نشرت بجريدة "الخليج " والبناء"
تاريخ 25/2/2017
لبنان على مفترق:
الفراغ...ام مواجهته بنظام انتخابي دستوري؟
د. عصام نعمان
تنتهي ولاية مجلس النواب الممدد له مرتين في 20 حزيران/ يونيو المقبل. يقتضي بحسب المادة 42 من الدستور إجراء الإنتخابات خلال الستين يوماً السابقة لإنتهاء ولايته. وقّع وزير الداخلية وبعده رئيس مجلس الوزراء مرسوماً بدعوة الهيئات الناخبة الى انتخاب نواب جدد. رئيس الجمهورية العماد ميشال عون رفض توقيع المرسوم كونه يعارض اجراء الإنتخابات وفق القانون النافذ المعروف بإسم " قانون الستين" إلتزاماً منه بوعد قطعه في قَسَمه الدستوري بتشريع قانون جديد يؤمّن "صحة التمثيل وعدالته".
المحادثات الجارية بين كبريات الكتل البرلمانية لم تتوصل بعد الى توافق حول صيغة القانون الجديد . يبدو انها لن تتوصل الى إنجازه وبالتالي الى إجراء الإنتخابات قبل إطلالة شهر رمضان في 27 ايار/مايو المقبل. ذلك يؤدي الى وقوع البلاد في فراغ تشريعي وربما انزلاقها الى اضطرابات امنية.
يقول سياسيون مقرّبون من الرئيس عون إنه واثق ، رغم كل الخلافات والنزاعات ، من انجاز قانون مقبول خلال المهلة القانونية كي تجري الإنتخابات في موعدها . ثقته نابعة من ان زعماء الكتل البرلمانية يشقّ عليهم البقاء خارج السلطة، لذلك سيقومون بلا كلل بتدوير زوايا خلافاتهم لتأمين صدور قانون مقبول تفادياً لوقوع البلاد في فراغ تشريعي. رئيس مجلس النواب نبيه بري اكّد هو الآخر ارجحية صدور القانون المنتظر قبل تصرّم المهل القانونية.
فريق من السياسيين والمراقبين لا يستبعد ، رغم تأكيدات الرئيسين عون وبري، إخفاقَ الكتل البرلمانية في التوصل الى صيغة لقانونٍ ترضي جميع المتزعمين السياسيين المتصارعين على المصالح والمغانم ، وان الصراعات الإقليمية المتجددة والمستعرة قد تُسهم بدورها في تعقيد مسألة التوافق على قانون مقبول من غالبية المسؤولين والمتزعمين . ذلك قد يؤدي الى عدم إجراء الإنتخابات قبل إنتهاء ولاية مجلس النواب في 2017/6/20 ما يُوقع البلاد في فراغ تشريعي.
المهوّلون بمخاطر الفراغ كثر. بعضهم يفعل ذلك بقصد الضغط على الذين لا يذهبون مذهبه في مضمون القانون المطلوب . بعضهم الآخر يفتقر الى المعطيات ذات الصلة فيأتي تقديره للأمور ناقصاً او ملتبساً.
الحقيقة ان الفراغ كان سائداً خلال السنواب الاربع الماضية. فقد امتنع مجلس النواب عن الانعقاد ، وبالتالي عن التشريع ، لفترات زمنية طويلة وكذلك مجلس الوزراء بسبب صراعات اهل السلطة على المصالح والنفوذ. والجدير بالذكر ان الفراغ أعقب إجراء الإنتخابات سنة 2009 على اساس قانون "الستين" معدلاً. ربما لهذا السبب نُسب الى الرئيس بري قوله : " قلتُ للرئيس عون إن قانون "الستين" هو الفراغ بعينه". قبل بري كان عون قد صرّح انه بين قانون "الستين" والتمديد لمجلس النواب يفضل الفراغ على الاثنين.
اما وان بلوغ حال الفراغ ممكن لسبب او لآخر ، فإن الحكمة وحسن التدبير يقضيان بضرورة التهيّؤ لهذا الإحتمال ومواجهته ، بل الإفادة منه ، على نحوٍ يؤدي الى سد ثغرات قوانين الإنتخابات المتعاقبة – وما اكثرها – بغية الخروج من ازمة لبنان المزمنة وبالتالي من الفراغ المتواصل وذلك بإعتماد نظام انتخابي عادل وعصري يكفل إعادة بناء الدولة على اسس حكم القانون والعدالة والتنمية.
