نشرت بجريدة "البناء" والخليج"
تاريخ 21/1/2017
الإنتخابات بين مسارين : النسبية او المقاطعة ؟
د. عصام نعمان
في خطاب القسم ، بعد انتخابه رئيساً للجمهورية ، أكّد العماد ميشال عون ان "فرادة لبنان هي بمجتمعه التعددي المتوازن ، وهذه الفرادة تقضي بأن نعيش روح الدستور من خلال المناصفة الفعلية ، واول موجباتها إقرار قانون انتخابي يؤمّن عدالة التمثيل قبل موعد الإنتخابات".
اكد عون مجدداً إلتزامه هذا بخطابه الأخير امام اعضاء السلك الديبلوماسي بقولــــــــه إن "أولى أولوياتنا تنظيم انتخابات نيابية وفق قانون جديد يؤمن التمثيل الصحيح"، مؤكداً "ان وحدة النظام الذي يقوم على النسبية يؤمّن صحة التمثيل وعدالته للجميع".
بالتزامن مع خطاب الرئيس عون ، اعلن رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل "ان عدم إقرار قانون جديد للإنتخابات يؤمّن صحة التمثيل وعدالته سيعوّق كل الحياة السياسية في البلد (...) والتمادي في التأخير يعني وقف المسار الميثاقي ، وهو ما لن يقبل به التيار الوطني الحر وسيواجهه بما له من قوة سياسية وشعبية". الى ذلك ، رأى المكتب السياسي للتيار ان الإبقاء على قانون العام 2008 المعروف بإسم قانون "الستين" ، سيولّد رفضاً وثورة شعبية ، والتيار سيكون اول روّادها.
ما كان الوزير باسيل والمكتب السياسي للتيار الوطني الحر ليتخذا هذا الموقف المتشدد، ظاهراً ، لولا موافقة مسبقة من الرئيس عون وبالتنسيق معه . كل ذلك يطرح اسئلة جوهرية : هل العونيون جادون فعلاً في إطلاق حملة شعبية بالإشتراك مع حلفئهم السياسيين اضافةً الى القوى الوطنية التقدمية التي كانت منذ نحو سنة نظّمت حراكات شعبية كادت إحداها تدق باب البرلمان ؟ هل ينضم حزب الله فعلاً الى الحملة الشعبية المتوخاة بغية حمل التشكيلات السياسية التقليدية على التسليم بضرورة إقرار قانون انتخابي على اساس النسبية؟ وما تداعيات هذه الحملة اذا ما رفضت تلك التشكيلات إقراره ؟
مقربون من الرئيس عون واركان التيار الوطني الحر يقولون إنهم لن يتوانوا عن اللجؤ الى الشارع لدعم مطلب غالبية اللبنانيين في إجراء الانتخابات النيابية بموعدها على اساس قانون ديمقراطي يؤمّن صحة التمثيل الشعبي وعدالته وفق صيغة النسبية . غير ان القوى الوطنية التقدمية التي عانت طويلاً مناورات الشبكة السياسية الحاكمة وخداعها تشكك بجدية العونيين وحلفائهم في إطلاق حملة شعبية لحمل اهل النظام على الرضوخ لمطلب إقرار القانون الإنتخابي المرتجى.
لنفترض جدلاً ان العونيين وحلفاءهم قرروا إطلاق الحملة الشعبية المتوخاة ، فما الحدود التي يمكن ان تقف عندها الحملة ؟ هل يكتفي قادتها بموافقة شكلية من التشكيلات السياسية التقليدية على "قانون جديد" بصبغة نسبية باهتة ؟ هل يوافق العونيون وحلفاؤهم في البرلمان كما في الشارع على وقف الحملة مقابل "قانون جديد" ينسخ قانون "الستين" من دون إعتماد النسبية ؟
من الواضح ان حزب الله يشترط ان يكون القانون الإنتخابي الجديد على اساس النسبية الكاملة في دائرة وطنية واحدة او في دوائر انتخابية موسعة ، والأرجح انه سيرهن مشاركته في الحملة الشعبية على تنفيذ الشرط الآنف الذكر. كذلك سترهن القوى الوطنية الديمقراطية ، ولاسيما اليسارية منها ، على الأقل ، مشاركتها في الحملة الشعبية بالشرط الذي إلتزمه حزب الله . من هنا يتوجب على التيار الوطني الحر ان يضع في الحسبان إمكانية فشل حملته الشعبية ما لم يكن مستعداً للقبول بالشرط الذي إلتزمه حزب الله والقوى الوطنية الديمقراطية ، وبأن يكون مصمماً على تحقيق مضمونه.
