الحرب الإرهابية العالمية مستمرة...
جريدة "الخليج" الاماراتية
تاريخ 22/2/2014
الحرب الإرهابية العالمية مستمرة
د. عصام نعمان
عانى الكون حروباً نظامية طوال عشرين قرناً ومنذ هجمات "القاعدة" في 9/11/2001 على برجي التجارة العالمية في نيويورك و"البنتاغون" في واشنطن ، دشّنت الولايات المتحدة الحرب الإرهابية العالمية الاولى خلال القرن الحادي والعشرين بهجمتها الثأرية على حكومة طالبان الافغانية الحاضنة لـِ "القاعدة"
هذه الحرب ما زالت مستمرة بجبهات متعددة فاضت من افغانستان على العراق وبعدهما على سوريا ، ومن ثم على لبنان ومصر بعض التنظيمات الإرهابية الناشطة هادن أمريكا بعضها الاخر اصبح مخلب قط بيدها
لا حروب نظامية عالمية بعدما وضعت الحرب العالمية الثانية اوزارها العام 1945 السبب ؟ لأن الاسلحة النووية باتت في متناول عدد غير قليل من الدول ذلك يؤدي الى تدمير المتحاربين في حال استعمالها ، وقد يؤدي الى تدمير العالم
الحرب الإرهابية باتت البديل "الواقعي" من الحرب النظامية لأن خوضها ممكن من دون اسلحة نووية رغم ان مفاعيلها كارثية على البشر والشجر والحجر ومن يدري ، ربما تستحصل التنظيمات الإرهابية يوماً ما على اسلحة نووية ايضا عندها لن يستطيع احد ان يتوقع ايَّ مصير سينتهي اليه عالمنا
جميع جبهات الحرب الإرهابية العالمية ناشطة بلا هوادة لعل اكثرها دلالة جبهتها اللبنانية فقد تلقت حكومة تمام سلام الجديدة ، بعد ثلاثة ايام من اعلانها، "هدية" سريعة مدوّية من "كتائب عبد الله عزام"
هل كانت الحكومة الجديدة هي المقصودة فعلاً بالعملية الإرهابية ؟ وما الرسالة التي ارادت توصيلها ؟
هوية الجهة الفاعلة تسمح بهذا التفسير فقد تمكّنت استخبارات الجيش اللبناني قبل نحو اسبـوع مـن إلقاء القبض على رأس شبكة خطيرة لـِ "كتائب عبد الله عزام" ، المدعو نعيم عباس ، ونتيجةَ اعترافاته تمكّنت قوى الامن من احباط عمليتين ارهابيتين في اليوم نفسه
نجاح الكتائب الإرهابية ذاتها في العملية الاخيرة ذات التفجيرين المدويين يوم الاربعاء الماضي يدل على ان ثمة شبكات وخلايا نائمة لها مستقلة عن شبكة نعيم عباس ظلّت بمنأى عن قبضة الجيش ، وان بإمكانها القيام بعمليات اخرى في المستقبل
رئيس الحكومة تمام سلام اعتبر ان رسالة العملية الإرهابية "وصلت وسنتلاحم ونتضامن في مواجهتها" وزير الداخلية نهاد المشنوق تعهّد بـ "تجفيف معابر الإرهاب على الحدود مع سوريا" فهل تجفيفها سيكون من الإرهابيين ام من السلاح ام من المال ، علماً ان الاخير هو العنصر الافعل في المواجهة ؟
قيل إن الرسالة موجهة ، بالدرجة الاولى ، الى زعيم قوى 14 آذار سعد الحريري لكونه وافق اخيراً على جلوس وزرائه مع وزراء حزب الله على طاولة حكومة واحدة لكن استهداف الحريري ، ولو بصورة غير مباشرة ، يصيب احد مصادر التمويل الصديقة له التي يبتغي الوزير المشنوق تجفيفها فهل القصد من التفجيرين الإقتصاص من ذلك المصدر بسبب تغييرٍ حاصل في سياسته ام هو تحذير له لعدم القيام بذلك ؟
الحقيقة ان زمان العملية الإرهابية ومكانها حمّالا اوجه عدّة
التوقيت لافت لأنه يتزامن مع عدة تطورات ، والمكان لافت ايضاً لأنه يؤشر الى عدة جهات
التوقيت متزامن ، اولاً ، مع انتهاء محتمل للأزمة السياسية في لبنان بعد اجتماع قوى 14 آذار المعادية لسوريا مع حزب الله حليف نظامها المعادي للسعودية في "حكومة المصلحة الوطنية" التي اعلنت عداءها للإرهاب والإرهابيين مكان العملية الإرهابية قريب جداً من احدى ثكن الجيش اللبناني ما يؤشر الى رسالة واضحة موجهة الى الحكومة الجديدة
والتوقيت متزامن ، ثانياً ، مع اقتراب معركة يبرود في منطقة القلمون حيث يقوم الجيش السوري بتطويقها لاخذها قبل حلول موعد الجولة الثالثة لمؤتمر جنيف 2 مكان العملية الإرهابية قريب جداً من سفارة ايران في بيروت ما يؤشر الى رسالة موجهة الى حكومة دمشق عبر سفارة حليفتها ايران
والتوقيت متزامن ، ثالثاً ، مع اعلان السعودية عزمها على تسليح المعارضة السورية "المعتدلة" بأسلحة نوعية مكان العملية قريب جداً من قصر رياض الصلح حيث تسكن كريمته الوزيرة السابقة ليلى الصلح ، خالة الامير الوليد بن طلال بن عبد العزيز ، التي تقوم بإسم مؤسسته الخيرية بدعم سخي وواسع للكثير من الجمعيات الإنسانية في مختلف مناطق لبنان هل يؤشر ذلك الى إحتمال ان يكون من اغراض العملية ايضاً توصيل احتجاج الى السعودية التي لولا موافقتها لما تمكّن سعد الحريري من الترخيص لجماعته بالاشتراك في حكومة واحدة مع حزب الله المتحالف مع سوريا ؟
كل هذه الإحتمالات والمؤشرات ممكنة ، وهي إن تدل على شيء فعلى ان الحرب الإرهابية العالمية مستمرة ومتمادية ، وانها تتناول كل دول المشرق العربي بدرجات متفاوتة من العنف الاعمى ، وان التنظيمات الإرهابية الضالعة فيها باتت متجذرة في مدنها واريافها بشبكات كثيرة وخلايا نائمة وقادرة على الفعل بقوة وعنف ووحشية هائلة
لعل ما يؤكد على استمرارية الحرب الإرهابية العالمية وديمومتها الخلافُ المتزايد بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن مؤتمر جنيف 2 وما يمكن ان ينتهي اليه من تسوية بشأن سوريا ، وما يمكن ان يتفق او لا يتفق عليه القطبان العالميان خلال فصول الحرب الإرهابية العالمية الدائرة من افغانستان شرقاً الى البحر المتوسط غرباً
اجل ، فجوة الخلاف بين القطبين تتسع وتتطور ، في الواقع ، الى حرب باردة بينهما تتفجر فصولها الساخنة في ساحات العراق وسوريا ولبنان ومصر و فلسطين المحتلة بطبيعة الحال