نشرت بجريدة "القدس العربي" و"البناء"
تاريخ 6/2/2017
هل يغتنم عون الفراغ والإستفتاء
لفرض احترام الدستور واعتماد النسبية ؟
د. عصام نعمان
الوضع السياسي والإجتماعي في لبنان متوتّر ومُحتقن ومُحبِط. اذا لم يتفق اركان الشبكة الحاكمة على قانونٍ عادل للإنتخابات فإن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يتجه ، كما يبدو، الى عدم توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة لإنتخاب مجلس نواب جديد . الى ذلك ، أكّد الرئيس عون ورؤساء كتل برلمانية وازنة رفضهم التمديد مرةً ثالثة لمجلس النواب الامر الذي يؤدي الى نتيجة ماثلة : الفراغ.
ما العمل ؟
ثمة وقائع وحقائق ثابتة يقتضي بيانها قبل الإجابة عن السؤال – التحدي :
أولاها ان اركان الشبكة الحاكمة ليسوا راغبين ولا قادرين على إنجاز قانونٍ للإنتخاب ديمقراطي وعصري بسبب تناقض المقاييس والمعايير التي يشترطها كلٌّ منهم لضمان مصالحه الإنتخابية والسياسية.
ثانيتها انه لو تمكّن هؤلاء من التوافق على مشروع قانون يعتبرونه تسويةً وسطية فإنها لن تحظى، بالضرورة ، بموافقة الرئيس عون الذي إلتزم في خطاب القسم عند انتخابه ، كما في مناسبات لاحقة ، التمسكَ بقانونٍ يكفل صحة التمثيل الشعبي وعدالته ،بالإضافة الى اعلانه انه "مع النسبية المطلقة" .
ثالثتها انه يُنسب الى رئيس مجلس النواب نبيه بري قوله للرئيس عون إن التمديد للمجلس هو الفراغ السياسي بعينه.
رابعتها ان خصوم النسبية يدّعون بأن لا سبيل ، مع وجود سلاح حزب الله (المقاومة) الى إجراء الانتخابات بقانون يعتمد النسبية، غير انهم اخفقوا في تفسير إجرائها مرات عدّة بقانون يعتمد النظام الاكثري مع وجود سلاح المقاومة .
خامستها ان بعض خصوم النسبية يدّعي ان لا فراغ سياسياً ينجم عن عدم إجراء الإنتخابات لأن مجلس النواب يبقى قائماً بمهامه عملاً بنظرية استمرارية المرفق العام.
لا غلّو في القول إن لبنان في حال فراغ سياسي منذ انتخابات العام 2009 ، اي طوال ولاية مجلس النواب المنتخب وفق قانون الإنتخاب الاكثري للعام 2008 (المعروف بقانون"الستين") والممدّد له مرتين . وليس ادل على الفراغ السياسي المتواصل من عجز هذا المجلس عن الإجتماع معظم السنوات الأربع الماضية. هذا بالإضافة الى عجز مجلس الوزراء عن الإجتماع فترات طويلة نتيجةَ الصراع المرير بين القوى السياسية المتنافسة. وطالما ان قانون "الستين" هو الفراغ بعينه، على حد تعبير الرئيس بري ، فإن اجراء الإنتخابات وفق هذا القانون او عدم اجرائها يُبقي حالة الفراغ قائمة من دون مضاعفات امنية مقلقة.
اما الادعاء بأن لا فراغ سياسياً اذا لم تجرِ انتخابات نيابية عملاً بنظرية استمرارية المرفق العام فهو هرطقة ليس إلاّ . ذلك ان نظرية استمرارية المرفق العام تتعلق بمؤسسات ادارية تعيّن الحكومة أعضاء مجالسها الإدارية وموظفيها ولا تتعلق بمؤسسات سياسية ينتخب الشعب أعضاءها كالمجالس النيابية.
يتحصّل مما سبق بيانه ان الفراغ الناجم عن عدم إجراء الإنتخابات لن تكون له مضاعفات سياسية وامنية اخطر من شغور سدة رئاسة الجمهورية الذي دام نحو ثلاثين شهراً والشلل الطويل الذي اصاب مجلسيّ النواب والوزراء خلال السنتين الماضيتين.
