المطلوب صرف التنظيمات الإرهابية من سوق العمل...
نشرت بجريدة "الخليج" 15/4/2017
المطلوب صرف التنظيمات الإرهابية من سوق العمل...
د. عصام نعمان
هل يمكن استثناء دولة واحدة في العالم من معاناة الإرهاب بشكلٍ او بآخر ؟ الإرهاب في عالمنا المعاصر أضحى قاعدة والأمن المستتب إستثناء.
إزاء شيوع الإرهاب على هذا النحو الشامل ، ينهض سؤال : هل الإرهاب ظاهرة ظرفية ام خطر داهم ودائم ؟
للإجابة عن هذا السؤال يقتضي ، بادىء الأمر ، تعريف الإرهاب . لكن صعوبات جمّة تحول دون ذلك . السبب ؟ لأن لكل دولةٍ وحزب سياسي وجماعة ايديولوجية تتعاطى العنف تعريفه الخاص للإرهاب. مع ذلك يحظى احد التعريفات بمقبولية اكثر من غيره . إنه "استخدام العنف لتحقيق اهداف سياسية" . غير ان هذا التعريف يطرح بدوره سؤالاً آخر. هل استخدام العنف لتحقيق هدف سياسي مشروع يُعتبر ارهاباً ؟ الإجابة عن هذا السؤال تستوجب توافقاً يكاد يكون مستحيلاً حول ما يُعتبر هدفاً مشروعاً او مجرد غرضٍ غير مشروع.
اذا كان تعريف الإرهاب صعباً فربما لأن اطرافاً رسمية ، بمعنى جهة ذات علاقة بسلطة حكومية ، تستخدم العنف لأغراض سياسية لها صلة مباشرة بمسألة الوصول الى السلطة او الاحتفاظ بها في وجه من يحاول الإستحواذ عليها عنوةً . لكن قلّما نقع على شخص او جهة ترفض الإقرار بأن اضراراً جمّة تنشأ عن الإرهاب اياً كانت اغراضه او مسوّغاته، واياً كان فاعله او الجهة التي تقف وراءه.
لعل المخرج من صعوبة تعريف الإرهاب هو في اعتباره فعلاً ناشئاً عن فاعل نجمت عن فعله اضرارٌ بشرية ومادية في سياق استخدامه العنف لتحقيق اهداف او اغراض ذات طبيعة سياسية (الوصول الى السلطة او الإحتفاظ بها) . فالإرهابي ، اذاً ، هو الفاعل الذي يقوم بكل الاعمال سالفة الذكر ، والإرهاب هو الفعل او الأفعال التي يقوم بها ارهابي بالمعنى المشار اليه آنفاً.
هذا التفسير ، ولا اقول التعريف ، للإرهاب هو تفسير عملاني يمكن اعتماده من قِبَل الدول والحكومات المتضررة فعلاً – وهي كثيرة – من الإرهاب والإرهابيين ، فلماذا لم تفعل ؟
الجواب: لأن بعضاً من الدول المتضررة من الإرهاب تستخدم الإرهاب ، مباشرةً او مداورةً ، لتحقيق اغراض سياسية او اقتصادية او استراتيجية . الى ذلك ، لا غلّو في القول إن دولاً عدة في عالمنا المعاصر لجأت الى هذا الخيار لسبب رئيس : تفادي خوض حربٍ نظامية تنطوي بالضرورة على خسائر بشرية ومادية هائلة ما عادت الشعوب قادرة على إجازتها او تحمّل نتائجها . لذلك تستسهل هذه الدول "إستئجار" او استخدام تنظيمات محلية متعددة المطامع والمطامح والمصالح والطرائق لتحقيق اغراضها وذلك لقاء تعويضات مادية وازنة او منافع سياسية مجزية.
المشكلة ان التنظيمات المحلية العاملة في خدمة قوى خارجية يكون لها في احيانٍ كثيرة اغراض ومصالح تتعارض مع ما يرسمه لها ارباب عملها ، فتراها تقوم بأعمال وعمليات خاصة تعود بالإحراج والضرر على مشغّليها الامر الذي يحمل هؤلاء على الإرتداد عليها وضربها للحدّ من اضرارها المستشرية.
واقع علاقات القوى في عالمنا اليوم يشير الى ان ثمة توافقاً خجولاً ينمو ببطء بين الدول المشغّلة للتنظيمات المحلية والدول المتضررة منها قوامه ضرورة محاصرتها والحدّ من أنشطتها كونها باتت تشكّل خطراً على الجميع. فهي لم تعد مجرد ظاهرة يمكن الإفادة منها بشكل او بآخر وفي سياقٍ يسمح بالسيطرة عليها بل أضحت خطراً يتهدد مشغّليها كما المتضررين منها والمجتمعات عامة.
ولعل ما يهم البشرية في الوقت الحاضر هو ألآّ تطول فترة الإنتقال من حال تشغيل التنظيمات المحلية والإرهابية الى حال الإقرار بأنها اضحت فاعلاً خطيراً ومدمراً يستوجب التطويق والتأديب والصرف من الخدمة ومن سوق العمل .