نشرت بجريدة"البناء" و"القدس العربي"
تاريخ 20/3/2017
ايها الرئيس العماد ... بادر لأنك قادر
إملأ الفراغ بنظام انتخابي نسبي ودستوري
د. عصام نعمان
عدت ، ايها الرئيس العماد، الى البلاد وهي في اسوأ حال : تظاهرات واعتصامات شعبية ونقابية وقطاعية احتجاجاً على رسوم وضرائب جائرة تتجه الحكومة لفرضها على الطبقة الشعبية ومحدودي الدخل ، واحتدام صراع مرير بين اطراف شبكة حاكمة على قانونٍ للإنتخابات يريده كلٌ منهم على قياس مصالحه ومطامعه. كل ذلك جرى ويجري قبل نحو ثلاثة اشهر من إنتهاء ولاية مجلس النواب وفي غمرة تهويلٍ من انزلاق البلاد الى فراغ . أليس الفراغ واقعاً جاثماً منذ آخر انتخابات جرت سنة 2009 ؟
رئيس مجلس النواب نبيه بري قال لك في امسٍ قريب: "إن قانون "الستين" هو الفراغ بعينه"، ذلك ان انتخابات 2009 جرت على اساس قانون "الستين" الاكثري الذي انتج مجلساً نيابياً عاجزاً عن الإنعقاد طيلة دوراتٍ وسنوات وبالتالي عن تشريع قانون انتخابٍ جديد يحلّ محل قانون "الستين"، فكان ان مدّد لنفسه مرتين وللفراغ ايضاً ، وما زال اركان الشبكة الحاكمة يحاولون التمديد له مرةً ثالثة بدعوى انضاج الظروف للتوافق على صيغة قانونٍ بديل.
لعلك لا تنسى ، ايها الرئيس العماد ، انك إلتزمت في خطاب القسم فور انتخابك الحرصَ على تطبيق الدستور وعلى وضع قانونٍ للإنتخابات "يؤمن صحة التمثيل وعدالته" ، واكّدت امام اعضاء السلك الديبلوماسي إلتزامك بما تعهدت به في خطاب القسم وبأنك تريد إعتماد النسبية الكاملة ، كما اعلنت في مناسبة لاحقة انك اذا ما خُيرت بين قانون "الستين" والتمديد فإنك تفضل الفراغ على الاثنين دونما تردد.
ها هي تداعيات الفراغ تطلّ عليك وعلى البلاد دونما تدخل منك بل بفعل متزعمين وسياسيين مستمتعين بفراغٍ عاشوه طيلة سنوات ست ويتوقون الى المزيد منه ، وبفعل شبكة حاكمة لم تكن انتَ يوماً عضواً فيها بل اصبحت رئيساً رغماً منها بعد 18 شهراً من شغورٍ في الرئاسة مفتعل .
لا يهوّلن احد عليك وعلى البلاد ، ايها الرئيس العماد ، بفراغٍ لن تتأتى عنه ازمات وتداعيات اكثر من تلك التي صنعها صنّاع الفراغ انفسهم بإصرارهم على اعتماد نظام الإقتراع الاكثري وتجاهل حال تعددية مجتمعية راسخة للحؤول دون تمثيل الأقليات السياسية . فهل يهون عليك ان تبقى ساكناً ساكتاً وهم يحاولون مجدداً تمديد الفراغ لغاية التوافق على قانون انتخابات هجين ، اكثري او مختلط ، يؤمّن لهم مصادرة التمثيل الشعبي والتحكم به الى ابد الآبدين؟
انها فرصتك ، ايها الرئيس العماد ، اغتنمها وبادر بلا إبطاء الى معالجة حال الفراغ بالإمتناع عن القيام بأي إجراء قانوني او سياسي يؤدي الى تمكين الشبكة الحاكمة من تحقيق اغراضها الخبيثة قبل حلول الفراغ التشريعي او بعده .
اجل ، لا تتأخر ايها الرئيس العماد ، في الإعلان ، غداةَ حلول الفراغ التشريعي في 20/6/2017 ، بأنك ستقوم عملاً بأحكام المادة 49 من الدستور التي تكرّسك رئيساً للدولة ورمزاً للوحدة الوطنية وساهراً على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان وسلامة اراضيه ، بالتعاون مع شركائك في الوطن وحلفائك الملتزمين مبدأ النسبية الكاملة في دائرة وطنية واحدة او ، استطراداً ، بدوائر قليلة موسعة ، بوضع نظام للإنتخابات النيابية في إطار الحكومة القائمة ، اذا آزرتكم في ذلك ، وإلاّ قمتم بإعتماد المسار الآتي:
.1 يقوم رئيس الجمهورية مع حلفائه بالإيعاز الى وزرائهم بالإستقالة ما يجعل الحكومة مستقيلة بحكم الفقرة (ب) من المادة 69- دستور لفقدها اكثر من ثلث عدد اعضائها.
