نشرت بجريدة "القدس العربي" و"البناء"
20/2/2017
المشهد الفلسطيني – الإسرائيلي :
وفاة "حل الدولتين" واستبعاد الحرب... فماذا بعد ؟
د. عصام نعمان
ما يسمّى "حل الدولتين" وُلد ميتاً ، ومع ذلك فإن جهتين رفضتا تصديق الواقعة : السلطة الفلسطينية واليمين الإسرائيلي العنصري الإستيطاني. ما جرى في قمة واشنطن منتصفَ الاسبوع الماضي هو ان دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو اعلنا رسميا وفاته.
اليمين الإسرائيلي بشخص زعيمه الابرز رئيس"البيت اليهودي" نفتالي بينت سلّم اخيراً ، بعد قمة واشنطن ، بوفاة "حل الدولتين" وحرص على توجيه تحية حارّة الى منافسه اللدود "رئيس الحكومة الذي اتخذ هذا القرار الصحيح وأظهر القيادة والجرأة وحصّن امن اسرائيل وسيادتها".
السلطـة الفلسطينية لم تسلّم ، بعد ، بوفاة "حل الدولتين" . أعلنت عقب قمة ترامب – نتنياهو استعدادها للتواصل مع الادارة الاميركية الجديدة من اجل إحياء مسار المفاوضات في إطار قرارات الامم المتحدة. استوقفتها ، ربما ، اشارة ترامب الى انه يتجاوب مع ما يتفق عليه الجانبان الإسرائيلي والفلسطيني كحل الدولتين او الدولة الواحدة ! لكن ما من شيء يدّل الى ان ترامب ونتنياهو اتفقا على اطارٍ محدد لاحياء مسار المفاوضات. بالعكس ، رئيس حكومة اسرائيل ذكّر معارضيه المتطرفين جميعاً بقوله : " لو كانوا يعلمون ماذا أقصد بالدولة الفلسطينية ما عارضه احد من معسكر اليمين". المعارضون الإسرائيليون فهموا اخيراً ما كان يقصده نتنياهو. متى يفهم "الموالون" الفلسطينيون؟
المعارضون الفلسطينيون والعرب كانوا يفهمون دائماً ما تريده المؤسسة الحاكمة في "اسرائيل" . هؤلاء عبّر عنهم امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الاخير بقوله إن "اسرائيل" ترفض بالمطلق قيام دولة فلسطينية ، وان الولايات المتحدة تؤيدها دائما في ما تريده او ترفضه ، وان ما انتهى اليه نتنياهو وترامب في قمة واشنطن هو الإنتقال من ملهاة مفاوضات السلام بين الفلسطينيين و"اسرائيل" الى مشروع سلام اميركي – صهيوني بين "اسرائيل" والعرب. كيف ؟
بالبناء على الإنفتاح المتنامي بين بعض دول الخليج و"اسرائيل" وتطويره الى تحالف استراتيجي على قاعدة ان الخطر الاول الذي يتهدد دول المنطقة جميعاً هو ايران . ما استبطنه كلام ترامب ونتنياهو في مؤتمرهما الصحافي المشترك كشفته علناً بعد يومين مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الامن نيكي هاملي. فقد استنكرت تخصيص جلسة المجلس للتنديد بـِ "اسرائيل" طالبةً "الاهتمام ذاته بأخطار اخرى" : حزب الله في لبنان ، و"فظاعات" الرئيس بشار الأسد في سوريا ، وايران "الراعي الاول للإرهاب في العالم ".
ما يسعى اليه ترامب ونتنياهو ، اذاً ، هو بناء تحالف اقليمي موسّع يضم "اسرائيل" والدول العربية المحافظة التي تشترك مع الكيان الصهيوني في اعتبار ايران الراعي الاول للإرهاب وبالتالي الخطر الاول الذي يهدد دول المنطقة . ويأمل نتنياهو، كما ترامب ، بأن يؤدي التخلي عن "حل الدولتين " وترفيع ايران الى مرتبة "الخطر الاول" لتطويق الصراع الفلسطيني– الإسرائيلي وتعطيل حيثياته وحوافزه ومفاعيله ما يعجّل لاحقاً في تطويق ايران ومشاغلتها اقتصادياً وأمنياً بغية استنزافها وشلّها .
