نشرت بجريدة "البناء" والخليج"
تاريخ 11/2/2017
"اسرائيل" تبتلع الضفة الغربية
والعرب يبتلعون ألسنهم ...
د. عصام نعمان
شرّع قانون "التسوية" الإسرائيلي بأثر رجعي البؤر الاستيطانية المقامة على اراضٍ خاصة فلسطينية في الضفة الغربية. أقل ما يُقال في توصيف هذا التشريع المخالف للقانون الدولي ولقرارات الأمم المتحدة انه ضربة قاصمة لما يُسمّى "حل الدولتين".
الحقيقة انه لطمة قاسية ايضاً للمجتمع الدولي برمته . الامم المتحدة ادانته وكذلك الاتحاد الاوروبي والرئيس الفرنسي ودول كبرى وصغرى وهيئات وشخصيات قيادية عالمية. وحده الرئيس الاميركي العجيب الغريب رونالد ترامب بخل عليه بتغريدة واحدة من تغريداته اليومية التي لا توفّر ، غالباً ، احداً او حدثاً في الشرق والغرب. ماذا عن العرب ؟ زعماؤهم إبتلعوا ألسنتهم كعادتهم .
منظمة التحرير الفلسطينية استلّت لسانها من غمده واعتبرت القانون الإسرائيلي "مشرّعاً سرقة الاراضي الفلسطينية وان الإستيطان يقوّض فرص السلام وخيار (!) الدولتين". رئيسها محمود عباس توعّد "اسرائيل" بمواجهتها في المحافل الدولية . كيف؟ بمقاضاتها امام المحكمة الجنائية الدولية !
كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات كان هدد بسحب اعتراف منظمة التحرير بـِ "اسرائيل" اذا ما نفّذ ترامب وعده بنقل سفارة الولايات المتحدة من تل ابيب الى القدس. ألا يجدر بعريقات ان يدعو ، بعد إقرار قانون "التسوية" الإستيطاني، رئيسه وزملاءه في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الى سحب الإعتراف اليوم وليس غداً بـِ "اسرائيل" بعدما شرّع قادتها عملياً ابتلاع الضفة الغربية ، معلنين بذلك "اسرائيل" الكبرى ؟
ثم ، هل يكفي سحب اعتراف منظمة التحرير بـ "اسرائيل" ؟ ألا يجدر بالحكومات العربية التي اعترفت بها (وتلك التي تعتزم ذلك) سحب إعترافها ايضاً ؟ ألا يجدر بالاردن خاصةً ان يسحب اعترافه قبل ان تبادر حكومة المستوطنين الصهاينة الى الإعلان بأن الضفة الشرقية لنهر الاردن جزء من ارض الميعاد وبالتالي من "اسرائيل الكبرى" وان مشاريع الإستيطان ستشملها في المستقبل المنظور؟
ماذا تنتظر حكومات العرب كي تقتنع بأن "اسرائيل" ليست في وارد التراجع او التفاوض على اي صيغة للسلام ، وانه لا يجوز ان تبقى هكذا واجفة صامتة تراقب قضم فلسطين منطقة بعد اخرى على مرأى من العالم اجمع ؟ ألا يقتضي ، في الاقل، ان تعلن رفضها وشجبها لأسوأ انواع الاستعمار الإستيطاني الإقتلاعي في التاريخ ؟
هل ينتظر الفلسطينيون والعرب امراً إيجابياً من ترامب ؟ الرئيس الاميركي اعلن قبل انتخابه ان الإستيطان لا يشكّل عقبة في طريق السلام ، وشفع موقفه هذا بآخر اشد عدوانية بإعلان عزمه على نقل سفارة بلاده من تل ابيب الى القدس. وبعد إقرار الكنيست "قانون التسوية"" الإستيطاني التوسعي صرح ناطق بإسم ادارته الجديدة ان لا تعليق عليه بإنتظار قرار المحكمة العليا الإسرائيلية التي تنظر في طعن بشأنه تقدمت به هيئات من المجتمع المدني الإسرائيلي. ألا يعني هذا الموقف ان ترامب ترك القرار في هذا الشأن الى "اسرائيل" نفسها ؟ أليس لافتاً ان ترامب الذي يتصدّى بقوة لقضاءٍ اميركي رفض تنفيذ قراره غير الدستوري بحظر دخول رعايا سبع دول اسلامية الى الولايات المتحدة ، يترك للقضاء الاسرائيلي امر تحديد موقف بلاده من قانونٍ مخالف بإجماع العالم للقانون الدولي ولقرارات الامم المتحدة ؟
هل ينتظر العرب امراً ايجابياً من ترامب وقد بادرهم بإفتعال مشكلة جديدة معهم من خلال اعتباره الإرهاب اسلامياً بالدرجة الاولى وان حكوماتهم مسؤولة عن نتائجه وذيوله وموجبات التعويض على المتضررين منه ؟
قد يفيق العرب عاجلاً او آجلاً من غفوتهم ومن إنخداعهم بسياسة الولايات المتحدة ، لكن الفلسطينيين مطالبون قبل غيرهم بأن يعوا ، بعد طول انتظار ومماطلة ، مخاطرَ الإعتماد على المجتمع الدولي والامم المتحدة والولايات المتحدة لإيصالهم الى بعض حقوقهم الأساسية.
ألا يقتضي ان يسارع الفلسطينيون الى رصّ صفوفهم المبعثرة وتوحيد مواقفهم المتباينة ، واعادة بناء منظمة التحرير واطلاقها مجدداً في اطار استراتيجية لتحرير الأرض والإنسان من النهر الى البحر ، ولبناء دولة مدنية ديمقراطية مهما طال الزمن ؟ أليس أبرز دروس التاريخ ان القضايا والأهداف والطموحات الكبرى لا تتحقق في سنة او سنتين ولا في جيل او جيلين بل تستلزم ، غالباً ، قرناً او قرنين ؟
رغم كل ذلك تستطيع القوى الحيّة في الشعب الفلسطيني بلا إبطاء إتخاذ التدابير الجذرية الآتية بسرعة وتصميم وتنفيذها بصورة متزامنة :
· المباشرة في إعادة بناء منظمة التحرير في إطار استراتيجية متكاملة للتحرير الوطني والمقاومة المدنية والميدانية
· اطلاق مبادرة شعبية عالمية لإدانة "اسرائيل" وقانون "التسوية" الاستيطاني التوسعي الاخير.
· استصدار قرار من مجلس الامن الدولي ، وإلاّ من الجمعية العامة للأمم المتحدة ، بالإعتراف بفلسطين دولةً كاملة العضوية في المنظمة الدولية بجميع الأراضي والحقوق والمواصفات المنصوص عليها في قرارات الامم المتحدة، ولاسيما على كامل مناطق الضفة الغربية ، التي تسيطر عليها منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.
· سحب اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بدولة "اسرائيل" ووقف التنسيق الأمني معها في جميع مناطق الضفة الغربية.
· المبادرة فوراً الى مقاضاة كبار المسؤولين والقادة العسكريين في "اسرائيل" امام المحكمة الجنائية الدولية.
هذا غيض من فيض ما يستطيعه الفلسطينيون اذا ما أفاقوا من غفوتهم وارتفعوا الى مستوى قضيتهم ووحدوا اراداتهم ونسّقوا جهودهم وكثّفوا نضالاتهم تحت كل كوكب.