نشرت بجريدة"القدس العربي" و"البناء"
تاريخ 23-1-2017
محادثات استانه :
دمشق لتعميم المصالحات... والمعارضة لترقّب موقف ترامب
د. عصام نعمان
اليوم تبدأ محادثات استانه ، عاصمة كازاخستان ، برعاية روسيا وتركيا وايران ، وبحضور مندوبي سوريا وممثلي فصائل "المعارضة السورية المعتدلة" ، اي بمعزل عن تشكيلات الإرهابيين ، واهمها تنظيما "داعش" و"النصرة".
الأمم المتحدة ستكون حاضرة ايضاً . فقد طلب امينها العام الجديد انطونيو غوتيريس من مبعوثها الخاص الى سوريا ستافان دوميستورا المشاركة في المحادثات " نظراً الى اهمية القضايا المرجّح ان تناقَش فيها ".
خلافاً لموسكو وانقرة ، عارضت طهران دعوة واشنطن للمشاركة في المحادثات . لكن موسكو ادركت أهمية مشاركة الولايات المتحدة فوجهت اليها الدعوة عشية تنصيب رئيسها الجديد دونالد ترامب الذي لم يُرسل وفداً بل اكتفى بتكليف سفيره في استانه مهمة حضور المحادثات ومراقبتها .
سوريا ، كما روسيا وتركيا ، تؤمّل بأن يكون موقف ترامب ، سواء داخل محادثات استانه او خارجها منسجماً معها على الاقل في ما يتعلّق بمحاربة "داعش" داخل سوريا وغيرها من الدول التي يمارس فيها نشاطاً ارهابياً . الدول الثلاث تراهن ايضاً على موقف الكونغرس الاميركي المعادي ، مبدئياً ، لـ "داعش".
هل من نتائج منتظرة للمحادثات في عاصمة كازخستان؟
بشار الأسد ليس لديه توقعات كثيرة بل مجرد آمال. قال لقناة تلفزيونية يابانية إن الاولوية يجب ان تكون لوقف النار بما يتيح للتنظيمات المسلحة التخلي عن اسلحتها والحصول على عفو حكومي والسماح تالياً للمساعدات الإنسانية بالوصول الى مختلف مناطق البلاد .
خلافاً للأسد ، يرى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ان استانه ستشهد حواراً سياسياً يؤدي الى وضع معايير للمفاوضات التي ستجري لاحقاً في جنيف.
طهران لا تعلّق امالاً على محادثات استانه . ما يهمها ، في الدرجة الاولى ، إبعادها عن تأثير واشنطن وضمان الوصول مع فصائل المعارضة السورية "المعتدلة" الى تفاهمات تكفل مواجهة التنظيمات الإرهابية واجلائها عن المناطق السورية التي تحتلها.
انقرة سعيدة لأنها نجحت في إبعاد التنظيمات السورية الكردية عن استانه ، وهي تتطلع الى تسويات في مفاوضات جنيف القادمة تضمن عدم تمكين الاكراد السوريين من اقامة مناطق حكم ذاتي على طول الحدود السورية – التركية.
الى ذلك ، يبدو ان للميدان الكلمة الاخيرة في محادثات استانه كما في مفاوضات جنيف. فالحرب في شمال سوريا كما في شرقها وجنوبها ناهيك عن محيط دمشق (وادي بردى) ما زالت ناشطة ، وسيكون لنتائجها انعكاسات سياسية مؤثرة. من هنا اصرار الحكومة السوريه على عدم التراخي في مقاتلة كل مجموعة تحمل السلاح ضدها سواء كانت ارهابية معلنة او متحالفة ضمناً مع احد التنظيمات الإرهابية المعروفة ، وهي تعتبر كل المجموعات الإرهابية متمردة على سلطة الدولة لمجرد انها تحمل السلاح وتقاتل الجيش السوري. فوق ذلك ، ترى دمشق أن استمرار المجموعات الإرهابية في نشاطها او سيطرتها على اي منطقة سورية، يتيح للولايات المتحدة كما لـِ "اسرائيل" تشغيلها ، بشكل او بآخر ، في مخططات وسياسات ترمي لتقسيم سوريا او لأبقائها في حال امنية مضطربة.
الحقيقة انه من الصعب التكهن ، في هذه المرحلة ، بما ستؤول اليه محادثات استانه وبعدها مفاوضات جنيف ، اذا قُيض لهذه ان تنعقد. ذلك ان احداً لا يعرف ما ستكون عليه سياسة ترامب ومواقفه حيال الدول الكبرى كما حيال دول غرب آسيا ، ولاسيما تلك المنخرطة في حروب ضارية ضد تنظيمات الإرهاب في سوريا والعراق وليبيا واليمن . كما لا يمكن معرفة ردود الفعل العربية والإسلامية حيال قيام ترامب بتنفيذ وعده بنقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس.
من الواضــــــــــح ان لترامب تصورات وبالتالي مواقف معينة من قضايا الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وفي مقدمتها نقل السفارة ، والإستيطان ، وتحديات الصراع في سوريا وعليها ، والموقف من محور المقاومة بأطرافه الثلاثة : طهران ودمشق وحزب الله اللبناني، ومن قضية تنظيمات المقاومة العربية والإيرانية التي تقاتل في سوريا الى جانب الجيش السوري ، ومن مستقبل العراق وعلاقته بسوريا من جهة وبإيران وتركيا من جهة اخرى ، ومن مستقبل سوريا والعراق ولبنان بعد دحر تنظيمات الإرهاب وانعكاس ذلك على "اسرائيل" التي تبتغي ، عبر تعاونها مع تنظيم"النصرة" في محيط الجولان السوري المحتل ، تأمين دور لها ، مباشر او مداور، في مفاوضات جنيف لحماية ما تسميه امنها القومي بما في ذلك تدويم احتلالها للجولان.
الى ذلك ، ثمة موقف لترامب من الإتفاق النووي قد ينعكس سلباً على علاقة واشنطن مع طهران التي ترفض اي تعديل في بنوده وتبدي استعداداً وتصميماً على مواجهة الولايات المتحدة اذا ما حاول ترامب فكّ إلتزام واشنطن به او الإلتفاف عليه. كذلك ، ثمة موقف لترامب يتناول روسيا لجهة سياستها في اوكرانيا والقرم والارتقاء بصناعة الصواريخ البالستية ، كما من الصين حيال انشطتها في بحر الصين والتوسع الهائل في علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع دول العالم قاطبة.
ستتولّد ، بلا شك ، انعكاسات مؤثرة لمواقف ترامب حيال كل هذه الدول والقضايا ما يؤدي الى قيام توازنات دولية جديدة تؤدي تدريجاً الى بزوغ نظام عالمي جديد.
كل ما تقدّم ذكره واقعات وتطورات يتوقف مصيرها ، الى حدٍّ بعيد ، على ما يمكن ان يقوم او لا يقوم به رجل واحد اسمه دونالد ترامب. هل حدث في التاريخ القديم والحديث ان كان مصير العالم رهن ارادة رجل فرد وفريد من طراز هذا الذي يتربع الآن على عرش اميركا ؟!