ماذا قال ايزنكوت :
عنوان اي حرب مستقبلية سيكون لبنان ؟
د. عصام نعمان
"اسرائيل" دولة عدوانية ، اقيمت بالحرب وتوطّدت بالإستيطان والتوسع والعدوان . قادتها يعتقدون ان التوسع شرط لبقائها. اذا كفّت عن التوسّع حكمت على نفسها بالضمور والزوال.
احتلت "اسرائيل" في حرب 1948 نحو نصف مساحة فلسطين التاريخية ، لكنها سيطرت منذ ذلك التاريخ على كل مساحتها بإستثناء قطاع غزة الذي اضطرت للإنسحاب منه تحت وطأة المقاومة الفلسطينية من جهة وتخففاً من أعباء كثافته السكانية العربية من جهة اخرى.
توسعُ "اسرائيل " لا يقتصر على البرّ بل يمتد ايضاً الى البحر . اذا كانت قد انسحبت من ارض قطاع غزة فإنها لم تنسحب من بحرها بل حرصت على البقاء فيه لمنع الفلسطينيين من استخراج النفط منه بعدما اثبتت شركة بريطانية متخصصة وجود مكامن غنية بالنفط في المنطقة البحرية الإقتصادية الخالصة قبالة ساحل فلسطين وساحل قطاع غزة تحديداً.
لم تكتفِ "اسرائيل" بالاستيلاء على بحر غزة بل ادّعت ملكيتها لمساحة لا تقل عن 850 كيلومتر مربع من المنطقة الإقتصادية الخالصة اللبنانية الواقعة قبالة ساحل الجنوب اللبناني المجاور لشمال فلسطين المحتلة. وهي تدعو الآن الولايات المتحدة والامم المتحدة الى منع لبنان من اجراء مناقصة بين الشركات العالمية المتنافسة على إلتزام التنقيب عن النفط في المنطقة الإقتصادية الخالصة قبالة الساحل اللبناني من جنوبه الى شماله.
لبنان رفض ادعاءات "اسرائيل" وضغوطها وهو يتجه الى تلزيم شركة عالمية او اكثر مهمة التنقيب عن النفط وبالتالي استثماره. ماذا يمكن ان تفعل حكومة الكيان الصهيوني في هذه الحالة ؟
ثمة سؤال آخر يطرح نفسه ايضاً في هذه الآونة : ماذا يمكن ان تفعل "اسرائيل" اذا ما قامت دفاعات سوريا الجوية بإطلاق صواريخها المضادة لإسقاط القاذفات الإسرائيلية التي تحاول قصف مواقع داخل سوريا بدعوى أنها تحتوي على اسلحة "كاسرة للتوازن" سيصار الى نقلها الى حزب الله ؟
لبنان معنّي بمعرفة او ، في الاقل ، التكهن بما يمكن ان تفعله "اسرائيل" في كِلا الحالين لأن موارده ومنشآته النفطية يمكن ان تكون هدفاً في المستقبل لعدوانها ، ولأن القاذفات الإسرائيلية يمكن ان تعبر الاجواء اللبنانية للوصول الى المواقع المراد قصفها داخل سوريا كما جرى فجر يوم الجمعة 2017/3/17 .
لم يصدر عن أي مسؤول حكومي لبناني أي موقف او اشارة حول ما يمكن ان تكون عليه ردة فعل لبنان على العدوان الإسرائيلي المحتمل. لكن امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله كان اعلن أن المقاومة ستقوم بتدمير منشآت استخراج النفط الإسرائيلية اذا ما قامت "اسرائيل" بمنع لبنان من التنقيب عن النفط واستثماره داخل مياهه الاقليمية . كيف يمكن ان تردّ "اسرائيل" في هذه الحالة ؟
يبدو ان حكومة الكيان الصهيوني تربط بين ردها على سوريا اذا ما اطلقت مضاداتها الجوية النار على قاذفاتها العاملة في العمق السوري وبين ردها المحتمل على لبنان ، ربما لأن ثمة قاسماً مشتركاً بين الساحتين اللبنانية والسورية يتمثل في حزب الله الموجود في كليهما. ففي كلمة ألقاها رئيس اركان الجيش الإسرائيلي الجنرال غادي يزنكوت في احتفال تسليم قيادة المنطقة العسكرية الشمالية لقائد جديد قال : "إن عنوان اي حرب مستقبلية سيكون دولة لبنان والمنظمات العاملة بموافقتها وإذن منها" ، اي حزب الله تحديداً . هذا مع العلم ان وزير الحرب الإسرائيلي افيغدور ليبرمان وقبله رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو كانا صرحا بأن الجيش الإسرائيلي سيثابر على احباط اي محاولة لنقل اسلحة متطورة الى حزب الله من سوريا او عبرها.
