نشرت بجريدة "البناء"
تاريخ 10/4/2017
ألا تحفّز حماقة ترامب المقاومة
على استنزاف اميركا بشرياً في سوريا والعراق ؟
د. عصام نعمان
فعلها رونالد ترامب. لم يصبر طويلاً على محاصرته بمعارضةٍ متصاعدة بشكل تغريدات واتهامات مشينة تمسّ الشرف والكرامة وتعيّره بأهليةٍ متدنية للتقرير والحكم. انتفض غاضباً وضارباً بالصواريخ دولة سيدة بعدما قررت الدولة العميقة داخل دولته الفدرالية ، ومعها المنظومة السياسية الحاكمة في حزبه الجمهوري، وجوب التشدد في تطبيق مناهج وآليات استراتيجية قديمة تستهدف الجوار العربي للكيان الصهيوني وسائر ساحات البرزخ الممتد من الشواطيء الشرقية للبحر الابيض المتوسط وصولاً الى الشواطيء الجنوبية لبحر قزوين.
الدافع ، اذاً ، شخصي وذاتي غايته الدفاع عن كيان رئيسٍ ملياردير متوقد الغرائز والمطامع والمطامح وتأكيد حضوره وفعاليته في الداخل الاميركي . اما الهدف فإستراتيجي قديم محوره مخطط جيوسياسي يرمي الى حماية مصالح الولايات المتحدة وتعزيز امن الكيان الصهيوني بتفكيك جواره العربي ، ولاسيما لبنان وسوريا والعراق ، الى كيانات وجمهوريات موز قائمة على اساس قبلي او مذهبي او اثني وعاجزة ، تالياً، عن الإتحاد لتكوين قوة سياسية واقتصادية وعسكرية قادرة على مواجهة "اسرائيل" ورعاتها.
هذا المخطط الجيوسياسي القديم اكتسب نتيجةَ تطورات سياسية واقتصادية لاحقة بُعداً استراتيجياً اضافياً بصعود ايران عقب ثورتها الخمينية العام 1979 وتحوّلها قوةً اقتصادية وتكنولوجية وبالتالي عسكرية فائضة القدرات الامر الذي استوجب مواجهتها لحمايةً مصالح الولايات المتحدة وأمنها كما أمن حلفائها الإقليميين.
ليس صحيحاً، والحالة هذه ، ان فعلة ترامب الفاجرة ضد سوريا تنطوي على مفاجأة او انقلاب على استدارةٍ كان باشرها الرئيس الاميركي ضد غريمه الرئيس السوري وبلاده المنخرطة في حربٍ ضروس ضد تنظيمات ارهابية كثيفة العديد وغزيرة العتاد ، ذلك ان المخطط الجيوسياسي اياه كان وضع موضع التنفيذ منذ حرب 1967 في ظل رئاسة لندون جونسون ما ادى الى ضرب ثورة مصر الناصرية في مقاتل استراتيجية بإحتلال سيناء المصرية والسيطرة على الجولان السوري واكتساح فلسطين التاريخية من البحر الى النهر. ثم ما لبث هذا المخطط ان سجّل كسباً وازناً بإخراج مصر من حومة الصراع العربي- الصهيوني عبر اتفاقات "كامب دايفيد" العام 1979 ، وتعطيل منظمة التحرير الفلسطينية بإخراجها من ساحتيّ الاردن ولبنان ، واخراج جيش العراق من الكويت ونظامه السياسي برمته من البلاد بعدما تمّ احتلالها من اقصاها الى اقصاها ، ثم اخراج الجيش السوري من لبنان في محاولةٍ لتصفية المقاومة الناشطة في ربوعه .
كل ذلك جرى بدءاً من سنة 1967 ، خلال ولاية ستة من الرؤساء الاميركيين المتعاقبين ، ومن ثم خلال مرحلة ما يسمى "الربيع العربي" في العام 2011 ، اذ عادت الولايات المتحدة خلالها الى تفعيل مخططها الجيوسياسي إياه في ظل رئاسة باراك اوباما بتحالفها مع تنظيمات الإرهاب الاعمى وابرزها "داعش" و"النصرة" ، وصولاً الى دونالد ترامب العام 1917 ومباشرتها غزواً عسكرياً سافراً بإنزالها قوات ومدرعات في شمال شرق سوريا ، وقصفها جسوراً وقواعد للجيش السوري كان آخرها تدمير قاعدة الشعيرات الجوية في محافظة حمص.
المخطط الجيوسياسي العدواني الاميركي ضد معظم الدول والشعوب في البرزخ الممتد من شواطيء البحر المتوسط الى شواطيء بحر قزوين متواصل ومتصاعد بوتائر متفاوتة الشدة منذ 50 عاماً بلا هوادة ، فلا سبيل الى الظن بأنه قابل للتجميد او التبريد في الحاضر والمستقبل المنظور.
كل هذه الواقعات والتطورات تطرح سؤالاً ضاغطاً : ما العمل ؟
تتعدد التحليلات والإجتهادات في هذا المجال ، لعل ابرزها اثنان :
الاول يؤكد ان الهجوم الاميركي–الصهيوني على سوراقيا (سوريا والعراق) متواصل ومتصاعد ولن يتوقف إلاّ بعد نجاحه او إخفاقه في تحقيق اغراضه.
الثاني يرى ان الولايات المتحدة ستصعّد هجومها في سوراقيا بغية تحقيق مكتسبات جيوسياسية من شأنها تعزيز مركزها التفاوضي ومركز حلفائها الإقليميين في مفاوضات جنيف الحالية والمقبلة ، وتأجيج الصراع المحتدم حالياً لغاية ان ينتهي الى حلول واقعية ومقبولة من اللاعبين الدوليين والاقليميين.
غالبية الفئات الحاكمة في عالم العرب ، ولا سيما في الخليج ، تميل الى اعتماد التحليل الثاني وتوجهاته وتتبنّى ، تالياً ، فعلة ترامب الاخيرة وتحثه على المزيد من امثالها. في المقابل ، تعتمد غالبية قوى التغيير الوطنية الفاعلة في سوراقيا (بما فيها لبنان وفلسطين) في المشرق وتونس والجزائر في المغرب التحليل الاول وتميل ، الى مطالبة دول محور المقاومة بتزويد تنظيمات المقاومة اللبنانية والفلسطينية (ناهيك عن القوات السورية) مختلفَ الاسلحة المتطورة وافعلها، او باللجؤ الى خيار تمكينها من تصنيعها محلياً اذا تعذّر نقلها اليها ، وباللجؤ ايضاً الى خيار الإشتباك المباشر مع القوات الاميركية التي جرى ويجري إنزالها في سوريا والعراق او في اي قطر عربي آخر . كما تدعو هذه القوى الى معاودة مشاغلة "اسرئيل" بمختلف اساليب المقاومة المدنية وتطويرها تدريجاً الى مقاومة ميدانية لتتساوق مع جهود المقاومة اللبنانية وجهود سائر قوى المقاومة العربية في سوريا والعراق ضد القوات الاميركية والتركية الناشطة فوق التراب العربي. والحجة التي يسوقها هذا الفريق في هذا المجال هي ان استنزاف القوات الاميركية بشرياً في فيتنام كان كفيلاً بإكراها على الإنسحاب ، وانه بالتالي ضمانة المقاومة العربية لردع الولايات المتحدة و"اسرائيل".
في ضوء ما تقدّم بيانه يبدو الصراع في سوريا والعراق وعليهما مرشحاً لمزيد من التأجيج والإحتدام في الحاضر والمستقبل المنظور.