الى اين من هنا ؟
استشعر السيد حسن نصرالله خَطراً بإحتمال أن تخطيء "اسرائيل" في قراءة مفردات الصراع المحتدم وموازين القوى في المنطقة ، ولاسيما في لبنان وسوريا والعراق واليمن ، فتُقدِم على شن حرب إستباقية على اطراف محور المقاومة في لبنان وسوريا وغزة في سياق مخطط اميركي– صهيوني لتصفية قضية فلسطين ، وإعادة رسم خريطة سايكس- بيكو على نحوٍ يؤدي الى اختلاق كيانات قبلية ومذهبية واثنية في منطقة الهلال الخصيب من شأنها الفصل بين دوله وايران وإضعاف هذه الاخيرة.
هذا ، على الأرجح ، ما حدا بالسيد نصرالله الى تذكير "اسرائيل" مجدداً بمخاطر شن حربٍ استباقية بوجود خزانات الامونياك في برّ حيفا وبحرها ، مضيفاً الى قائمة المخاطر إحتمال ردّ المقاومة بقصف مفاعل ديمونا النووي وما ينجم عن ذلك من كوارث تُصيبها تحديداً .
"اسرائيل" تُدرك هذه المخاطر الامر الذي يرجّح إحجامها عن المغامرة بحربٍ قد تتسبّب بتدميرها وربما بإنهاء كيانها. غير ان ادراكها المخاطر الكارثية للحرب لن يجعلها تصرف النظر عن استثمار فرصةٍ تراها متاحة من حولها ، ابرز مظاهرها:
- إنقسام الفلسطينيين وتشرذمهم.
- استشراء الإرهاب في سوريا والعراق ومصر واليمن وليبيا والدمار الهائل الذي ألحقه بها بشراً وحجراً وشجراً.
- إستشراء الفتنة السنيّة – الشيعية في عالم العرب ما ادى الى تغليب العصبيات المذهبية على الهوية العروبية الجامعة.
- إنجراف بعض الدول العربية المحافظة في حمأة الدعوة الى اعتبار ايران ،لا "اسرائيل" ، الخطر الاول على كياناتها ومصالحها ، ونزوعها الى الإنفتاح على "اسرائيل" كحليف فاعل في مواجهة الخطر المشترك.
- إنخراط الولايات المتحدة في المخطط القديم–الجديد الرامي الى تصفية القضية الفلسطينية في إطار إقامة تحالف عريض عربي-اسرائيلي عنوانه الرئيس اولوية خطر ايران على جميع دول المنطقة.
كل هذه الواقعات والتطورات والإعتبارات قد تدفع "اسرائيل" الى الإستعاضة عن خيار حربٍ يستبعدها توازن الردع الراسخ بهجمات عسكرية شديدة ونوعية في كلٍ من لبنان وغزة لتحجيم قدرات حزب الله وحركة "حماس" ، ومحاولة تطويق تحالفهما الميداني المأمول وإضعاف دورهما الاقليمي البازغ ، وبأن ترفد هذه الهجمات بعمليات استيطانية واسعة لتهويد ما تبقّى من الضفة الغربية والقيام بإختراقات سياسية وإقتصادية وازنة مع بعض الدول العربية المحافظة.
هل تردّ قوى المقاومة العربية ، ولاسيما حزب الله وحماس على هجمات "اسرائيل" العسكرية والإستيطانية بعمليات عسكرية "ومعلوماتية" نوعية فائقة الفعالية في عمق فلسطين المحتلة او على مصالح اسرائيلية في الخارج ؟ هل تُسهم ايران ، بشكل او بآخر ، في عمليات الردّ ؟ كيف ترد السلطة الفلسطينية على استهداف غزة عسكرياً والضفة استيطانياً؟ هل تنتصر لغزة بدعم تيار المقاومة الشعبية في الضفة وبالتخلي عن اتفاق التنسيق الامني مع "اسرائيل" ؟ هل تنتقل من التركيز على"حل الدولتين" الى دعم خيار الإرهاص بجدوى الدولة المدنية الواحدة كرد سياسي وعملي على سياسة "يهودية الدولة" في اسرائيل ؟ ثم ، كيف تتصرف مصر حيال هذه التطورات والتحديات في سياق سياسة الرئيس عبد الفتاح السيسي الرامية الى إحياء دور بلاده عربياً واقليمياً ؟
اسئلة كثيرة تنهض بعد ارفضاض قمة ترامب-نتنياهو وخطاب السيد حسن نصرالله ...