جريدة "الخليج"
تاريخ 15/2/2014
الإمرة في زمن الإرهاب ليست للسياسيين
د عصام نعمان
ينتظر اصحاب القرار في دول العالم ، كما الناسً ، قرارات كبيرة من قمم الرؤساء الكبار الرئيسان الكبيران باراك اوباما وفرنسوا هولاند اخفقا في قمتهما الاخيرة بإتخاذ قرارات كبيرة فالوضع في سوريا بدا خارج السيطرة ، سيطرتهما تحديداً ما دلالة ذلك ؟
اوباما قال بصراحة إن "الازمة السورية على سلّم اولويات امننا القومي" ، لكنه شكا من ان "نفوذ المتشددين يزداد بقوة في هذه التداعيات التي تمر بها سوريا" لم يتوانَ عن وصف التداعيات بأنها "مريعة" ، ثم تابع معترفاً : "لا نعتقد في الوقت الحاضر بوجود حل عسكري في حد ذاته لهذه المشكلـة ، فالموقف مائع ، ونحن نواصل استكشاف كل سبيل ممكن لحل هذه المشكلة لأن الوضع لن يكون مفجعاً للشعب السوري فقط بل هو خطير جداً للمنطقة بأكملها"
" التداعيات مريعة" ، "الموقف مائع" ، الوضع مُفجع" هذه كلمات تعبّر عن خيبة عميقة لا تعتمل في نفس الرئيس الامريكي فحسب بل في نفس الرئيس الفرنسي ايضاً الذي كان عبّر عنها بكلمات مرادفة
لماذا كل هذه الخيبة ؟
لأن الوضع في سوريا ، وربما في العراق ايضاً ، بات خارج سيطرة اللاعبين السياسيين بل خارج لعبة السياسة الزمن ليس زمن السياسة بل زمن الإرهاب وبالتالي زمن الإرهابيين من كل لون ودين
اوباما يعترف بهذا الواقع صحيح انه يسمّي الإرهابيين "متشددين" موسّعاً بذلك دائرة تعدادهم ، إلاّ انه يقرّ بفعاليتهم ، ويتعهد بدعم غير المتشددين ، اي المعارضين السياسيين
مَن تراهم يكونون المعارضون السياسيون ؟ هل هم اركان "الإئتلاف الوطني" الذين يمثلون المعارضة السورية في مؤتمر جنيف 2 ؟
ربما ، لكن هؤلاء لا فعالية لهم على الارض وبالتالي لم يكونوا قادرين على موازنة ثقل الوفد السوري الحكومي في المفاوضات
هل هم ضباط "الجيش الحر" وجنوده ؟
ربما ، لكن هؤلاء اعلنوا جهاراً نهاراً انهم لن يشاركوا في مؤتمر جنيف 2 وان جماعة "الإئتلاف الوطني" لا يمثلوهم
من تراها تدعم الولايات المتحدة ، اذاً ، على الساحة السورية ؟ هل تدعم قوى غير معنية بمؤتمر جنيف ؟ وما الفائدة من هذا الدعم طالما اوباما يؤكد بأن لا حل عسكرياً للنزاع ؟
قد يقول قائل إن ما يعنيه اوباما هو عدم توافر حل عسكري للنزاع بين الحكم والمعارضة ، لكنه يريد حلاً عسكرياً بين المتشددين وغير المتشددين لمصلحة غير المتشددين ، اي لمصلحة السياسيين والمنخرطين في اللعبة السياسية سواء من مجموعات معارضة الخارج او الداخل اذا كان هذا ما يعنيه اوباما ضمناً ، فإن لذلك متطلبات عدة ، اهمها ثلاثة :
اولاً ، ان تضغط واشنطن على "الجيش الحر" ، وهو من "حلفائها" ، كي يعترف بـ "الإئتلاف الوطني" ليصبح لهذا الاخير بعض الوزن في مفاوضات جنيف
ثانياً، ان تضغط واشنطن على حلفائها الاقليميين للكفّ عن تزويد "جبهة النصرة " بالسلاح والعتاد كونها تنظيماً إرهابياً وغير بعيدة عقيدياً وسياسياً عن تنظيم " الدولة الإسلامية في العراق والشام – داعش" ، وإلاّ توجَّب على حلفائها مقاتلها مثلما يقومون بمقاتلة "داعش"
ثالثاً ، إن مقاتلة "داعش" وسائر التنظيمات الإرهابية يتطلب تزويد حلفاء امريكا في الساحة السورية بأسلحة ثقيلة ، وهذا يتعارض مع مطالبة واشنطن دول المنطقة ودول العالم بوقف تزويد اطراف الحرب بالسلاح والعتاد فهل امريكا جادة فعلاً في وقت تدفق السلاح على اطراف الحرب ام ان ذلك مجرد موقف اعلامي للإستهلاك المحلي والإقليمي ؟
يتضح من مجمل ما تقدّم بيانه ان الولايات المتحدة لا تمسك سياسياً او عسكرياً بمسرح العمليات في سوريا وان محاولاتها لتحقيق ذلك مع حلفائها ، في الاقل ، يتطلب جهداً ووقتاً طويلين ، وان الحرب في هذه الاثناء ستبقى محتدمة مع كل ما ينشأ عنها من تداعيات يصفها اوباما نفسه بأنها مريعة
الاخطر من ذلك كله ان محدودية الفعل السياسي في العراق وسوريا ولبنان في "زمن الإرهاب" المتمادي تتسبّب بنقل القيادة والامرة من السياسيين الى الإرهابيين وليس أدل على ذلك من ان زمام المبادرة اصبح فعلاً في ايدي آمري التنظيمات الإرهابية من الشلل الفاضح الذي يرتع فيه اهل السياسة في الاقطار الثلاثة ففي العراق يمتنع على اهل السياسة ، حكومةً ومعارضة ، التوصل الى تسوية سياسية للأزمة المستفحلة التي تضع البلاد على شفا حرب اهلية ، بينما يستمر "داعش" في وضع يده على مدينة الفلوجة في محافظة الانبار وعلى اجزاء اخرى منها كما ينشط بفعالية لافتة في محافظات نينوى (الموصل) وصلاح الدين وديالي
وفي سوريا يسيطر "داعش" على اجزاء واسعة من ارياف محافظات حلب وادلب وديـر الـزور وعلى معظم محافظة الرقة ، كما يقوم بالسيطرة على مواقع عدة لـ "لجيش الحر" الامر الذي يضعف اطراف المعارضة السياسية التي وافقت على المشاركة في مفاوضات جنيف
وفي لبنان تمارس التنظيمات الإرهابية نشاطاً واسعاً في مختلف المناطق وتقوم بسلسلة اغتيالات سياسية وتفجيرات دموية تستهدف اشخاصاً وأحياء ومناطق من مختلف الالوان الدينية والسياسية ذلك كله بالإضافة الى الخلافات المذهبية المزمنة ، اخرج المبادرة من ايدي السياسيين وادى الى تعميق الازمة السياسية التي تعصف بالبلاد وتحول دون تأليف حكومة جديدة تخلف حكومة نجيب ميقاتي المستقيلة منذ نحو عشرة اشهر
انه زمن الإرهاب ، يلفّ حاضر العرب في مجمل وطنهم وعالمهم ، وينزع زمام المبادرة من ايدي سياسييهم ، ويترك الامرة في ايدي الإرهابيين ولاسيما المحترفين منهم