نشرت بجريدة "البناء" و"القدس العربي"
تاريخ 13/3/2017
بعد "داعش"
"اسرائيل" تحاول إخراج سوريا من محور المقاومة
د. عصام نعمان
أدرك بنيامين نتنياهو ان تنظيف العراق وسوريا من "داعش" ليس امراً بعيد المنال، ولعله في بلاد الرافدين بات وشيكاً .أدرك ايضاً ان مفاعيل وتداعيات خطيرة ستنعكس على "اسرائيل" نتيجةَ هذا الحدث. لذا شدّ الرحال الى موسكو للمرة الرابعة خلال 18 شهراً ليتدارس مع فلاديمير بوتن المخاطر الماثلة وليستحصل منه على ما امكن من ضمانات وتطمينات.
يوحي ظاهر الحال بأن حصيلة الزيارة الخاطفة كانت محدودة. ذلك ان الرجلين لم يعقدا مؤتمراً صحافياً مشتركاً، وان الناطق بإسم الكرملين ديمتري بيسكوف ردّ على تقارير اعلامية منسوبة لمصدر قريب من نتنياهو حول سماح موسكو للطيران الحربي الإسرائيلي بإستهداف حزب الله من الاجواء السورية ، ردّ قائلاً :"لا مكان لهذه المزاعم في الواقع اطلاقاً ".
ماذا بحث رئيس الحكومة الإسرائيلي مع الرئيس الروسي ؟
يتضح من تسريبات نُسبت الى مصدر ديبلوماسي روسي ان ثلاثة محاور دارت حولها المباحثات : اولها الوضع في الجولان السوري المحتل الذي يعتبره نتنياهو "غير قابل للنقاش". الثاني يتعلق بضمانات تطلبها "اسرائيل" لمرحلة ما بعد التسوية في سوريا ابرزها منع ايران من تعزيز وجودها فيها. الثالث : يتعلّق بما يمكن ان يقوم به اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة لرفع او تقليص العقوبات الاميركية المفروضة على روسيا.
من الواضح ان المحور الثالث هو مجرد إغراء بخدمةٍ مجزية يمكن ان تقدّمها "اسرائيل" لروسيا مقابل تأمين مطالبها موضوع المحورين الاول والثاني.
"اسرائيل" لا تخفي خشيتها مما تخطط له سوريا (وربما ايران ايضاً) بعد تنظيفها من "داعش". فالقيادة السورية كانت إستجابت مطلباً وطنياً ببناء مقاومة شعبية لتحرير الجولان ما ادى الى مسارعة تل ابيب لشنّ غارة جوية على موكب سيارات على مقربة من القنيطرة أودت بحياة قائدين : ضابط ايراني برتبة لواء ومجاهد لبناني هو شقيق القائد المقاوم الأشهر الشهيد عماد مغنية. ثم ما لبثت "اسرائيل " ان تابعت عدوانها السافر بعد ايام بإطلاق صاروخ على شقة يسكنها القائد المقاوم سمير القنطار في مكان غير بعيد عن دمشق فأودت بحياته ايضاً.
المقول أن نتنياهو حاول الحصول من بوتن خلال اجتماعهما الأخير على تأكيدات روسية بعدم السماح لقوات حزب الله الناشطة في سوريا بالإنتقال الى جبهة الجولان بعد التوصل الى تسوية سياسية مرتقبة للحرب. بوتن لا يستطيع ، وربما لا يريد ، اعطاء تأكيدات لـِ"اسرائيل" في هذا المجال لأن الأمر يتعلق بمسألتيّ سيادة سوريا على اراضيها من جهة وتحالفها مع ايران من جهة اخرى .
لعل أهم محاور مباحثات موسكو الأخيرة وضعُ سوريا بعد دحر "داعش" . فقد ركَّز نتنياهو على ما اسماه "الخطر الفارسي" محذراً من ان "يحلّ الإرهاب المتطرف بقيادة ايران محل ارهاب "داعش" والقاعدة" . صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية اليسارية كشفت ان نتنياهو طالب بإدراج بند يقضي بسحب القوات الإيرانية من سوريا في حال التوصل الى تسوية سياسية في مفاضات جنيف .وكانت وسائل اعلامية اسرائيلية اشارت الى ان ايران ترغب في إقامة قاعدة بحرية لإسطولها على الساحل السوري.