اقترح لهذه الغاية ، بخطوطٍ عريضة ، السيناريو الآتي :
.1 إعتبار جميع قوانين الإنتخاب منذ الإستقلال غير دستورية لمخالفتها المواد 7 و22 و27 من الدستور، وأن الفراغ في السلطات والمؤسسات السياسية وَقَع مرات عدّة على مرّ العهود ، وأنه اليوم نتاج إخفاق المسؤولين والجماعات السياسية المتنازعة في تشريع قانون للإنتخابات يحقق صحة التمثيل الشعبي وعدالته .
.2 إعتبار الرئيس ميشال عون مُلزماُ ، بحكم قسمه الدستوري وبصفته رئيس الدولة ، بمواجهة الفراغ بحلٍ جذري يتمثّل بتنفيذ احكام الدستور ولاسيما المادة 22 منه التي تنصّ على إيجاد مجلسين : الأول للنواب مُنتخب على اساس وطني لاطائفي ، والثاني للشيوخ لتمثيل الطوائف .
.3 إعتبار عجز الحكومة القائمة عن إنجاز مشروع قانون إنتخابي مقبول دليلاً إضافياً على مسؤوليتها ايضاً عن بلوغ حال الفراغ ، الأمر الذي يتطلب قيام الرئيس عون وحلفائه الداعين الى وضع قانون ديمقراطي عادل للإنتخابات بالإيعاز الى وزرائهم بالإستقالة ما يجعل الحكومة مستقيلة بحكم الفقرة (ب) من المادة 69- دستور لفقدها اكثر من ثلث عدد اعضائها.
.4 يجري ، بإتفاق الرئيس عون والمطالبين بالإصلاح الإنتخابي الدستوري، تأليف حكومة وطنية جامعة من شخصيات وممثلي قوى سياسية متوافقة على وضع نظام انتخابي دستوري عصري على الاسس الآتية :
(أ) إعتماد نظام التمثيل النسبي (النسبية) في دائرة انتخابية وطنية واحدة.
(ب) يكون مجلس النواب مؤلفاً من 130 نائباً ، مئة (100) منهم يُنتخبون بموجب لوائح مرشحين مناصفةً بين المسيحيين والمسلمين من دون اعتماد التوزيع المذهبي للمقاعد ، والثلاثون (30) الباقون ينتخبون وفق التوزيع المذهبي ، ويكون لكل ناخب صوت واحد.
(جـ) عملاً بنظرية " الظروف الاستثنائية تتطلب قرارات استثنائية " ، يُستفتى على النظام الإنتخابي الجديد ، بنصّه الكامل او بملخصٍ وافٍ عنه، في استفتاء عام يُنظّم بمرسوم يُتيح لكل لبنانية ولبناني بلغ الثامنة عشرة بتاريخ 2016/12/31 حق الإقتراع فيه ، ويكون نافذاً بأحكامه بمجرد حصوله على نسبة مئوية تزيد عن خمسين في المئة من مجموع المقترعين.
.5 يجتمع جميع النواب المنتخبين في هيئة مشترعة واحدة ويقومون بتشريع قانونين:
-الاول يقضي بإعتبار النواب المئة المنتخبين على اساس المناصفة نواةَ المجلس النيابي المنصوص عليه في المادة22 - دستور ، وبإعتبار الثلاثين نائباً المنتخبين على اساس التوزيع المذهبي للمقاعد نواةَ مجلس الشيوخ المنصوص عليه في المادة عينها.
- الثاني يقضي بتحديد صلاحيات مجلس الشيوخ بإعتماد معظم المواضيع المعتبرة اساسية في الفقرة 5 من المادة 65-دستور وأهمها : تعديل الدستور ، الحرب والسلم ، المعاهدات الدولية ، الميزانية العامة للدولة ، الخطط الإنمائية الشاملة، إعادة النظر في التقسيم الإداري للدولة ، قانون الإنتخابات ، قانون الجنسية، قوانين الأحوال الشخصية .
لا مبالغة في أن الرئيس ميشال عون يشكّل ، بوطنيته وشجاعته ، فرصةً تاريخية لإتخاذ قرارات استثنائية تقتضيها الظروف الإستثنائية محورها نظام انتخابي عادل يعتمد النسبية كمدخل للإصلاح الديمقراطي وإعادة بناء الدولة وفق احكام الدستور.
هل يُقدم الرئيس عون وحلفاؤه القدامى والجدد على اعتماد هذا السيناريو ؟