نشرت بجريدة"البناء و"القدس العربي"
تاريخ 7/8/2017
ترامب ليس أقل جنوناً من بوش:
هل تضرب اميركا حزب الله
خلال هجوم الجيش اللبناني على "داعش"؟
د. عصام نعمان
ثمة من يشيع ، بخبث ، ان الجيش اللبناني ليس قادراً وحده على مقاتلة "داعش" وإجلائه عن جرود راس بعلبك والقاع ، واذا كانت اميركا لم تزوده ، بضغط ٍ من "اسرائيل" ، بالاسلحة الثقيلة اللازمة للقيام بالمهمة المطلوبة ، فهي لن تتوانى عن دعمه خلال هجومه الماثل على "داعش" وفق ما فعلته مع قوات سوريا الديمقراطية ("قسد") ذات الغالبية الكردية خلال هجماتها لطرده من "عاصمة الخلافة" في الرقة السورية .
الذين يتوقعون من اميركا هذه "المكرمة" يعرفون ان الجيش اللبناني قادر بوضعه الحالي على القيام بالمهمة الوطنية المطلوبة من دون دعم منها ، فلماذا يطالبونها بذلك ؟
الواقع ان فريقاً من اهل السياسة والمصالح في لبنان متضررون من وجود حزب الله ونشاطه المقاوم ، ويخشون من ان تؤدي انتصاراته على "اسرائيل" وعلى تنظيمات الارهاب التكفيري الى تعاظم نفوذه السياسي ودوره الإقليمي وانعكاس ذلك سلباً على وجودهم ومصالحهم الذاتية.
الى ذلك ، تشاطر "اسرائيل" بعض الحكام العرب مخاوفهم من تزايد قدرات حزب الله العسكرية وتوسّع دوره الاقليمي وإنعكاسه سلباً على وجودها ومصالحها كما على وجودهم ومصالحهم وتسعى ، من بين امور كثيرة ، الى بناء جبهة اقليمية لمجابهة قوى المقاومة العربية في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن ، والى إقناع الولايات المتحدة بضرورة اضطلاعها بدور سياسي وعسكري واقتصادي فاعل في هذا المجال كونها متضررة ، شأنهم ، من ايران التي تدعم سراً وعلناً قوى المقاومة العربية وتهدد مصالح اميركا كما مصالح حلفائها في المنطقة .
الولايات المتحدة تدرك هذه الحقائق والمخاطر ، وقد باشرت منذ عقود سياسة مجابهة ايران بفرض عقوبات قاسية عليها ، كما قامت بتوصيف بعض قوى المقاومة ، وفي مقدّمها حزب الله و"حماس"، بأنها تنظيمات ارهابية ، ولم تتوانَ عن دعم "اسرائيل" وغيرها في محاصرتها ومحاربتها.
اليوم تجد اميركا و"اسرائيل" وحلفاؤهما انفسهم امام واقع جديد متزايد الخطورة على مصالحهم . ذلك ان فشل سياستهم في دعم تنظيمات الارهاب التكفيري في العراق وسوريا قد صبّ في مصلحة قوى المقاومة العربية عموماً ، ولا سيما في لبنان ، الامر الذي يستوجب ، في نظرهم ، احتواء هذه القوى في سياق العمل على تحييد بعضها وضرب بعضها الآخر.
في هذا السياق يدعو المتضررون من المقاومة الى قيام الولايات المتحدة ، تحت ستار دعم الجيش اللبناني في هجومه على "داعش" لتحرير جرود راس بعلبك والقاع ، بضرب قوات حزب الله العاملة مع الجيش السوري في الجرود السورية المقابلة للجرود اللبنانية، والعمل بعدئذن بالتعاون مع فريق 14 آذار الموالي للغرب على تمديد سلطة القوات الدولية "يونيفل" في جنوب لبنان لتشمل حدوده الشرقية مع سوريا.
السيد حسن نصر الله وانصار المقاومة في لبنان اعتبروا دعوة اميركا الى دعم الجيش اللبناني ضد "داعش" بدعوى عدم قدرته على مواجهته بأنها إهانة لهذا الجيش الوطني ودانوا مقاصدها الخبيثة. قادة "اسرائيل" لم يعلّقوا علناً عليها بعد وإن كانوا يؤيدون مقاصدها ضمناً نظراً لتخوّفهم الشديد من القدرات والخبرات التي اكتسبها مقاتلو حزب الله خلال مشاركتهم في القتال ضد تنظيمات الارهاب التكفيري في سوريا وامكانية افادتهم منها في القتال ضد الكيان الصهيوني.
