نشرت بجريدة "البناء"
تاريخ 12/6/2017
التكفير عن تمويل الإرهاب بتمويل دونالد ترامب !
د. عصام نعمان
قطر ليست في حال حرب بل في حال حصار. مفاعيل الحصار ليست اقل كلفةً من الحرب ، لكنها اكثر رأفة بالناس، مواطنين ومقيمين. سكان قطر يربو عددهم على مليونين. ربع هؤلاء مواطنون والباقي مهاجرون من ذوي الكفاءات الادارية والفنية والإقتصادية والمهنية الى جانب قاعدة عريضة من المستخدمين والعمال والأجراء. من المهم جداً ، اذاً ، إبعاد شبح الحرب عن الامارة الثرية الصغيرة جغرافياً ، الواسعة النفوذ عربياً واقليمياً.
السعودية والامارات العربية المتحدة اعلنتا مقاطعـــة قطر وفرضتــا الحصار عليها. هل فعلتا ذلك بالتنسيق مع الولايــات المتحدة ام بمبادرة تلقائية منهما ؟ انتقاد دونالد ترامب قطر لقيامها بـِ "تمويل الإرهاب" حمل مراقبـين للمشهـد الخليجي على اتهام واشنطن بأنها وراء الحملـة السعودية-الاماراتية على الدوحة . لكن ترامب سرعان ما عدّل لهجته داعياً "الشركاء الخليجيين" الى "تهدئة التوتر" ، ثم ارفق ذلك بدعوة مفتوحة للتوسط بينهم في محادثات تجري في البيت الأبيض.
قطر اراحتها لهجة ترامب الهادئة ، لكنها أكدت بلسان احد مسؤوليها ان اميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لا خطط لديه لمغادرة البلاد وهي تحت الحصار". لعل ما قصد اليه المسؤول القطري ان الامير لن يتوانى عن استجابة دعوة الرئيس الاميركي اذا ما جرى رفع الحصار . ترامب استجاب لاحقاً بدعوته السعودية والامارات الى تخفيف عزلة قطر بعدما دعا الأخيرة مجدداً الى الكّف عن تمويل الإرهاب .
الرياض وابو ظبي ليستا ، في الوقت الحاضر ، مستعدتين لتخفيف الحصار و تقليص المقاطعة . بالعكس ، تبدوان مصممتين على متابعتهما لغاية الوصول الى اغراضهما المعلنة .
ماذا تريد الرياض وابوظبي من الدوحة ؟
تعدّدت التفسيرات . بعضها اشار الى رغبة المسؤولين السعوديين والامارتيين في تغيير النظام السياسي فيها . بعضها الآخر كان اكثر واقعية فأشار الى رغبتهم في ان تُوقف الدوحة إيواء قادة الاخوان المسلمين وأن تقوم بطردهم ، وبوقف تمويل التنظيمات الإرهابية المرتبطة بهم ، وتغيير لهجة قناة "الجزيرة" العدائية للرياض وحلفائها ، والإلتزام بمقررات قمم الرياض الاخيرة بحضور الرئيس الاميركي.
من الممكن ان تكون هذه المرامي جميعاً واردة في الأصل ، لكن تطور الصراع وتشابك علاقات القوى ادّيا الى التخلي عن بعضها والتخفيف من وطأة بعضها الآخر. فمن الثابت، بل من المنطقي ، الآن اعتبار هدف "اسقاط النظام السياسي القطري" غير وارد إما بسبب عدم الرغبة او عدم القدرة ، والنتيجة في الحالتين واحدة. لكن اجراءات المقاطعة والحصار ما زالت ناشطة على قدم وساق ، وهي تتسبّب بإنعكاسات وتداعيات اقليمية ودولية. فالرئيس التركي طيب رجب اردوغان استحصل من برلمانه على إجازةٍ بنشر قوة عسكرية تركية في قطر لا يقل تعدادها عن خمسة الآف ، مزودة بطائرات وسفن حربية .
