نشرت بجريدة "البناء"
تاريخ 29/5/2017
حصيلة قمم الرياض :
الفاً ! 34الـ ترامب استوفى "اجور الحماية" وأرجأ إعداد جيش
د. عصام نعمان
انعقدت في الرياض اخيراً قمم ثلاث : اثنتان احتفاليتان وواحدة جدّية . القمتان الاحتفاليتان ضمّت ملوكاً وامراء ورؤساء عرباً ومسلمين ، غايتها الإحتفاء بالرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب. القمة الجدّية غايتها مزدوجة : تسديد "ديون" مستحقة الأداء للولايات المتحدة الاميركية في ذمة المملكة العربية السعودية ناجمة عن "اجور حماية" متراكمة ، وبناء تحالف سياسي وعسكري بين الدولتين لحمايتهما من إرهاب داعشي يهددهما.
الإعلان الذي صدر عن القمم الثلاث لا يخصّ ، في الواقع ، سوى طرفيّ القمة الجدّية الثنائية : العاهل السعودي والرئيس الاميركي . اطراف القمتين الإحتفاليتين اخذوا علماً بالبيان ولم يناقشوه او يقرّوه . بعضهم ، كلبنان ، اعلن رسمياً بلسان وزير خارجيته كما بلسان رئيسه عدم إلتزامه به. بعضهم الآخر، كمصر، تقصّد رئيسها مسبقاً عدم الاشارة في كلمته الى ايران التي اعتبرها البيان ، لاحقاً ، العنوان الرئيس للإرهاب والممِّول والمسلِّح الاول لمختلف تنظيماته .
المفارقة اللافتة ان القمة الثنائية الاميركية – السعودية لم تكن جدّية إلاّ في مسألة تعجيل تسديد السعودية "ديوناً " كان ترامب قد ادّعى في حملته الإنتخابية انها مستحقة الأداء لقاء قيام الولايات المتحدة بحمايتها طيلة عقود، ذلك انه لاحماية مجانية لأحد ، في رأي الرئيس الاميركي ، بما في ذلك الدول الاعضاء في حلف شمال الاطلسي. ألم يسارع ، بعد استيفاء "اجور الحماية" من السعودية البالغة نحو 350 مليار/بليون دولار الى مطالبة دول اوروبا الاطلسية خلال اجتماعه مع رؤسائها في بروكسل بتسديد "اجور" مستحقة بذمتها لاميركا لقاء "حمايتها " من الإتحاد السوفياتي بعد الحرب العالمية الثانية ولغاية انهياره في مطالع تسعينات القرن الماضي ؟!
في جولته الاولى على عواصم شرق اوسطية واوروبية بدا ترامب اقرب ما يكون الى جابي ديون واجور منه الى رئيس دولة كبرى لها سياساتها ومخططاتها. نهجه في العمل : التعجيل في تحصيل ما يعتبره مستحقات مالية وتأجيل ما يترتّب مقابلها من موجبات تنفيذية ، سياسية وعسكرية . فقد إتفق مع المسؤولين السعوديين في قمة الرياض على إعداد جيش من 34 الف مقاتل لمواجهة "داعش" كما الجيش السوري و" الحشد الشعبي" على الحدود العراقية ، لكنه أرجأ تنفيذ هذا الإلتزام الى العام 2018 . هل سيبقى "داعش" ناشطاً ومسيطراً في سوريا والعراق الى العام القادم ؟ ثم ، ما الفائدة من الجيش الموعود اذا كان "داعش" سينتهي عملانياً قبل نهاية العام الجاري ؟
كان ترامب قد اعلن خلال حملته الإنتخابية انه يتطلع الى انجاز "صفقة تاريخية " بين "اسرائيل" والفلسطينيين . لكنه في زيارته للقدس المحتلة واجتماعه الى "الصديق العزيز نتنياهو" ، وزيارته رام الله واجتماعه الى الرئيس الفلسطيني محمود عباس لم يتحدث البتة عن " الصفقة التاريخية " ولا عن "حل الدولتين" . اشار فقط الى ان نتنياهو وعباس "ساعيان من اجل السلام". والمفارقة انه بعد مغادرة ترامب فلسطين المحتلة سرّب مسؤول رفيع قريب من الرئيس الفلسطيني معلومة مفادها ان الرئيس الاميركي ينوي اعلان مبادرة سلام خلال شهر !