سياسيون ومراقبون في لبنان وسوريا استبعدوا انزلاق الولايات المتحدة الى ضرب قوات حزب الله في سوريا لأسباب متعددة ابرزها خمسة :
- محاذير خرق سيادة سوريا واحكام القانون الدولي من دون قرار من الامم المتحدة .
- محاذير ضرب دولة حليفة لروسيا في وقت توصلت اميركا الى تفاهم معها حول سياسة "مناطق خفض التصعيد" على مجمل اراضي سوريا في سياق التمهيد لإنهاء الحرب.
- احتمال قيام سوريا بإستعمال صواريخ متطورة للدفاع الجوي كانت قد زودتها بها روسيا وايران الامر الذي يشكّل لطمةً قاسية ، سياسية وعسكرية ، للولايات المتحدة.
- إحتمال قيام حزب الله بردٍّ صاروخي قاسٍ على مصالح وازنة للولايات المتحدة في المنطقة.
- احتمال تطور الإِشتباك الى حرب اقليمية ليست في مصلحة اميركا و"اسرائيل".
هذه المحاذير وغيرها قد لا تُلجم دونالد ترامب عن ركوب مغامرة ضرب حزب الله في سوريا. فهو ليس اقل جنوناً من الرئيس الاميركي السابق جورج بوش الابن الذي لم يتوانَ عن اختلاق كذبة فاجرة حول امتلاك العراق في عهد صدام حسين اسلحة نووية، واكذوبة تحالفه مع "القاعدة" ليبرر شنَّ حربٍ ضارية لامجدية عليه ما زال شعبه يعاني حتى الآن من آثارها الكارثية.
يزداد هذا الإحتمال الجنوني قابلية مع استذكار حقيقة متكررة في تاريخ الولايات المتحدة هي ان لكلٍ رئيس اميركي حربه الخاصة ضد مَن اعتبره ، بحق او بغير حق ، تهديداً لبلاده ومصالحها . ولعل ترامب الذي يجد نفسه في تناقض متنامٍ مع الكونغرس، ووسط نفوز متزايد من الرأي العام الاميركي ، وفي غمرة عداء متعاظم من وسائل الإعلام ، وتعثر فاضح في اداء معاونيه ... قد يجد نفسه ، بتحريضٍ سافر من "اسرائيل" وانصارها النافذين في اميركا نفسها، في وضع يغريه بشن حربٍ على قوى المقاومة العربية التي يعتبرها ارهاباً اكثر فعالية من الإرهاب التكفيري ، وان ضربها يؤدي الى إضعاف ايران وكسر شوكتها وإنهاء تمدد نفوذها الاقليمي ، كما يساعده على استعادة زمام المبادرة السياسية في الداخل الاميركي.
إن هذا الخيار هو على درجة من الجنون سيحمل المؤسسات الامنية الكبرى ( التي بات ترامب اكثر اعتماداً على قادتها ) الى تقدير فداحة الاخطار والاضرار الناجمة عن تنفيذه فيتخذون من الخيار الجنوني، بل من ترامب نفسه ، موقفاً سلبياً قد يصل الى حدّ التمرد السافر عليه .
ليس هذا الموقف المحتمل وحده ما سيحمل ترامب على لجم جنونه بل ثمة اعتبار آخر لن يغيب عن تفكير وتقدير قادة المؤسسات الامنية الكبرى ، وفي مقدّمها وكالة الامن القومي ووكالة الإستخبارات المركزية ، وهو ان يؤدي ضرب حزب الله في سوريا خلال عملية تعاونه مع الجيش السوري ضد "داعش"، الى حمل قيادته على تفجير احدى مفاجآتها الواعدة ، خصوصاً بعدما تبيّن ان "اسرائيل" لم تنجز بعد نقل مخزونها الضخم من الامونياك في حيفا الى مكان آمن.
الجنون فنون ، وكذلك التعقل الذي يتقنه اصحاب العقول الكبيرة التي تُحسن قراءة الحاضر وترى الى المستقبل البعيد ، فتتفادى الإنزلاق الى مهاوي السياسات الطائشة او تكون قد احتاطت واقتنت من وسائل القوة ما يمكّنها من ردع الطائشين والمجانين .