نشرت بجريدة "الخليج"
تاريخ 22/4/2017
الحركة الفلسطينية الاسيرة تصوم وتقود
والحركات الطليقة تتشاجر وتتعثر...
د. عصام نعمان
يضج المشهد الفلسطيني بظاهرة لافتة : الحركة الفلسطينية الاسيرة بكل أسراها ومعتقليها في مختلف سجون "اسرائيل" تصوم وتخوض بالامعاء الخاوية معركة تحدٍّ وصمود في وجه حكومة الكيان الصهيوني ، بينما تتشاجر الحركات والفصائل الفلسطينية الطليقة في الضفة الغربية وغزة ، فتزيد الإنقسام السياسي حدّة وضرراَ . بإختصار، الحركة الاسيرة تصوم وتقود المشهد الشعبي الفلسطيني في حين الحركات الطليقة تتشاجر وتتعثر ومعها تتراجع فعالية الفلسطينيين ، سلطةً وشعباً . الى اين من هنا ؟
ليست هي المرة الاولى التي يصوم الاسرى فيحركون المشهد الشعبي الفلسطيني . فقد صام الاسرى مراراً وحققوا مكاسب ملموسة ليس أقلّها إطلاق العشرات منهم. لكن صومهم الجماعي اليوم يبدو اكثر إتساعاً واقوى دلالة وفعالية.
لعل دلالته الاولى ان الحركة الأسيرة بدت ، بالمقارنة مع الحركات الطليقة اكثر شعبية واقوى فعالية وقدرة على تحقيق ثلاثة اهداف رئيسة :
· تحسين معاملة الاسرى ، معيشياً وانسانياً ، داخل السجون.
· الإسهام الفاعل في إبقاء قضية فلسطين حيّة لدى ابنائها ولدى عالم العرب والعالم الاوسع.
· الضغط على الحركات والفصائل الطليقة من أجل تضييق خلافاتها وتقريب وجهات نظرها المتباينة وبالتالي السير قدماً على طريق تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية .
بقدْر ما يمارس الاسرى كثيراً من الصبر والتصميم والصمود بقدْر ما تُظهر مديرية السجون الإسرائيلية في المقابل مزيداً من التصلّب والصلف والمكابرة . ذلك ان حكومة العدو ، بمختلف اجنحة تركيبتها الإئتلافية العنصرية ، تُجمع على الإعتقاد بأن بطل الإضراب الجماعي والأمعاء الخاوية هو عميد الاسرى مروان البرغوتي، وانه يفعل ذلك في إطار صراعه مع الرئيس ابو مازن محمود عباس على قيادة الشعب الفلطسيني ، وان مواجهة حركة الإمعاء الخاوية في مرحلتها الجديدة إنما تكون بمزيد من تدابير التطويق والتضييق والحرمان الى درجة تتلاشى معها ، في ظنّها ، قدرات الاسرى على الصمود في صيامهم الاسطوري. كل ذلك وسط حملة تخويف وترهيب لم يتورع معها وزير اسرائيلي فاجر في عنصريته عن الدعوة الى إعدام "الاسرى الوقحين" ، ومسؤول آخر عن الدعوة الى استخدام اسلوب التغذية القسرية معهم لغاية كسر الاضراب.
ليس ثمة ما يشير الى ان الاسرى تأثروا بكل هذه التدابير والاساليب الهمجية. بالعكس ، زادتهم الهمجية الصهيونية إقتناعاً بجدوى حركتهم النضالية الاسطورية ولسان حالهم يقول : إما بلوغ الاهداف او الشهادة . وكِلا الامرين يحققان إنتصاراً على العدو.
من الواضح ان الحركة الاسيرة تراهن على تجاوب الشعب الفلسطيني في كل مكان معها وقيامه بتحركات شعبية فاعلة في وجه سلطات الإحتلال الإسرائيلي من جهة والضغط ، من جهة اخرى ، على القيادات والفصائل الفلسطينية بغية تضييق شقة الخلافات بينها ، ودفعها الى التوافق على تنفيذ ثلاثة مطالب استراتيجية : انتخاب المجلس الوطني ، وانتخاب المجلس التشريعي ، وانتخاب الرئيس الفلسطيني البديل من محمود عباس.
الى ذلك ، تأمل الحركة الاسيرة بأن تتمكن ، بالزخم النضالي المتأتي عن اضراب "الإمعاء الخاوية" ، وبالتضامن الشعبي الواسع معها ، والضغوط الناجمة عنه بأن تدفع السلطة الفلسطينية الى نقل المواجهة السياسية والإعلامية مع "اسرائيل" الى المحافل الدولية ، ولاسيما الى الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ، ومن ثم الى المحكمة الجنائية الدولية بغية محاكمة بعض المسؤولين والجنرالات الإسرائيليين لإرتكابهم جرائم ضد الإنسانية وضد حقوق الإنسان.
في الجانب الإسرائيلي ، تتبدى نيات معلنة للتصلب وعدم استجابة مطالب الاسرى . لكن اوساط اليسار "الإسرائيلي" المحدود التأثير تتوقع ان تضطر الحكومة الى ابداء المرونة لاحقاً. يقول المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" المستقلة (2017/4/18) عاموس هرئيل "إن من المتوقع ان يزور عباس البيت الأبيض الشهر المقبل ، وفي نهاية ايار/مايو يبدأ شهر رمضان ، وهذان تاريخان مهمان . فإذا استمر الإضراب حتى ذلك الوقت ، فمن المحتمل ان تنشأ ازمة كبيرة، وكلما استمر الإضراب قد تحدث مضاعفات : نقل مضربين عن الطعام الى المستشفى ، ومعضلات بشأن التغذية القسرية وتعريض الاسرى لخطر الموت ، ويمكن ان يؤجج ذلك الاجواء في المناطق (اي المحتلة). هذه ازمة تتطلب إدارة عن قرب من جانب القيادتين السياسية والامنية خوفاً من الإنعكاسات خارج السجن".
في المحصّلة : الأسرى الفلسطينيون مصممون على الصيام والصمود حتى تحقيق اهدافهم الرئيسة ، والإسرائيليون مرتبكون وخائفون من مضاعفات صعود الحركة الاسيرة الفلسطينية وتأثيرها على المشهد الفلسطيني الشعبي والسياسي بصورة عامة. اما العرب فهم، على ما يبدو، لاهون عمّا يجري في فلسطين المحتلة بحروبهم الكبيرة والصغيرة فيما بينهم.
اجل ، العرب أسرى ازماتهم المزمنة ، وليس ثمة حركة طليقة تتصدى لتحريريهم من "سعادة " البقاء اسرى ازماتهم تلك .