حسناً، لنفترض ان الحملة الشعبية انطلقت ، لكن التشكيلات السياسية التقليدية رفضت إقرار قانون انتخابي يتضمن اعتماد النسبية كلياً او جزئياً ، فماذا تراه يفعل الرئيس عون والتيار الوطني الحر وسائر المشاركين في الحملة الشعبية ؟
الجميع ، في هذه الحالة ، يكونون امام تحدي الإختيار بين مسارين :
الاول ، وقف الحملة الشعبية مؤقتاً والقبول بإجراء الإنتخابات وفق القانون النافذ ، اي قانون "الستين"، بدعوى عدم جواز التمديد لمجلس النواب مرة ثالثة ، على ان يصار الى إعادة تفعيل الحملة الشعبية مدعومةً بالنواب الجدد المنتخبين الذين يفترض العونيون وحلفاؤهم انهم سيكونون اكثر عدداً واقوى تأثيراً في الضغط على القوى السياسية التقليدية من اجل إقرار القانون الإنتخابي المرتجى.
ربما يجاري معظم حلفاء العونيين خيارهم والمسار الاول ، لكن من المشكوك فيه ان تجاريهم القوى الوطنية التقدمية . الأرجح ، بل الأصح ، ان تدعو هذه القوى الى مقاطعة الإنتخابات كليّاً كونها تؤدي الى إعادة انتاج النظام السياسي الطوائفي الفاسد وتمكين الشبكة السياسية الحاكمة من ادامة تسلطها على مقدرات البلاد وبالتالي شلّ عهد الرئيس عون قبل ان يبدأ .
المسار الثاني ، الإصرار على رفض إجراء التمديد لمجلس النواب مرة ثالثة، كما رفض إجراء الإنتخابات وفق قانون "الستين" ما يؤدي عملياً الى مقاطعة الإنتخابات وتصعيد الحملة الشعبية ضد التشكيلات السياسية التقليدية الموصومة بمعاداة الإصلاح الديمقراطي . هذا الخيار يقود ، بالضرورة ، الى استقالة غالبية الوزراء الموالين للقوى السياسية الناهضة بالحملة الشعبية وبالتالي الى إتخاذ الرئيس عون قراراً بإعتبار الحكومة مستقيلة . وبما ان ولاية مجلس النواب تكون في هذه الأثناء قد انقضت ، فإنه سيكون في وسع الرئيس عون الإعلان عن وجوب عدم إبقاء البلاد في حال من الفراغ السياسي الشامل وبالتالي ضرورة اتخاذ تدابير استثنائية تتطلبها الظروف الاستثنائية التي تمرّ بها البلاد ، اهمها ثلاثة :
· تأكيد الرئيس عون ، سنداً لأحكام المادة 49 من الدستور ، أنه " رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن ، يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة اراضيه" ، وانه بهذه الصفة ملتزم ومصمم على تطبيق احكام الدستور التي مرّ على إقرار بعضها معدّلةً نحو 28 سنة من دون ان تطبّق ، ولاسيما المادة 22 التي تقضي بإنشاء مجلسين : واحد نيابي على اساس وطني لاطائفي ، وآخر للشيوخ لتمثيل العائلات الروحية (الطوائف) وانه لا يجوز التمادي في عدم تطبيق احكام الدستور وإلحاق الأضرار الفادحة بالحياة السياسية وبالمصالح العامة للبلاد والعباد.
· تأليف حكومة وطنية جامعة تتولى إقرار قانون للإنتخابات على اساس النسبية في دائرة وطنية واحدة وفق احكام المناصفة المعمول بها حالياً ، واجراء الإنتخابات النيابية بالسرعة الممكنة تحت شعار " من اجل مجلس نيابي جديد ، وطني وديمقراطي ، يطبّق احكام الدستور ولا سيما المادة 22 منه".
· انبثاق حكومة وطنية جديدة عن المجلس النيابي الجديد تتولى ، فور إقرار التشريعات اللازمة ، وضعَ المادة 22 من الدستور قيد التنفيذ ، بما في ذلك قانون جديد لإنتخاب اعضاء مجلس النواب وآخر لإنتخاب أعضاء مجلس الشيوخ.
الخلاصة ؟
قبل إطلاق الحملة الشعبية وبعدها ، تنهض اسئلة ثلاثة :
هل يعي العونيون وحلفاؤهم الداعون الى إطلاق حملة شعبية لإقرار قانون انتخابي على اساس النسبية التداعيات الناجمة عنها ؟ وهل هم مستعدون لمواجهتها ومعالجتها ؟
هل يُقدم الرئيس ميشال عون وحلفاؤه في ضوئها على اتخاذ التدابير الإصلاحية الإستثنائية المستحقة واللازمة لإخراج لبنان من ازمته المزمنة ؟
هل يفعلون ، فينتقل لبنان من حال اللادولة والعصبيات والفساد والمحاصصة الى حال المشاركة الديمقراطية والعدالة والإستقرار والإزدهار؟
إن القوى الوطنية التقدمية تشكّ في جدّية الداعين من موقع السلطة وحلفائهم الى إطلاق حملة شعبية كما في إلتزامهم قيادتها الى نهاية شوطها الإصلاحي المطلوب ، ومع ذلك تتحداهم ان يفعلوا .