.2 يجري ، بإتفاق رئيس الجمهورية مع حلفائه ، تأليف حكومة وطنية جامعة من شخصيات وممثلي قوى سياسية متوافقة على وضع نظام انتخابي دستوري عصري على الاسس الآتية :
(أ) إعتماد نظام التمثيل النسبي في دائرة انتخابية وطنية واحدة.
(ب) يكون مجلس النواب مؤلفاً من 130 نائباً ، مئة (100) منهم يُنتخبون بموجب لوائح مرشحين مناصفةً بين المسيحيين والمسلمين من دون اعتماد التوزيع المذهبي للمقاعد ، ويُنتخب الثلاثون (30) الباقون وفق التوزيع المذهبي ، ويكون لكل ناخب صوت واحد.
(جـ) عملاً بنظرية " الظروف الاستثنائية تتطلب قرارات استثنائية "، يُستفتى على النظام الإنتخابي الجديد ، بنصّه الكامل او بملخصٍ وافٍ عنه، في استفتاء عام يُنظَّم بمرسوم يُتيح لكل لبنانية ولبناني بلغ الثامنة عشرة قبل تاريخ 2016/12/31 حق الإقتراع له او ضده ، ويكون نافذاً بأحكامه بمجرد حصوله على نسبة تأييد تزيد عن خمسين في المئة من مجموع عدد المقترعين. ولا شك في ان لهذا النظام الإنتخابي شرعية ومشروعية اعلى واقوى من قانونٍ مماثل يقره مجلس نيابي إنتخب سنة 2009 ومُدّدت ولايته مرتين لتنتهي في 20 حزيران 2017.
.3 يجتمع النواب المنتخبون المئة والثلاثون (130) كهيئة مشترعة واحدة ويقومون بتشريع قانونين :
-الاول يقضي بإعتبار النواب المئة المنتخبين على اساس المناصفة دونما توزيع مذهبي للمقاعد نواةَ المجلس النيابي المنصوص عليه في المادة22 - دستور ، وبإعتبار الثلاثين نائباً المنتخبين على اساس التوزيع المذهبي للمقاعد نواةَ مجلس الشيوخ المنصوص عليه في المادة عينها.
- الثاني يقضي بتحديد صلاحيات مجلس الشيوخ بإعتماد معظم المواضيع المعتبرة اساسية في الفقرة 5 من المادة 65-دستور وأهمها : تعديل الدستور ، الحرب والسلم ، المعاهدات الدولية ، الموازنة العامة للدولة ، الخطط الإنمائية الشاملة، إعادة النظر في التقسيم الإداري للدولة ، قانون الإنتخابات ، قانون الجنسية، قوانين الأحوال الشخصية .
لعلك تشاطرنا الرأي ، ايها الرئيس العماد ، بأن البلاد لا تحتمل ازمةً كيانية كل ثلاث او اربع سنوات ، وانه آن الاوان لوضع حدٍّ ، مرةً والى الابد ، لأسباب إجترارها وتكرارها ، وان ذلك يتحقق بجملة تدابير ، اولها واهمها تطبيق احكام الدستور ولاسيما المواد 7 (مساواة اللبنانيين لدى القانون)و 22(مجلس نواب لاطائفي ومجلس شيوخ لتمثيل الطوائف) و27 (النائب يمثل الامة جمعاء) وذلك بإعتماد النظام الإنتخابي المنصوص عليه في الفقرة 2 اعلاه لتمكين مجلس النواب الجديد من تشريع قيام المجلسين موضوع المادة 22- دستور في ضوء نتائج الإنتخابات المُجراة .
إن الفراغ فرصة نادرة يقتضي اغتنامها بلا تردد . وليس غيرك ، ايها الرئيس العماد ، قادر على ذلك كونك وحدك بين المسؤولين في هذه الظروف الإستثنائية يمتلك قدْراً عالياً من الوطنية والشجاعة والتصميم على اتخاذ قرارات مصيرية وإصلاحية استثنائية تضع لبنان على مسار الخلاص الوطني والدولة المدنية الديمقراطية.