في حال الفراغ ، كيف يمكن ان يتصرف الرئيس ميشال عون ؟
يعتقد البعض انه كان لعون طموح اساسي هو رئاسة الجمهورية ، وانه لن يُشغل نفسه بعد وصوله اليها إلاّ بهمٍّ واحد هو استمرارية عهده بهدؤ وسلام . لذلك سيضغط على الاطراف السياسية المتصارعة للتوافق على مشروع قانون تسووي للإنتخابات . واذا تعذر ذلك فإنه لن يتوانى عن اجراء الإنتخابات وفق القانون النافذ ، اي قانون "الستين".
ثمة آخرون (أشاطرهم الرأي) يعتقدون ان للجنرال عون طموحاً اكبر من رئاسة الجمهورية هو ان يترك بصمة اصلاحية بارزة في تاريخ لبنان السياسي كالتي تركها الجنرال ديغول في تاريخ فرنسا بأن نقلها من نظام الجمهورية الرابعة المترهل الى نظام الجمهورية الخامسة المتكامل الذي ما زال ثابتاً وفاعلاً. واذا كان نجاح ديغول فرنسا في مهمته التاريخية تطلّب اعتماد دستور جديد للبلاد فإن نجاح "ديغول لبنان" يتطلّب اعتماد قانون انتخابٍ جديد ، عصري وعادل ، بما هو مفتاح الإصلاح الحقيقي ومدخله وشرطه للإنتقال بالبلاد من النظام الطوائفي المركانتيلي الفاسد الى دولة المواطنة المدنية الديمقراطية التنموية والحضارية.
خلافاً لرأي بعض اركان الشبكة الحاكمة وشركائهم المستفيدين من مغانم النظام الطوائفي المركانتيلي واسلابه ، فإن الفراغ يشكّل فرصة ذهبية للرئيس العماد لتحقيق طموحاته واهدافه العليا التي ضمّنها خطاب القسم ، واهمها احترام الدستور وتطبيق احكامه ، وتشريع قانون عصري يعتمد النسبية الكاملة لكفالة صحة التمثيل وعدالته .
لتفادي الفراغ السياسي (او للخروج منه) يرى الرئيس عون إجراء استفتاء ، بمثابة استطلاع رأي ، للشعب في قانون الإنتخاب الأفضل للبلاد ، على ألاّ تكون له قوة إلزامية بل مجرد صفة توجيهية . ويبدو الرئيس عون واثقاً من ان غالبية اللبنانيين تحبّذ النسبية الأمر الذي يعزّز خيار إعتمادها في قانون الإنتخاب الجديد المراد تشريعه .
كيف يمكن تحقيق هذه الأهداف ؟
بإصرار الرئيس عون وحلفائه السياسيين في البرلمان والشارع على رفض التمديد لمجلس النواب ورفض إجراء الإنتخابات وفق قانون "الستين" ما يؤدي الى قيام حالٍ من الفراغ واحتمالٍ غالب بإستقالة اكثر من ثلث عدد وزراء الحكومة وبالتالي اعتبارها مستقيلة (المادة 69) الامر الذي يتيح للرئيس عون ، بالتفاهم مع حلفائه ومع اوسع فريق سياسي ملتزم ضرورةَ مباشرة العملية الاصلاحية الدستورية، بالمبادرة الى تأليف حكومة وطنية جامعة مهمتها الرئيسة تفعيل احكام المادة 22 من الدستور( برلمان لمجلسين واحد نيابي على اساس وطني لاطائفي وآخر للشيوخ لتمثيل الطوائف) ووضع نظام عصري للإنتخابات على اساس النسبية الكاملة في دائرة وطنية واحدة واجرائها بغية انتاج مجلس نيابي يجسّد صحة التمثيل وعدالته ويقوم تالياً بتشريع القوانين اللازمة لوضع المادة 22 المذكورة قيد التنفيذ ، ولاسيما لجهة تحديد صلاحيات مجلس الشيوخ .
ان العماد ميشال عون ، بما يملك من خصال مميزة وشجاعة وخبرة ، قادر مع حلفائه من دعاة الاصلاح والتغيير ، داخل البرلمان وفي الشارع الوطني، على رعاية الوثبة الجريئة المطلوبة للإنتقال بلبنان من نظام متزعمي الطوائف واصحاب المزارع والمصالح السياسية والتجارية الى دولة المواطنة المدنية الديمقراطية.
هل يقبل عون التحدي؟ وهل يستجيب وحلفاؤه نداء الإنقاذ والإصلاح والنهضة والبناء الحضاري؟