نشرت بجريدة "البناء" و"القدس العربي"
تاريخ 18/4/2017
هل "ينتخب" اللبنانيون الازمة مجددا ؟ً
د. عصام نعمان
ما زال لبنان واللبنانيون يتخبطون في ازمتهم المزمنة . عنوان الازمة العجزُ عن تشريع قانون للإنتخابات يحقق صحة تمثيل الشعبي وعدالته . منذ ما قبل الاستقلال العام 1943 ، وبعد إتفاق الوفاق الوطني المعروف بإسم "إتفاق الطائف" للعام 1989 ، ما زالت قوانين الانتخابات المتعاقبة مخالفة للدستور ولاسيما لاحكامه الاساسية الآتية :
- المادة 7 التي تقضي "بمساواة اللبنانيين لدى القانون" . والحال ان الدوائر الإنتخابية غير متساوية في عدد مقاعدها النيابية اذ ينتخب الناخبون اعداداً متفاوتة من النواب .
- المادة 22 التي تقضي بإنتخاب مجلس نواب على اساس وطني لاطائفي وفي استحداث مجلس للشيوخ لتمثيل الطوائف ، اذ ان كِلا المجلسين غير موجود رغم مرور 27 عاماً على إقرار المادة 22 المذكورة .
- المادة 27 التي تقضي بأن "النائب يمثّل الامة جمعاء" الامر الذي يستوجب ان يكون لبنان كله دائرة انتخابية واحدة في حين يتفاوت عدد الدوائر في مختلف قوانين الإنتخابات ويناهز في بعضها الثلاثين .
تجلّى العجز ، اكثر ما يكون ، بعدم إجتراح قانون انتخابات دستوري لمرحلة بعد انتهاء ولاية مجلس النواب في العام 2013 ، فكان ان قام نوابه بتمديد ولايتهم مرتين على ان تنتهي الولاية الثانية الممددة في 2017/6/20 .
لاحظ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تقاعساً متعمَّداً لدى النواب والكتل البرلمانية المسؤولة عن تشريع قانون انتخابات جديد وخشي من ان تنصرم ولاية المجلس الحالي فيجد المسؤولون والمواطنون انفسهم ملزَمين بخوض الإنتخابات وفق قانون قديم يعود الى العام 1960 وجرى تعديله العام 2008 وما زال يضجّ بالمخالفات والثغرات ما ادى الى امتناع الرئيس عون مرتين عن توقيع المرسوم اللازم لدعوة الناخبين الى المشاركة في الإنتخابات المراد اجراؤها .
لتدارك محذورقيام مجلس النواب بالتمديد لنفسه مرةً ثالثة قبل إقرار قانون جديد للانتخابات ، قام رئيس الجمهورية بإستخدام حقه سنداً للمادة 59 من الدستور بإصدار مرسوم يقضي بتأجيل انعقاد مجلس النواب لمدة شهر واحد تنتهي في 2017/5/13 ، مؤملاً بأن يتمكّن رؤساء الاحزاب السياسية والكتل البرلمانية المتصارعة من التوافق على قانون انتخابات جديد قبل انتهاء ولاية المجلس في 2017/6/20 .
ليس ثمة ما يشير الى ان الاطراف السياسية المتصارعة قادرة على انجاز صيغة توافقية لقانون انتخابي جديد قبل انتهاء ولاية المجلس الحالي. حتى لو توصّلت الى مثل هذه الصيغة فإن مؤشرات كثيرة توحي بأنها ستكون صيغة غير دستورية لا تؤمّن صحة التمثيل الشعبي وعدالته . ما العمل ؟
الارجح ان يقوم مجلس النواب ، بعد انتهاء مدة وقفه عن الانعقاد وقبل نحو 15 يوماً من إنتهاء ولايته ، بالتمديد لنفسه مرةً ثالثة لمدة قد تصل الى 6 اشهر بأمل ان يتمكّن النواب الممددون خلالها من اجتراح قانون انتخابات جديد قبل تصّرم ولايته الممددة . هذا التدبير سيواجه بالتأكيد غضبة شعبية عارمة قد تتخللها اضطرابات امنية وسياسية ، وقد تفتح الباب امام القوى الشعبية لفرض مطلب تطبيق الدستور بضغط الشارع الساخط .
