن تكون نهائية . فقد دحرت المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله الإحتلال الإسرائيلي في العام 2000 ثم في العام 2006 ، ومع ذلك لم تدم الفرحة طويلاً لأن "اسرائيل" ككيان صهيوني عنصري عدواني لم يُهزم نهائياً وظلّ قادراً على شن الحرب ضد اعداء وجوده. بإختصار، لا نهاية لأي حرب مع بقاء الكيان الصهيوني.
هذه الحقيقة لا تدركها "اسرائيل" فحسب بل تجاهر بها ايضاً. هي كيان عنصري عدواني ، يموت اذا كّف عن التوسع . ثم ، لا يكفي ان يتوسع بإطّراد بل يقتضي ان يكون دائماً قادراً على فعل ذلك. ولا يكفي ان يكون قوياً بل يقتضي ان يكون اقوى من اعدائه جميعاً. بل يقتضي ان يحول دون استقواء ايٍّ منهم لئلاّ تملي عليه مصالحه او رؤيته الإستراتيجية ان يتقوّى ويتوطد اكثر. الكيان الصهيوني ، بهذا المعنى ، عدو للعالم أجمع من حيث هو فضاء لامتناهٍ لإستنبات اعداء محتملين لـِ "شعب الله المختار".
لا مبالغة حقاً في الجزم بأن الصراع مع "اسرائيل" صراع وجود لا صراع حدود . فأين ومتى تكون جولة الصراع القادمة ؟
القادة الصهاينة يقولون جهاراً إن عدوهم المرحلي هو ايران وان جولة الصراع ستكون معها ، في سوريا تحديداً ، وفي كل مكان يكون لها فيه نفوذ. في هذا السياق ، تنشط "اسرائيل" لإقناع العالم ، ولاسيما الولايات المتحدة وروسيا ، بأن ايران خطر ماثل يهدد الجميع . قال ذلك رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو للرئيس الاميركي دونالد ترامب خلال زيارته الاخيرة لها ، ثم ما لبث ان ارسل وفداً برئاسة قائد "الموساد" يوسي كوهين لأقناع اركان مجلس أمنها القومي بصحة رؤيته وبضرورة تفعيل المواجهة الشاملة للخطر الإيراني المحدق.
نتنياهو هذا حاول مراراً إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بالأمر نفسه. آخر محاولاته كانت قبل ايام خلال اجتماعه اليه في سوتشي. مصادر اسرائيلية نسبت اليه ، بعد الإجتماع ، قوله إن "اسرائيل" لن تتوانى عن العمل منفردة ضد ايران اذا اقتضت مصالحها الأمنية ذلك .
لا يبدو ان اميركا وروسيا استجابتا الى ما تريده "اسرائيل" . ثمة استجابة في بعض النواحي التكتيكية ، لكن لا إلتزام في الأهداف الإستراتيجية والإجراءات العملانية . فماذا تراها تفعل دولة العدوان ؟
القادة الصهاينة ادركوا مبكراً هذه الحقيقة ، لذلك فكروا وناقشوا سراً وعلانية بضعة احتمالات وتوجّهات ومسارات . لعل ما كشفه غيورا أيلاند، الرئيس السابق لمجلس الامن القومي وشعبة الإستخبارات العسكرية "امان" في صحيفة "يديعوت احرنوت"( 2017/8/23) يستوقف المتابع والباحث اكثر من غيره. يقول أيلاند "إن الحرب الدائرة في سوريا على وشك الإنتهاء ، وبدأت تلوح مؤشرات قوية الى ان الإئتلاف الذي يضم نظام الرئيس بشار الأسد وحــزب الله وايــران وروسيا سيكون الطــرف المنتصر فيها". يــرى ايلاند "ان الإيرانيين يريدون ان يقيمــوا في سوريا "حزب الله – 2" يكون عبارة عن قوة من الميليشيات الشيعية المنتشرة في هضبة الجولان على طول منطقة الحدود مع اسرائيل (...) وان اي مواجهة ستنتدلع بين اسرائيل وحزب الله يمكن ان تؤدي بسرعة الى اندلاع حرب شاملة بين اسرائيل وسوريا ايضاً ".
يعترف ايلاند بأن "الرافعات التي بحيازة اسرائيل ضد هذا التطور الخطر محدودة للغاية" ، لكنه لا يقرّ بأنها تحتل قسماً من الجولان ، وانها تدعم لوجستياً وعسكرياً الميليشيات الإرهابية التي تسيطر على قسم من الجولان المحرر وتحاول مدّ سيطرتها الى جواره . ومع ذلك يرى ايلاند انه "يتعيّن على "اسرائيل" القيام بأربعة امور:
الاول ، إقناع الولايات المتحدة بتنفيذ "صفقة رزمة" مع روسيا "تكون واشنطن بموجبها مستعدة لرفع العقوبات المفروضة على موسكو والاعتراف بوجودها في شرق اوكرانيا في مقابل قيام روسيا بمنع استمرار الوجود الإيراني في سوريا".