مفارقة اخرى : كان من المفترض في زيارة ترامب للرياض والقمة التي عقدها مع القادة الخليجيين تعزيز تكتل هؤلاء ضد الإرهاب عموماً وايران خصوصاً ، لكن ما حدث هو ان انفجاراً إعلامياً مدوّياً ترددت اصداؤه في الدوحة والرياض وابو ظبي أعقب مغادرة ترامب وكشف للتوّ خلافاً بين السعودية والامارات العربية المتحدة من جهة وقطر من جهة اخرى حيال الموقف من ايران وقوى المقاومة. اللافت ان صحفاً عربية مؤيدة لقطر انتقدت "المهرجان" الذي اقامته السعودية لترامب في الرياض فيما وصفت صحف سعودية قطر بأنها "شوكة في خاصرة العرب" وهددتها بأنها سوف تدفع الثمن ! اكثر من ذلك ، سرّبت وسائل إعلام اميركية وعربية أن واشنطن تدرس امكانية نقل القاعدة العسكرية الاميركية ( العديد) من قطر الى بلد خليجي آخر.
هذه المفارقات نالت من جدّية قمة الرياض الثنائية لدى حلفاء السعودية كما لدى حلفاء ايران . والمفارقة الإضافية ان كِلا الفريقين اعتبر ترامب ، بتقلّباته وتصرفاته الغريبة ، مسؤول بالدرجة الاولى عن إضعاف قمة الرياض والاساءة الى حلفائه . ذلك طرح ، بالضرورة ، سؤالاً منطقياً: كيف سيكون الاقليم بعد قمة الرياض ؟
ثمة فريق من المراقبين يجزم بأن ترامب واركان ادارته سيتخبطون طويلاً في مواقف متناقضة حيال قضايا الإقليم ما يضفي الغموض على سياسة واشنطن ، ويؤدي تالياً الى إضعاف نفوذها وتأثيرها . فريق آخر يقرّ بمخاطر تقلّبات ترامب ، لكنه يؤكد بأنه مهما تقلّب في مواقفه فسيبقى مؤيداً صلباً لـِ "اسرائيل" ومجارياً لها في موقفها المتصلب من ايران وحلفائها ولا سيما سوريا وقوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية .
الى ذلك ، بدت ايران غير مكترثة بنتائج قمة الرياض وماضية في دعم حلفائها في محور المقاومة . حلفاؤها بدوا ماضين ايضاً في مواجهة "داعش" واخواته في سوريا والعراق ، كما ثبت انهم تفاهموا في ما بينهم على التحالف في وجه "داعش" كما في وجه الولايات المتحدة لإحباط محاولات مشبوهة لتقسيم بلاد الشام وبلاد الرافدين.
كل الشواهد والقرائن تشير الى ان الصراع بين سوريا وحلفائها من جهة وخصومها الإقليميين من جهة اخرى سيتصاعد خلال السباق المحموم للوصول الى الحدود العراقية . غير ان معلومات تسرّبت من اوساط مسؤولي مجالس الامن القومي لكل من روسيا وايران والعراق وسوريا الذين اجتمعوا مؤخراً في طهران تشير الى إتفاقٍ تمّ على تزويد دمشق صواريخَ للدفاع الجوي من طراز 300 – S ، وان الجيش السوري لن يتوانى عن استخدامها ضد طائرات "التحالف الدولي" الذي تقوده الولايات المتحدة.
يتضح من كل هذه الواقعات والتطورات ان لا افق لإنفراج قريب بين القوى المتصارعة على الموارد والمصالح والمواقع والنفوذ في دول الإقليم الممتد من شرق البحر المتوسط الى جنوب بحر قزوين ...