حيال هذا التهديد ، ثمة ملاحظتان:
الاولى ، ان ادعاء اسرائيل بأن الدافع لضربتها الجوية الاخيرة لموقع سوري في البادية شرق حمص كان إحباط محاولة نقل اسلحة متطورة مخلّة بالتوازن مرسلة الى حزب الله يبدو غير معقول البتة ، ذلك ان لا سبيل الى نقل اسلحة ايرانية الى حزب الله عبر الحدود العراقية – السورية لأنها تحت سيطرة "داعش" من شمالها الى جنوبها . فهل ان الأسلحة المزعوم نقلها الى حزب الله هي من صنع سوريا ؟
الثانية ، ان سوريا ردّت على غارة "اسرائيل" الأخيرة فجر يوم الجمعة 2017/3/17 بصواريخ دفاع جوي قالت انها اصابت واسقطت احدى طائراتها. كما رجّحت مصادر اعلامية اميركية ان تكون سوريا قد اطلقت ايضاً صاروخ "سكاد" اضطرت "اسرائيل" معه الى اطلاق صاروخ من طراز "حيتس" (السهم) المضاد لصواريخ ارض – ا رض بغية تدميره بدليل بقايا صاروخ مُدمّر اعترف بيان الجيش الاسرائيلي بوجودها في محيط مدينة القدس.
حيال هذه الواقعات ، ثمة سؤالان:
الأول ، كانت "اسرائيل" ادّعت خلال حرب 2006 ان حزب الله يملك نحو 12000 صاروخ |، وهي تدّعي اليوم انه يمتلك اكثر من مئة الف صاروخ . ألا يعني ذلك انها اخفقت طيلة سنوات عشر في الحؤول دون نقل هذه الصواريخ الى حزب الله من سوريا او من غيرها ؟ وهل ستثابر على محاولة ضرب مواقع وارتال شاحنات في سوريا بدعوى انها تنقل "صواريخ كاسرة للتوازن" رغم الإحباط الذي اتسمت به محاولاتها السابقة ؟ ام ان ثمة اسباباً واهدافاً اخرى لغاراتها الجوية في العمق السوري؟
الثاني ، هل تعتزم "اسرائيل" تصعيد الحرب الجوية ضد سوريا وربما ضد لبنان ايضاً بعدما تبين لها ان سوريا اطلقت عليها في 2017/3/17 صاروخ ارض-ارض من طراز "سكاد" ام انها ستحجم عن ذلك مخافة ان يكون لدى سوريا صواريخ ابعد مدى واكثر فعالية من صاروخ "سكاد" وأنها لن تتأخر في إطلاقه عند ايّ عدوان اسرائيلي جديد؟
الصورة السياسية والعسكرية ما زالت غير واضحة . غير انه يمكن التكهن بتفسير اولي لإستمرار "اسرائيل" في رصد وقصف مواقع عسكرية وارتال شاحنات في سوريا بدعوى منع تزويد حزب الله اسلحةً كاسرة للتوازن هو ان سوريا تمكّنت ، رغم ظروفها الحالية الصعبة ، من بناء صناعة صاروخية متقدمة تتيح لها تزويد نفسها كما حزب الله بصورايخ كاسرة فعلاً للتوازن ، وان الغارة الجوية الإسرائيلية فجر 2017/3/17 كانت تستهدف (دونما نجاح) موقعاً عسكرياً سوريا لصنع طراز متقدم من الصواريخ يدعم توازن الردع بين الطرفين.