من مكافحة الإرهاب الى تطويق تداعياته...
جريدة "القدس اللندنية،
جريدة "البناء" اللبنانية
تاريخ 17/2/2014
من مكافحة الإرهاب الى تطويق تداعياته
د عصام نعمان
مصر وسوريا ولبنان والعراق مشغولة بمكافحة الإرهاب الولايات المتحدة يهمها هذا الامر ، لكنها مشغولة اكثر بمكافحة تداعياته فالإرهاب الذي كان انفجر في وجه المشير عبد الفتاح السيسي سرّع تقرّبه من روسيا صحيح ان لدى السيسي دوافع اخرى استراتيجية لسلوك هذه الطريق ، لكن إنحياز الولايات المتحدة المبكر الى الاخوان المسلمين وتسهيل وصولهم الى السلطة ، ثم دعوتها السيسي وحلفاءه الى الترفّق بهم حتى بعد ثبوت لجوئهم الى العنف والإرهاب ، فسّره هؤلاء بأنه إمعان في دعم الاخوان وصولاً ، ربما ، الى مناهضة القوى السياسية المصرية التي تحتضن ثورتي 25 يناير و30 يونيو وبالتالي مناهضة السيسي شخصياً
ادارة اوباما اقلقتها زيارة السيسي لموسكو لم تتأخر في التعبير عن امتعاضها لكنها كظمت غيظها وبادرت الى تأكيد وجود علاقات قديمة ومتينة مع قيادات الجيش المصري لعلها ستعاود قريباً تأكيد إلتزامها تزويد مصر المساعدة المالية السنوية التي تفوق المليار ونصف المليار دولار هذا بعض ما تعتزم القيام به لمواجهة تداعيات الإرهاب التي عجلت في ذهاب السيسي الى موسكو
في سوريا ، نجح الجيش في إحراز تقدم ملوس في مدينة حمص ومحيطها وفي جبال القلمون وصولاً الى مدينة يبرود ذات الموقع الإستراتيجي كما نجح في اقناع نحو 1500 مسلح من "الجيش الحر" بالإستسلام والعودة الى كنف الدولة هذه التطورات الميدانية شدّت ازر الوفد السوري المفاوض في جنيف فتصلب في وجه وفد "الإئتلاف" المعارض رافضاً البحث في مسألة الحكومة الإنتقالية قبل الإنتهاء من مسألة مكافحة الإرهاب
ادارة اوباما ساءها تصلّب سوريا وانحت باللائمة على موسكو المثابرة على دعم دمشق سياسياً وعسكرياً صحيح ان واشنطن تخشى مفاعيل إتساع نشاط تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام – داعش" ويهمها تالياً الحد من قدراته، وحتى إخراجه من حومة الصراع لكن يهمها اكثر ألاّ تصبّ هزيمة "داعش" على يد الجيش السوري في مصلحة الرئيس بشار الاسد لذلك بادرت الى توجيه تهديد الى سوريا بلسان احد مسؤولي وزارة الخارجية بتدفيعها ثمن احباط مفاوضات جنيف
محاولات ادارة اوباما تطويق تداعيات مكاسب الجيش السوري ميدانياً والوفد السوري المفاوض ديبلوماسياً لن تتوقف عند هذا الحد ثمة ضغوط سياسية تجري ممارستها ايضاً في مجلس الامن الدولي ، واخرى عسكرية تجري في جنوب سوريا بعدما نجحت واشنطن بالتعاون مع حلفائها الإقليميين في توحيد 49 فصيلاً مسلحاً معارضاً في جيش واحد فضفاض يربو عديده ، كما ترَدَدَ ، على 30,000 مقاتل ذلك كله تأمل واشنطن بأن يساعدها على لجم تقدم الجيش السوري في مسارح القتال والحؤول تالياً دون تسجيله انتصاراً سريعاً على قوى المعارضة المسلحة
في لبنان ، حقق الجيش ثلاثة انجازات مدوّية : وضع اليد على كنز معلومات بإلقائه القبض على نعيم عباس ، رئيس شبكة إرهابية تابعة لـِ "كتائب عبد الله عزام"، مسؤولة عن تخطيط وتنفيذ عدة اغتيالات وتفجيرات دموية في بيروت وضاحيتها الجنوبية ، واحبط عملية تفجير سيارة مفخخة تقودها ثلاث فتيات في وادي البقاع ، وكشف مستودعاً يحتوي صواريخ وقنابل مدفعية وعبوات ومتفجرات بكميات ضخمة في منطقة الدبيّة الجبلية
