نشرت بجريدة "البناء"
تاريخ3/6/2017
ازمة لبنان مستمرة :
لا تغيير بل مزيد من الشيء نفسه
د. عصام نعمان
تحتدم الخلافات بين اركان الشبكة الحاكمة حول قضايا وامور كثيرة ابرزها قانون الإنتخاب كونَه الصيغة "القانونية" التي يتمّ بموجبها توزّع المقاعد النيابية بين اركانها وبالتالي المراكز الاساسية في السلطتين التنفيذية والقضائية ، كما تقاسم المصالح والامتيازات .
لتأمين حصولهم على "حصصهم" السياسية والإقتصادية ، يلجأ اركان الشبكة الحاكمة الى رفع شعارات وطنية للتمويه ، او المطالبة بإستعادة "حقوق مهضومة" لطوائفهم، او السعي للحصول على ضمانات سياسية ودستورية لحمايتها ، او طرح تعديلات دستورية تخدم اغراضهم السياسية والخاصة .
خطورة الازمة مصدرها إنصرام مدة الدورة التشريعية العاديّة لمجلس النواب في 31 الشهر الماضي ، وصعوبة إنعقاده قبل إنصرام ولايته في 20 الشهر الجاري ما لم يقرر رئيس الجمهورية ، بالإتفاق مع رئيس الحكومة او بناءً لطلب الاكثرية المطلقة من مجموع اعضائه ، دعوتَه الى دورة استثنائية بمرسوم يحدد افتتاحها واختتامها وبرنامجها .
رئيس الجمهورية وَعَدَ بإصدار المرسوم المطلوب قبل انتهاء شهر ايار الماضي ، لكنه لم يفعل ما أثار رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي ردّ بدعوة المجلس الى الإجتماع في الخامس من الشهر الجاري . انصارُ الرئيس عون اعتبروا دعوة الرئيس بري باطلة عملاً بأحكام المادة 31 من الدستور التي تنص على ان "كل اجتماع يعقده المجلس في غير المواعيد القانونية (اي خارج الدورات العادّية التي يحددها الدستور او الإستثنائية التي يدعو اليها رئيس الجمهورية) يُعدّ باطلاً حكماً ومخالفاً للقانون". غير ان الرئيس بري عقد مؤتمراً صحافياً قدّم خلاله مطالعة قانونية مبنيّة على إجتهادات ونصوص دستورية فرنسية تجيز ما فعله سيما وان البلاد والدولة يمرّان في ظرفٍ إستثنائي .
لماذا تصرّف كلٌ من الرئيسين على النحو سالف الذكر ؟
لا ينكر انصار الرئيس عون انه تأخّر في توقيع مرسوم دعوة مجلس النواب الى دورة استثنائية وذلك للضغط على الكتل البرلمانية بغية إستعجال التوافق على قانون للإنتخاب قبل انتهاء ولاية مجلس النواب في العشرين من الشهر الجاري ، وللحؤول دون تمديد ولاية المجلس مرةً ثالثة .
انصار الرئيس بري لم ينكروا ايضاً سبب مبادرته الى تعيين جلسة للمجلس في الخامس من الشهر الجاري: تخوّفهم من ان يكون الرئيس عون وحزبه (التيار الوطني الحر) بصدد عرقلة إقرار قانون جديد للإنتخاب كما الحؤول دون تمديد ولاية المجلس وصولاً الى فراغٍ في السلطة التشريعية بعد العشرين من الشهر الجاري والإنفراد تالياً بحكم البلاد بالسلطة التنفيذية مباشرةً وبمنأى عن اي رقابة نتيجةَ الفراغ في السلطة التشريعية .
الى ذلك ، ازدادت الازمة احتداماً بما اورده جبران باسيل ، وزير الخارجية ورئيس التيار الوطني الحر ، او نُسب اليه من تصريحات حول إعادة النظر ببعض احكام اتفاق الطائف بشأن تعديل نص المادة 22 من الدستور لتكريس طائفية مجلس النواب بدلاً من النص الدستوري القاضي بإنتخابه على اساس وطني لاطائفي ، وكذلك اقتراحه بوضع حدٍّ ادنى للأصوات التفضيلية التي يحصل عليها المرشح من ابناء طائفته كي يُعتبر فائزاً بالنيابة .
رغم احتدام الازمة وتعقيداتها ، فقد يتوصل اركان الشبكة الحاكمة الى توافق بشأن صيغة وسطية لقانون انتخاب جديد ليس فيه من الجدّة سوى اعتماد صيغة النسبية وتقييدها بـ " ضوابط" من شأنها تعطيل ما كان يرتجيه المطالبون بالتغيير والإصلاح من تجديدٍ للتمثيل الشعبي وتأمينٍ لعدالته وتجاوزٍ تدريجي للطائفية السياسية .
