المسلّحون والإرهابيون الى إدلب.... بعدها الى اين ؟
نشرت بجريدة "الخليج"
تاريخ 13-5-2017
المسلّحون والإرهابيون الى إدلب....
بعدها الى اين ؟
د. عصام نعمان
تستوقفني المصالحات والإتفاقات والتسويات التي تجري بين حكومة سوريا وبين مسؤولي تنظيمات ومجموعات المسلحين والإرهابيين في مختلف المناطق والتي تنتهي ، غالباً ، الى اتفاق على ترحيل هؤلاء وأسرهم الى محافظة إدلب حيث يسود "كوكتيل" من المجموعات المسلحة والإرهابية المناهضة للحكومة.
الوف بل عشرات الآلاف من المسلحين والإرهابيين جرى نقلهم على دفعات من شتى المناطق الى تلك المحافظة المكتظة في شمالي غرب سوريا المحاذية لتركيا. لا احد يستطيع ان يعطي تحديداً دقيقاً لعدد هؤلاء وللجنسيات التي تتوزعهم . لكن يتَرَدَد ان عشرات الآف منهم هم سوريون، وان عشرات الآف اخرى تتوزع على جنسيات عربية (مشرقية ومغريبية وخليجية) وباكستانية وافغانية وصينية (ايغور) وروسية ودول آسيا الوسطى (السوفياتية سابقاً) وعدد اقل من الجنسيات الاوروبية.
حسناً ، لجأ ويلجأ هؤلاء المسلحون والإرهابيون الى ادلب. لكن ماذا بعدها ؟ ماذا سيحصل اذا ما تمكّنت القوات السورية النظامية من استعادة محافظة ادلب الى احضان الحكومة المركزية في دمشق ؟ ماذا سيحصل اذا توصلت الحكومة المركزية مع التنظيمات والمجموعات التي تسيطر حالياً على ادلب الى اتفاق او تسوية بشأن استعادة المحافظة كما جرى في مناطق اخرى مماثلة؟ ماذا سيكون حال المسلحين والإرهابيين اللاجئين اليها ؟
لعل "افضل" هؤلاء مصيراً هم السوريون بينهم ، ذلك ان الحكومة في دمشق قد تتوصل مع بعضهم الى تسوية ما يعودون بموجبها الى بلداتهم وقراهم او يقضون فترات متفاوتة في السجون قبل العودة الى الحياة الطبيعية . هؤلاء مصيرهم ، كما قلنا ، افضل من غيرهم لأن حكومة بلادهم هي الطرف الرئيس وربما الوحيد في المفاوضات التي ستجري بشأنهم . لكن الاخرين ، اي غير السوريين سواء كانوا عرباً او اجانب ، فسيواجهون مشاكل وعقبات كثيرة اهمها ان حكوماتهم ستكون طرفاً في المفاوضات التي ستجري بشأنهم ، او ان مصيرهم سيتحدد في مفاوضات دولية او اقليمية سيكون لحكوماتهم ، ولغيرهم ايضاً ، دور فيها ، وكالةً او اصالةً .
بعض الحكومات المعنية بمصير رعاياها من المسلحين والإرهابيين معروفة بتشددها مع هؤلاء كونها تخشى عودتهم الى البلاد ومعاودة سيرتهم السابقة. يترَدَد ان روسيا والصين تفضلان في الوقات الحاضر ، القضاء في القتال على الإرهابيين الناشطين في سوريا مخافة ان يعودوا احياء الى البلاد ويمارسوا فيها انشطة ارهابية. هاتان الدولتان ستكونان محرجتين اذا ما تبيّن لهما ان اعداداً وفيرة من رعاياهما الارهابيين بقيت على قيد الحياة. لعلهما ، وربما غيرهما ايضاً ، سيطلبان الى الحكومة السورية ان تقوم بإيداعهم السجون فترات طويلة تنفيذاً لأحكام يصار الى اصدارها بحقهم نتيجةَ افعالهم الجرمية المنافية للقوانين السورية النافذة.
قلنا ان "افضل" اللاجئين الى ادلب حالاً بين المسلحين والإرهابيين هم السوريون بينهم . هذه "الميزة تنحصر بالناحية القانونية فقط. اما في النواحي الإجتماعية فإن الامور تنطوي على صعوبات جمّة. ذلك ان كثيراً من المسلحين والإرهابيين اللاجئين الى ادلب هم في الواقع مهاجرون ، طوعاً او قسراً ، من مواطنهم الاصلية الى بيئات اخرى مغايرة في تركيبتها وظروفها الإجتماعية الامر الذي ينعكس سلباً على اوضاعهم المعيشية . بعض الهيئات المدنية والانسانية يخشى ان تؤدي عملية المصالحات والتسويات المتبادلة الجارية الى نوع من اعادة التوزيع الديموغرافي والإجتماعي للشعب السوري قد ينشأ معه ترسيم جديد للمناطق السورية اكثر إبرازاً لمتغيرات الكثافة السكانية ذات الطابع الطائفي والمذهبي . ولا يخفى على احد ان بعض الدول الكبرى والاقليمية، يهمها في سياق مخططات مشبوهة ، تعميق العصبيات والفوارق المذهبية في سوريا تسهيلاً لعملية تقسيمها المفترضة.
إن الغاية المتوخاة من التذكير بكل هذه المشكلات والتحديات التي تواجه سوريا في الوقت الحاضر وفي المستقبل المنظور هي التنبيه الى ضرورة التحسب الى انعكاساتها على واقع الحرب فيها وعليها من جهة وعلى المساعي المبذولة، اقليمياً واممياً، من اجل وضع حدًّ لها من جهة اخرى . ذلك ان أية تحركات سلبية تقوم بها الاطراف والقوى المعادية لوحدة سوريا وسلامتها وسيادتها تؤدي الى اطالة امد الحرب كما الى اطالة المحادثات والمفاوضات الهادفة الى ايجاد حل او تسوية سياسية لها.
الى ذلك ، يقتضي التنبّه ايضا الى حقيقة بازغة بل الى حاجة استراتيجية ملحّة هي اهمية، إن لم يكن اولوية ، الجوانب الانسانية والإجتماعية والإنمائية في اي حل او تسوية للأزمة السورية. إن معالجة آثار الحرب من تدمير وتهجير وتشريد وتفقير وتعطيل لمرافق البلاد الخدمية ووضع الخطط اللازمة لإعمارها وانمائها تتعادل مع ، إن لم تكن تتفوق في اهميتها ، على خطط وبرامج وقف اطلاق النار وتوطيد السلام في جميع انحاء البلاد وضمان وحدتها . فالحرب بكل مآسيها وعذاباتها تصبح ماضياً منسياً بالتدريج ، لكن الحاضر والمستقبل بكل متطلباتهما وتحدياتهما الإنسانية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية يصبحان همّاً يومياً مقيماً لا سبيل الى مواجهته إلاّ بالتخطيط العلمي الدقيق وبالإرادة المصممة على الفعل والإنجاز .