عززت هذه الإنجازات وضع قوى 8 آذار ما ادى الى تليين موقف قوى 14 آذار من مسألة تأليف الحكومة وبالفعل كاد تمام سلام يتوجّه الى القصر الجمهوري صبيحة يوم الجمعة الماضي لإعلان تركيبتها لولا ان خلافاً انفجر فجأة حول إسناد وزارة الداخلية الى اللواء اشرف ريفي ذلك ان قوى 8 آذار تعتبره متطرفاً في موالاته لقوى 14 آذار ، وقد عارضت قبل 11 شهرا تمديد تعيينه مديراً عاماً لقوى الامن الداخلي ما تسبّب بإستقالة حكومة نجيب ميقاتي
اللافت ان تدخلات سريعة ، اميركية وسعودية ، جرت لتجاوز الخلاف محورها إبقاء حقيبة الداخلية بيد حزب سعد الحريري والإستعاضة عن الريفي بالنائب نهاد المشنوق
واشنطن تدخلت بقوة لتفادي استفحال الازمة الحكومية مخافة صعود نفوذ قوى 8 آذار التي تستحوذ على ثلثي وزراء حكومة ميقاتي القائمة بتصريف الأعمال والمخوّلة تالياً ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية اذا ما تعذّر التوافق على خلف للرئيس ميشال سليمان قبل انتهاء ولايته في 25 ايار/ مايو المقبل
تدخل واشنطن السريع تمّ لتطويق تداعيات نجاح الجيش اللبناني في مكافحة الإرهاب صحيح انها لا تريد للتنظيمات الإرهابية ان تزعزع إستقرار لبنان ، لكنها لا تريد ايضاً ان يصبّ ذلك في مصلحة قوى 8 آذار المؤيدة للرئيس الاسد في صراعه مع المعارضة السورية المسلحة ذلك كله دفع ادارة اوباما الى اعتماد سياسة قوامها تأمين مشاركة قوى 14 آذار في الحكومة الجديدة بغية تحقيق توازن في السلطة يحول دون إستفادة دمشق من التحّولات الامنية والسياسية الحاصلة في لبنان
في العراق ، وسّع تنظيم "داعش" نشاطه الميداني في محافظات الانبار ونينوى (الموصل) وصلاح الدين وديالي وبابل والتأميم (كركوك) ولتفادي لجؤ حكومة نوري المالكي الى ايران للإستحصال على مزيد من الدعم السياسي والعسكري قررت واشنطن تسريع عملية تسليم العراق الاسلحة الثقيلة ، ولا سيما الطائرات والمقاتلات والصواريخ التي كانت وعدت بها بغداد
كل هذه التطورات المتسارعة في مصر وسوريا ولبنان والعراق تشير الى اندلاع حرب باردة بين الولايات المتحدة وروسيا مرشحة الى مزيد من الإتساع والتأزّم ذلك ان موسكو تستشعر نزوعاً مستجداً لدى ادارة اوباما الى استثمار حال الإرهاب التي تلف المنطقة من اجل رسم خريطة جيوسياسية جديدة لدول المشرق العربي ولا تستبعد موسكو ان تلجأ الولايات المتحدة وفرنسا الى عمليات عسكرية مؤثرة ، برية وجوية ، لوقف تقدم الجيش السوري النظامي على الارض الغاية من وراء هذا التدخل العسكري المحتمل ايجاد حال من التوازن في ميادين القتال لتعزيز المركز التفاوضي لوفد "الإئتلاف" المعارض في مفاوضات جنيف
موسكو المثابرة على دعم دمشق ديبلوماسياً في جنيف وسياسياً في مجلس الامن ، استخلصت من اشارة اوباما الى "عمل عبر الحدود" ، أثناء لقائه الملك الاردني عبد الله الثاني ، بأنه يعني واحداً من ثلاثة:
استخدام طائرات من دون طيار لضرب مواقع وقطعات للجيش السوري ذات اهمية استراتيجية
اعطاء ضوء اخضر للسعودية لتزويد المجموعات المعتدلة من المعارضة السورية المسلحة صواريخَ مضادة للطائرات بغية تعطيل حركة سلاح الجو السوري
تمكين كتائب المقاتلين السوريين التابعين لـِ "الجيش الحر" الذين قامت القوات الاميركية في الاردن بتدريبهم من العبور الى جنوب سوريا بغية توسيع العمليات الجارية على الحدود الاردنية – السورية ومحاولة التقدم شمالاً بإتجاه محيط دمشق
هذه الإحتمالات ستؤدي ، في حال تحققها ، الى تصعيد الحرب الباردة المستجدة بين واشنطن وموسكو ، والى تطويل أمد الصراع في الدول التي تنشط فيها تنظيمات ارهابية ، ولا سيما العراق وسوريا ولبنان ومصر وهي احتمالات ستجري تحت عنوان مكافحة الإرهاب او تطويق تداعياته التي لا تخدم سياسة الولايات المتحدة في المنطقة