نشرت بجريدة " البناء" والخليج"
تاريخ 29/7/2017
هل من أفق سياسي امام الفلسطينيين
في المواجهة المتصاعدة حول المسجد الأقصى ؟
د. عصام نعمان
بعدما رضخت "اسرائيل" للإعتراضات والضغوط الشعبية المقدسية خاصةً والفلسطينية عامةً وأعادت الوضع في المسجد الأقصى الى ما كان عليه قبل 14 تموز /يوليو الماضي، هل يحقق الفلسطينيون نتيجَة ذلك اختراقاً سياسياً يخدم قضية فلسطين المتعثرة ؟
إن الإجابة عن السؤال تستوجب عرض ما يريده طرفا الصراع المحتدم بعد اسبوعين على اندلاعه.
الفلسطينيون حيال الأزمة-التحدي فئتان : الاولى تتمثل في منظمة التحرير والسلطة اللتين تقودهما حركة "فتح" برئاسة محمود عباس . لعل ما أعلنه السفير الفلسطيني رياض منصور في مجلس الامن الدولي يمثّل موقف هذه الفئة ومطالبها :
- إنهاء انتهاكات "اسرائيل" لحرية المصلين في ممارسة شعائرهم الدينية في المسجد الأقصى.
- إزالة البوابات الالكترونية وكاميرات المراقبة وكل المعوقات الاخرى التي وضعتها "اسرائيل" على مداخل المسجد وحوله.
- الحفاظ على الوضع القائم في المسجد قبل احداث 14 تموز/يوليو الماضي.
- ايجاد ضمانات لعدم تكرار "اسرائيل " هذه الإنتهاكات.
الى ذلك قطع محمود عباس اتصالات السلطة مع حكومة "اسرائيل" وجمّد التنسيق الامني معها.
الفئة الثانية من الفلسطينيين ، وقوامها الفصائل المتشددة المعارضة لمحمود عباس وسلطته ، اعتبرت مطالب الفئة الاولى حدّاً ادنى لا يمكن التراجع الى ما هو ادنى منه . غير انها ارفقت موقفها العلني هذا بموقف آخر ضمني قوامه تأجيج غضب الوسط الشعبي ، افراداً وجماعات ، والعمل على تطويره بإتجاهين : تسريع وتيرة إستعادة الوحدة الوطنية ، وتطوير التحركات الجماهيرية الى هبّة او انتفاضة شعبية تشمل كل ارجاء الوطن المحتل.
رفضت "اسرائيل" ، بادىء الامر ، مطالب الفلسطينيين المعلنة والمضمرة وقامت ، مباشرةً ومداورةً ، بإجراء دراسات واتصالات لإيجاد بدائل مما اقامته من عوائق وترتيبات امنية على مداخل المسجد الاقصى مع الحرص على عدم الظهور بمظهر المنكسر امام غضبة الشعب الفلسطيني.
كِلا الطرفين ، الفلسطيني والإسرائيلي ، يجد نفسه ، لدوافع مختلفة ، غير قادر على التراجع . عباس ( وفريقه) يجد ، إزاء هبّة الشعب الجارفة في الضفة وغزة ناهيك عن مناطق فلسطين 1948 وحيال صلف حكومة نتنياهو وإيغالها في توسيع مناطق الإستيطان بقصد جعل مشروع الدولتين غير ذي موضوع وبالتالي تعطيل المفاوضات ، يجد صعوبة بالغة في تجاوز غضبة الشعب ضد منتهكي مقدسات فلسطين ورموزها الوطنية والدينية . ولعله يجد في التماهي مع غضبة الشعب الشاملة تعويضاً مناسباً لشخصه بعد تراجع مكانته السياسية وضمور شعبيته نتيجةَ الإستمرار في تعاطيه اللامجدي مع "اسرائيل". غير انه أبقى ، مع ذلك ، باباً خلفياً مفتوحاً مع حكومة نتنياهو بقوله إن لا سبيل الى اعادة التواصل مع السلطات الاسرائيلية ومعاودة التنسيق الأمني معها إلاّ بعد اعادة وضع المسجد الأقصى الى ما كان عليه قبل احداث 14 تموز الماضي.
نتنياهو بدا ، ظاهراً ، غير مستعد للتراجع لسببين : الاول ، خوفه على حكومته اذا ما ادى اي تراجع يُقدم عليه الى إغضاب المستوطنين وسائر قوى اليمين المتطرف ما يؤدي الى سقوط حكومته . الثاني ، ان اي تراجع سيفسره الإسرائيليون والعرب والعالم بأنه إنكسار امام الفلسطينيين وانه ضربة قاتلة لهدف استراتيجي بالغ الأهمية في نظره ونظر حكومته الإئتلافية هو فرض سيادة "اسرائيل" على المسجد الأقصى.
بعدما تحركت قوى عربية واقليمية ودولية لإيجاد مخرج من الازمة المتصاعدة يحفظ ماء الوجه لكِلا الطرفين ، لاحظ مراقبون متبصرون امراً لافتاً : إمساك المتشددين الفلسطينين تصاعدياً بقوى الشارع ونزوعهم الى رفض اي تسويات مُذِلّة تزيد الناس حبوطاً وهبوطاً ، وسيطرة المستوطنين المتطرفين على نتنياهو وحكومته ما جعل القبول بوقف الإستيطان كمدخلٍ لعودة المفاوضات حول مشروع الدولتين أمراً شبه مستحيل .
في وضعٍ متفجر ومرشح لمزيد من الإضطراب والإلتهاب ، لن يجد الفلسطينيون "المعتدلون" امثال محمود عباس افقاً للصراع القائم يتيح لهم تحقيق خرق سياسي ذي جدوى ، في حين يجد الفلسطينيون الغاضبون ، ولا سيما المؤمنين بخيار المقاومة ، ان الفرصة مؤاتية لممارسة جهود أفعل بين الفلسطينيين انفسهم في الوطن والشتات للدفع بإتجاه هدفين استراتيجيين: تسريع وتيرة إستعادة الوحدة الوطنية ، وتوفير متطلبات المقاومة الشعبية وممارستها بفعالية ونَفَس طويل بكل الوسائل المتاحة وفي كل ارجاء الوطن المحتل والشتات بغية إكراه حكومة "اسرائيل" العنصرية على وقف عمليات الإستيطان نهائياً والرضوخ لمقتضيات مرحلة مغايرة في تاريخ الصراع قوامها الإقرار بحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للإلغاء وفي مقدّمها الحق في تقرير المصير .