هذا الكلام يطرح سؤالاً : صحيح ان لـِ "اسرائيل" نفوذاً قوياً في الولايات المتحدة ، لكن هل في مقدورها حمل اميركا على إجراء تعديل استراتيجي بالغ التأثير في اوروبا بمعزل عن حلفائها الاطلسيين ؟ ثم هل في مقدور روسيا ان تضحي بحقوق حليفها السوري ومصالح حليفها الإيراني او ان تكون لها الارادة والقوة القادرتان على "منع استمرار الوجود الإيراني في سوريا" ؟
الأمر الثاني ، "ان توضح اسرائيل لروسيا على نحوٍ صارم انها ستعمل بطرق عسكرية لمنع بناء قوة عسكرية ايرانية بالقرب من منطقة الحدود في الجولان". يمنيّ ايلاند النفس بالتوصل مع موسكو الى تفاهمات، كما في الماضي ، تمكّن سلاح الجو الإسرائيلي ، من "شن هجمات في الاراضي السورية وغض روسيا النظر عنها".
سؤال : هل في مقدور موسكو ان تسمح لـِ "اسرائيل" بأن تضرب قوات او قواعد عسكرية ايرانية اذا كانت سوريا ، حليفة روسيا ، قد اجازت في إطار حقها كدولة سيّدة إقامة قواعد ونشر قوات ايرانية؟ ثم أليس في مقدور ايران التي تمتلك صواريخ دفاع جوي من طراز 300-S، او اخرى بفعالية مماثلة ، التصدي بنجاح مباشرةً او من خلال سوريا لسلاح الجو الإسرائيلي وتعطيل دوره ؟
الأمر الثالث، "ان تكرر اسرائيل الشرح لأصدقائها وبواسطتهم لأعدائها ايضاً ، انه في حال مبادرة حزب الله الى شن حرب عليها فستكون حرباً شاملة بينها وبين دولة لبنان كلها ، ومن شأن ايصال رسالة صارمة كهذه ان تكون عامل ردع نظراً لأن ما من احد معني بدمار لبنان عن بكرة ابيه".
سؤال : " ألم تقم "اسرائيل" خلال حرب 2006 بإستهداف لبنان ، شعباً وعمراناً ومرافق حيوية ، فهل شكّل عدوانها الوحشي آنذاك رادعاً مؤثراً على حزب الله او على لبنان بشخص رئيسه العماد اميل لحود وقياداته الوطنية ، السياسية والشعبية ؟ ثم ، هل ستكون "اسرائيل" ، سكاناً وعمراناً وقواعد عسكرية ومرافق حيوية ، بمأمن من عشرات الاف صواريخ حزب الله الموجّهة والفتاكة التي ما انفك قادتها وخبراؤها الإستراتيجيون ينوّهون بها ويحذرون منها ؟
الأمر الرابع ، "ان تستغل اسرائيل الكراهية التي يكّنها سكان هضبة الجولان السوريون لإيران وحزب الله من اجل تعزيز علاقاتها السرية مع هؤلاء السكان بما يتجاوز تقديم المساعدات الطبية والانسانية لهم ، وبما يسفر عن إقامة حليف حقيقي لها بالقرب من منطقة الحدود في الجولان".
سؤال : هل يمكن ان تغش قيادات "اسرائيل" نفسها الى حدِّ إنكار الكراهية الشديدة التي يكّنها لها اهل الجولان المحتل ، ولاسيما سكان مدينة مجدل شمس والقرى المجاورة ؟ ثم ، أليس لدى تنظيمات المقاومة السورية واللبنانية من القدرات والوسائل والأساليب والادوات ما يمكّنها من تعطيل مفعول المساعدات الطبية والانسانية و"بما يتجاوزها" ايضاً على نحوٍ يؤدي الى تعبئة اهالي الجولان والمناطق المجاورة وانخراطهم تالياً في مقاومة مدنية وميدانية للإحتلال الاسرائيلي؟
لعل الجواب الأفعل عن الاسئلة المطروحة آنفاً هو ما اختتم به ايلاند دراسته تلك :
"إجمالاً لا بدّ من القول إن ثمة خطراً في الأفق ينذر بحدوث تحوّل استراتيجي نحو الأسوأ في اوضاع اسرائيل في الجبهة الشمالية لأول مرة منذ سنوات طويلة".
... وكان حريّاً به ان يضيف : والى سنوات قادمة ايضاً.