يتحصّل من كل هذه الواقعات والمعطيات نشؤ خشية ضاغطة لدى "اسرائيل" من ان تؤدي هزيمة "داعش" وأمثاله في العراق وسوريا الى قيام تضامن وتعاون اوسع بين اطراف محور المقاومة يهدد امنها القومي . ذلك ان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أعلن ونفّذ سياسة جريئة بضرب مواقع لـِ "داعش" داخل سوريا بتنسيق معلن مع حكومتها ، فيما اعلنت "حركة النجباء" العراقية ( المدعومة من الحرس الثوري الإيراني ) عشية زيارة نتنياهو لموسكو تشكيلَ "فيلق لتحرير الجولان السوري المحتل". الناطق بإسم "النجباء" هاشم الموسوي قال في طهران : "هذا الفيلق مدرب ولديه خطط دقيقة ، ومكوّن من قوات خاصة مزوّدة اسلحة استراتيجية متطورة (...) لن تخرج من سوريا إلاّ بعد خروج آخر ارهابي منها" .
في المقابل ، تقاتل الولايات المتحدة "داعش" بقوةٍ من مشاة البحرية (المارينز) وبمؤازرة قوة عسكرية من حلفائها الأكراد في شمال شرقي سوريا ، فماذا ستفعل بعد إخراج "داعش" من الرقة ؟ وماذا سيكون موقفها اذا ما اصرّت الحكومة السورية وحلفاؤها ، حزب الله والحرس الثوري الإيراني وفيلق النجباء وغيرهم ، على مواصلة القتال حتى خروج آخر جندي اجنبي من سوريا سواء كان اميركياً او...اسرائيلياً ؟
الجواب يتوقّف على ما يمكن ان تقوم به الولايات المتحدة وتركيا و"اسرائيل" في سوريا من جهة ودول محور المقاومة وروسيا من جهة اخرى . هاكم بعض الترجيحات :
اميركا ، في ظل دونالد ترامب ، ما زالت على تحالفها مع "اسرائيل" وتواطئها معها ضد كل مَن تعتبره مناهضاً لإحتلال فلسطين ومتعاطفاً مع تنظيمات المقاومة في عالم العرب . الى ذلك ، هـي ضالعة في مخطط استعماري- صهيوني قديم يرمي الى تفكيك سوريا والعراق ولبنان الى كيانات قبلية واثنية ومذهبية متنازعة . في هذا الاطار ، ستثابر واشنطن على دعم قوات الأكراد السوريين الإنفصاليين الساعين الى إقامة كيان للحكم الذاتي في شمال شرق سوريا ، وكذلك اقامة كيان "سنّي" يضمّ محافظات او اقساماً منها ممتدة على جانبيّ الحدود السورية- العراقية . إن الامعان في اعتماد هذه السياسة قد يحمل واشنطن على التباطؤ في سحب قواتها من سوريا والعراق لحين الفراغ من إقامة الكيانات المصطنعة المأمولة.
تركيا ، في ظل رجب طيب اردوغان ، ستثابر على محاربة اقامة كيان كردي على حدودها الجنوبية وذلك بالتنسيق مع روسيا ، كما يستفاد مما رشح اخيراً من قمة بوتن –اردوغان . وقد تجد نفسها في صراع مع اميركا اذا ما اصرّت ادارة ترامب على دعم الاكراد الانفصاليين .
"اسرائيل" لن تلجأ ، على الارجح ، الى شنّ الحرب على حزب الله (المقاومة) في سوريا ولبنان بسبب حال توازن الردع القائمة بين الجانبين . وتفادياً لتكبّد خسائر سياسية واقتصادية ، وتداركاً لمخاطر تنامي قدرات اطراف محور المقاومة ، ستثابر "اسرائيل" على اعتماد "الحرب الناعمة" ضد لبنان وسوريا والعراق وايران بعناصرها الثلاثة الرئيسية : الفتنة المذهبية السنيّة - الشيعية ، العمليات الإرهابية المنفذة بواسطة تنظيمات مأجورة ، وبناء حلف معادٍ لايران وحلفائها قوامه دول عربية محافظة و"معتدلة" .
سوريا والعراق سيثابران على اعتماد نهج استعادة وحدة البلاد الجغرافية والسياسية وذلك بمكافحة "داعش" واخوته لإجلائهم عن المناطق التي سيطروا عليها، وتطوير العلاقات بينهما وترفيعها الى مستوى تحالف سياسي وعسكري وإقتصادي متين ، ودعم قوات المقاومة العربية ضد "اسرائيل" كما ضد التنظيمات الانفصالية.
تنظيمات المقاومة العربية ، اللبنانية والفلسطينية والسورية والعراقية ، ستثابر بدورها على تطوير قدراتها العسكرية وترفيعها تكنولوجياً في وجه "اسرائيل" وحلفائها الإقليميين .
ايران ستدعم حلفاءها سياسياً وعسكرياً ، من دون الإنزلاق الى حرب مدمرة مع خصومها الإقليميين . غير ان كل ما سبق بيانه من معطيات وتحركات سيؤدي غالباً الى اطالة أمد الصراعات التي تعصف بمعظم دول المنطقة بلا هوادة.