الموقف التركي دفع الرئيس الاميركي الى تعديل لهجته ازاء قطر بالإيحاء باستعداده للعب دور الوسيط . في المقابل ، تحركت طهران لمواجهة السياسة السعودية-الامارتية الهجومية واحتمال استغلالها من قبل واشنطن بأن عرضت على الدوحة تخصيص ثلاثة موانيء ايرانية لتزويدها ما تحتاجه من مواد غذائية قد تفتقدها نتيجةَ الحصار موسكو عرضت وساطتها في هذا السبيل .
الى اين من هنا ؟
من المبكر ترجيح سيناريوهات وتسويات محددة . لكن من الضروري ان نضع في الحسبان الحقائق الاتية:
- واشنطن ليست بعيدة عما جرى ويجري اذ من الممكن ، بل من الأكيد ، ان تكون الرياض وابوظبي قد نسقتا معها مسبقاً في ما أقدمتا عليه لاحقاً.
- الولايات المتحدة ليست ، بطبيعة الحال ، اداةً بيد السعودية او غيرها . فهي دولة كبرى لها سياستها ومصالحها وتسعى الى تعزيزها وحمايتها. ومن الواضح ان ادارة ترامب مصممة على جباية المزيد من الاموال من بلدان الخليج بدعوى انها "اجور حماية" مستحقة ومستأخرة الاداء. ألم يحصل ترامب ، خلال زيارته الاخيرة للرياض ، على ما يزيد عن /350/ مليار دولار من المملكة ؟ يبدو انه يطمع بالحصول على مليارات اضافية من قطر لقاء إقلاعها عن تمويل الإرهاب.
- واشنطن كانت باشرت حملة سياسية واعلامية لإشعار بلدان الخليج بأنها مُهَدَدَة فعلاً من ايران ما يستوجب حصولها على مزيد من الاسلحة المتطورة. ألم تؤدِ هذه الحملة الى تخصيص الرياض مبلغ / 110/ مليار دولار لإبتياع المزيد من طائرات "اف -15" المقاتلة الاميركية ؟
- كانت قطر قد اوصت ، قبل الحملة السعودية-الاماراتية عليها ، على 72 من طائرات "اف- 15" ، وقد اكد مسؤول في وزارة الخارجية الاميركية لقناة "فوكس نيوز" بأن ثمة تقدماً في إتمام صفقة توريد الطائرات البالغة قيمتهـــا / 21,1/ مليار دولار . هل ثمة ما يمنع واشنطن، في حمأة الضغوط والحصار المضروب على قطر ، من ابتزاز حكومتها بالمزيد من مليارات الدولارات كأجور "وساطة" مع الرياض وابو ظبي لتسوية النزاع ورفع الحصار وكتكفير Expiation عن تمويل الإرهاب ؟!
- "اسرائيل" يهمها إنتهاز فرصة النزاع الخليجي للإستحصال على مكاسب سياسية وامنية . وزير خارجيتها افيدغور ليبرمان حرص على القول إن النزاع بين السعودية وقطر لا علاقة له بـ "اسرائيل" بل بطريقة مواجهة ايران وتنظيمات الإرهاب ، وانها ليست المشكلة بل هي الحل ما يؤهلها للقيام بوساطةٍ بين الاطراف المتنازعة ! الى ذلك ، لن تفوّت "اسرائيل" فرصة النزاع لتمارس ، عبر الولايات المتحدة ، ضغوطاً على قطر من اجل استجابة طلب السعودية والامارات بإبعاد قادة "حماس" من الدوحة ووقف دعمها المالي لها.
هكذا يتضح ان اميركا و"اسرائيل" مجتمعتين هما المستفيد الاول والابرز من النزاع الخليجي المتفاقم كونه فرصة مفتوحة للإبتزاز المالي والسياسي والامني . لكنهما لا تحتكران الإستفادة والكسب ، ذلك ان دول محور المقاومة لن تكون حزينة لمرأى اعداء المقاومة يشتبكون في ما بينهم ، ويتلهّون عنها لأسابيع واشهر وربما لسنوات...