تفادياً لهذا الإحتمال المقلق ، يُستحسن ان يعتمد العقلاء من اهل السلطة ، بالتعاون مع الإصلاحيين من قادة الرأي ، مقاربةً جدّية لمعالجة الازمة المتفجرة وذلك بالتوافق على مبادئ اساسية لقانون انتخابات جديد تكون مستقاة من الدستور وتؤول الى تنفيذ احكامه بإعتماد قانون إطار يقرّه مجلس النواب الحالي او بمبادرة رئيس الجمهورية الى صياغة وثيقة اصلاحية توجيهية يستلهمها مجلس النواب القادم عند قيامه بتشريع قانون إنتخابات جديد وعصري يكفل صحة التمثيل الشعبي وعدالته ، وذلك على النحو الآتي:
اولاً- يدعو الرئيس ميشال عون ، إلتزاماً منه بقسمه الدستوري وبصفته رئيس الدولة ، رؤساء الكتل النيابية وشخصيات وطنية قيادية الى إجتماع في القصر الجمهوري للتشاور بشأن الخروج من الازمة يتمثل بتنفيذ احكام الدستور ولاسيما المادة 22 منه التي تنصّ على إيجاد مجلسين : الاول للنواب منتخب على اساس وطني لاطائفي، والثاني للشيوخ لتمثيل الطوائف.
ثانياً : يجري التوافق على إقرار قانون اطار على الاسس الآتية :
(أ) إعتماد نظام التمثيل النسبي في دائرة انتخابية وطنية واحدة .
(ب) يكون مجلس الـنواب مؤلفاً من مئة وثلاثين نائباً ، مئة منهم يُنتخبـون بمـوجب لوائح مـرشحين مناصفةً بين المسيحيين والمسلمين مـــن دون اعتماد التـوزيـع المذهبـي للمقاعد ، ويُنتخب الثلاثون الباقون وفق التوزيع المذهبي .
(ج) يجتمع جميع النواب المنتخبين في هيئة مشترعة واحدة ويقومون بتشريع قانونين:
-الاول يقضي بإعتبار النواب المئة المنتخبين على اساس المناصفة نواةَ مجلس النواب اللاطائفي المنصوص عليه في المادة 22 من الدستور ، وبإعتبار الثلاثين نائباً المنتخبين مناصفةً بين المسيحيين والمسلمين على اساس التوزيع المذهبي للمقاعد نواةَ مجلس الشيوخ المنصوص عليه في المادة عينها.
-الثاني يقضي بتحديد صلاحيات مجلس الشيوخ بإعتماد معظم المواضيع المعتبرة اساسية في الفقرة 5 من المادة 65 من الدستور واهمها : تعديل الدستور، الحرب والسلم ، المعاهدات الدولية ، الموازنة العامة للدولة ، الخطط الإنمائية الشاملة ، إعادة النظر في التقسيم الإداري للدولة ، قانون الإنتخابات ، قانون الجنسية ، قوانين الاحوال الشخصية .
ثالثاً : تقوم الحكومة بموجب مشروع قانون او يقوم عشرة نواب بموجب إقتراح قانون بوضع نظام متكامل للانتخابات يلحظ المبادئ والاحكام المبيّنة أعلاه ليصار الى إقراره في مجلس النواب.
أليس هذا الخيار افضل من "انتخاب" الازمة مجدداً بقيام النواب بتمديد ولاية مجلسهم مرةً ثالثة في زمنٍ لا ضوء يلوح في نهاية نفق النفاق السياسي الذي لانهاية له اصلاً !