في ضوء المساومات والمقايضات التي رافقت وترافق المناقشات والترتيبات الجارية لتظهير قانونٍ جديدٍ للإنتخاب ، تتضح الحقائق الثلاث الآتية :
اولاً : ان التيار الوطني الحر وتكتله البرلماني (التغيير والإصلاح) ليسا جادين في مسألتيّ التغيير والإصلاح الحقيقي وإنهما ما زالا موغلين في محاولات ترسيخ الطائفية والمحصاصة ، والعزوف تالياً عن قيادة البلاد نحو الدولة المدنية الديمقراطية المرتجاة .
ثانياً : ان غالبية التكتلات السياسية التي تتألف منها الشبكة الحاكمة تشاطر التيار الوطني الحر ، بدرجاتٍ متفاوتة ، عدم الجدّية في مسألتيّ التغيير والإصلاح الحقيقي ، وتبدي استعداداً للتوصل معه الى تسويات ومقايضات تكون ، كما في العهود الماضية، على حساب الشعب وحقوقه السياسية والاقتصادية وطموح القوى الحيّة لبناء الدولة المدنية الديمقراطية.
ثالثاً : ان القوى الوطنية والتقدمية عاجزة في نهجها الحالي عن الإرتقاء بالعمل السياسي والنضال الشعبي الى مستويات اعلى واكثر فعالية ، كما تبدو عاجزة بإنقساماتها الفئوية عن تكوين وجود سياسي وازن عبر الإنتخابات النيابية يمكّنها من تعبئة المسؤولين والمواطنين لبناء الدولة المدنية الديمقراطية.
ما العمل ؟
آن الاوان لتقوم القوى الوطنية والتقدمية بعملية تقييم موضوعي ونقد ذاتي صارم لتجربتها السياسية وصولاً الى اعتماد نهج في التفكير والتدبير يتوخّى الوحدة والديمقراطية والتصحيح المتواصل لنهج العمل المطلبي والإصلاحي والإنمائي.
الى ذلك ، يجب ان تحتاط القوى الوطنية والتقدمية لإحتمال وصول الدولة ، نتيجةَ احتدام الصراع على السلطة والمغانم بين اركان الشبكة الحاكمة ، الى حال الفراغ بعد 2017/6/20 الامر الذي يستوجب مبادرةً مغايرة وفاعلة من قوى التغيير والديمقراطية والتقدم تقوم على الاسس الآتية :
اولاً : تركيز النضال السياسي على تنفيذ احكام الدستور، ولاسيما المادة 22 منه ، التي تنصّ على إيجاد مجلسين : الاول للنواب منتخب على اساس وطني لاطائفي، والثاني للشيوخ لتمثيل الطوائف.
ثانياً : الدعوة الى إقرار قانون اطار على الاسس الآتية :
(أ) إعتماد نظام التمثيل النسبي في دائرة انتخابية وطنية واحدة .
(ب) تكوين مجلس الـنواب من مئة وثلاثين نائباً ، مئة منهم يُنتخبـون بمـوجب لوائح مـرشحين مناصفةً بين المسيحيين والمسلمين مـــن دون اعتماد التـوزيـع المذهبـي للمقاعد ، ويُنتخب الثلاثون الباقون وفق التوزيع المذهبي .
(ج) إلتئام جميع النواب المنتخبين في هيئة مشترعة واحدة للقيام بتشريع قانونين:
-الاول يقضي بإعتبار النواب المئة المنتخبين على اساس المناصفة نواةَ مجلس النواب المنصوص عليه في المادة 22 من الدستور ، وبإعتبار الثلاثين نائباً المنتخبين مناصفةً بين المسيحيين والمسلمين على اساس التوزيع المذهبي للمقاعد نواةَ مجلس الشيوخ المنصوص عليه في المادة عينها.
-الثاني يقضي بتحديد صلاحيات مجلس الشيوخ بإعتماد معظم المواضيع المعتبرة اساسية في الفقرة 5 من المادة 65 من الدستور واهمها : تعديل الدستور ، الحرب والسلم ، المعاهدات الدولية ، الموازنة العامة للدولة ، الخطط الإنمائية الشاملة ، إعادة النظر في التقسيم الإداري للدولة ، قانون الإنتخابات ، قانون الجنسية ، قوانين الاحوال الشخصية .
ثالثاً : تتقدم الحكومة بمشروع قانون او عشرة نواب بإقتراح قانون لوضع تشريعٍ متكامل للانتخابات يلحظ المبادئ والاحكام المبيّنة أعلاه بغية إقراره في مجلس النواب. وفي حال تعذَّر ذلك لأي سبب من الأسباب ، ولاسيما في حال الفراغ المحتمل في السلطة التشريعية ، تدعو القوى الوطنية والتقدمية ومَن يحالفها الى إجراء إستفتاء عام على قانونٍ للإنتخاب يتضمّن الاسس المبينة آنفاً على ان يصار الى تنفيذ احكامه بواسطة حكومة وطنية جامعة .
آن الاوان لإضطلاع القوى الوطنية والشعبية الحيّة بنضال موصول من اجل التغيير والإصلاح الحقيقي بلا إبطاء وبلا هوادة.