نشرت بجريدة "البناء"
تاريخ 11-3-2017
لماذا اميركا وروسيا وتركيا متواجدة في سوريا ؟
د. عصام نعمان
دولتان كبريان بعيدتان عن سوريا وثالثة اقليمية كلها متواجدة فيها وحريصة على عدم إخفاء هذه الحقيقة بل حريصة على تظهيرها بوسائل عدّة.
روسيا متواجدة بقواتها البرية وطائراتها الحربية بطلب من حكومة سوريا وبموافقتها . اميركا وتركيا حاضرتان فيها بقواتهما البرية وطائراتهما الحربية من دون موافقة حكومة سوريا بل بالرغم منها.
لماذا هذه الدول الأجنبية متواجدة في سوريا ؟
الجواب: لأن لكلٍّ منها اهدافاً ومصالح . روسيا اعلنت مراراَ بلسان أعلى مسؤوليها انها في سوريا بطلب من حكومتها لمواجهة تنظيمات ارهابية تمكّنت من السيطرة على مناطق شاسعة في مختلف انحاء البلاد. ثم هي هناك لأن اعداداً كبيرة من الإرهابيين الناشطين فيها قادمون من روسيا تحديداً او من جمهوريات اسلامية اعضاء في الاتحاد الروسي ، ولا تخفي موسكو رغبتها في تصفية هؤلاء تفادياً لعودة قسمٍ منهم الى البلاد ومباشرة حربٍ ارهابية ضد حكوماتهم ومجتمعاتهم.
تركيا متواجدة في سوريا لأنها تعتبر قوات الاكراد السوريين الناشطة في المناطق السورية المحاذية لحدودها عدواً كونها مرتبطة بحزب العمال الكردستاني التركي المعارض للحكومة المركزية في انقرة والذي يستبطن في رأيها نيات انفصالية ، وان هؤلاء جميعاً ارهابيون بإمتياز ويستوجبون الإستئصال بلا رحمة . الى ذلك ، تسعى تركيا الى إقامة "مناطق آمنة" في شمال سوريا على طول حدودها معها من اجل غرضين:
(أ) منع اتصال الاكراد السوريين في شمال سوريا الشرقي (الحسكة) مع اخوتهم في شمالها الغربي(عفرين) .
(ب) توطين عشرت الاف المهاجرين والنازحين السوريين في "المناطق الآمنة" تخفيفاً من أعباء إقامتهم الحالية داخل تركيا .
اميركا متواجدة في شمال سوريا بدعوى محاربة "داعش" ودعم الاكراد السوريين الذين يقاتلونه في مناطق إقامتهم التي قام بالسيطرة عليها. كما تقوم واشنطن بتسليح قوات الاكراد السوريين التي تقاتل "داعش" بأمل مشاركتها الاميركيين في معركة استخلاص الرقة التي يتخذها "داعش" عاصمة لـِ "خلافته" المعلنة بين نهري الفرات ودجلة.
الاهداف المعلنة للدول الثلاث تتعارض فيما بينها ، كما انها تخفي اغراضاً ومصالح اخرى متعارضة أيضاً. واذا كانت الاغراض والمصالح الخفية غير واضحة وموضع جدل فإن الاهداف المعلنة واضحة لدرجة انها تسبّبت وستتسبب بالمزيد من الإحتكاك والإشتباك بين الدول الثلاث . لتفادي الإشتباك اجتمع في مدينة انطاليا التركية رؤساء اركان جيوش اميركا وروسيا وتركيا ، فهل توصلوا الى اتفاق ؟
يتضح من تصريحات مسؤولين ينتمون الى الدول الثلاث الواقعات الآتية:
- التوصّل الى إتفاق مبدئي بين الحلفاء اللدودين الثلاثة على "تطهير سوريا من الجماعات الإرهابية ومنع حصول اشتباكات بين اطرافها المختلفين".
- تأكيد وزارة الدفاع الروسية على حصول اتفاق على ضرورة "رفع المستويات القتالية لمواصلة الكفاح ضد المسلحين".
- تأكيد الناطق بإسم رئيس الاركان الاميركي الجنرال جوزف بدفورد ان قادة الجيوش الثلاثة توافقوا على اجراءات ضرورية " لتفادي الحوادث، وناقشوا الوضع الحالي للمعركة ضد جميع المنظمات الإرهابية في سوريا مع جهود لشن معركة اكثر فاعلية عليها".
- رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم كشف ان نتائج اجتماع انطاليا "قد تغيّر الصورة تماماً "، ذلك ان الولايات المتحدة "ربما نفذت هذه العملية (استعادة الرقة) مع وحدات حماية الشعب (الكردية) وليس مع تركيا. وفي الوقت عينه تمدّ الولايات المتحدة وحدات حماية الشعب بالأسلحة . اذا جرت هذه العملية بهذه الطريقة فستكون هناك تداعيات على العلاقات التركية – الاميركية لأن وحدات حماية الشعب تنظيم ارهابي ونحن نقول ذلك في كل منبر".
- يبدو ان الاتراك مستاؤون من نتائج اجتماع انطاليا لدرجة ان مكتب الرئيس التركي اعلن ان اردوغان قرر زيارة روسيا ليبحث مع بوتن في العلاقات الثنائية وملفات اقليمية ودولية وخصوصاً سوريا.
يُستخلَص من تصريحات المسؤولين المعنيين في الدول الثلاث ان الإتفاق الأساس الذي انتهى اليه اجتماع انطاليا قد إقتصر على ضرورة تفادي حصول اشتباكات بين الجيوش الثلاثة العاملة في سوريا ، وان ثمة اختلافات واضحة وعالقة حول مسألة تحرير الرقة من "داعش"، وحول تصنيف هوية "وحدات حماية الشعب" الكردية ودورها في القتال ، وحول أبعاد التفاهم الاميركي – الروسي ، لاسيما لجهة "الجهود الرامية لشن معركة اكثر فعالية ضد جميع المنظمات الإرهابية في سوريا".
الى ذلك ، ثمة غموض حول اهداف كلٍّ من الدول الثلاث في مرحلة ما بعد دحر "داعش" واخواته في سوريا والعراق . لعل طرح بعض الأسئلة الملحّة تلقي ضوءاً على احتمالات واردة في هذا المجال.
- هل في تسليح اميركا للوحدات الكردية المقاتلة في سوريا واشراكها في معركة الرقة اشارة لعزمها على دعم الاكراد السوريين لإقامة كيان للحكم الذاتي في شمال سوريا الشرقي المحاذي لجنوب شرق تركيا حيث تقيم اكثرية اكرادها ؟
- هل يدفع احتمال قيام حكم ذاتي للاكراد السوريين حكومة اردوغان الى تقليص ارتباطها باميركا واوروبا والحلف الاطلسي وبالتالي تعزيز تفاهمها وتعاونها مع روسيا في المجالات الاقتصادية والاستراتيجية ؟
- هل يؤدي "رفع مستويات المواجهة ضد التنظيمات الإرهابية في سوريا" الى انخراط اميركا الى جانب سوريا وروسيا في الحرب التي تشنانها ضد تنظيم هيئة تحرير الشام ("النصرة") المدعومة ضمناً من تركيا في محافظة ادلب؟
- هل "وحدات الشعب"الكردية قادرة وحدها ، بدعمٍ من اميركا ، على تحرير الرقة ، لاسيما بعدما قطع الجيش السوري الطريق اليها بوصوله الى منبج وضفة الفرات الغربية ، ام ان ذلك يستوجب ، برضا واشنطن او عدم رضاها، قيام الجيش السوري الذي بات على مسافة غير بعيدة من "عاصمة الخلافة" بدورٍ رئيس في تحريرها ؟
- هل تنوي اميركا بعد إخراج "داعش" من الرقة دفع مقاتليه جنوباً نحو محافظة دير الزور ومساعدته ، بدعمٍ من المقاتلين الدواعش المنتشرين في محافظة الانبارالعراقية ، لإقامة كيان سياسي على امتداد الحدود السورية- العراقية لفصل سوريا عن العراق وتالياً عن ايران؟
- هل قيام طائرات "التحالف الدولي" الاميركية قبل اسبوع بتدمير جسر الميادين على نهر الفرات جنوب دير الزور هو لمنع تعاون سوريا والعراق في جهدٍ مشترك للحؤول دون قيام كيان انفصالي على حدودهما" ؟
اسئلة تبحث عن اجوبة في الحاضر الراهن والمستقبل المنظور.