جريدة "الخليج"
تاريخ 8/2/2014
ما الفارق بين احتلال "اسرائيل" وسيطرة "الناتو" ؟
د عصام نعمان
المدة الممنوحة للمفاوضات بين السلطة الفلسطينية و"اسرائيل" ، برعاية الولايات المتحدة ، تنتهي في 29 ابريل/نيسان المقبل الاطراف الثلاثة محرجون ويتهيبون مخاطر انتهاء المدة من دون التوصل الى نتيجة مُرضية او مخرج
جون كيري يرى المخرج في توقيع "اتفاق اطار" بين الجانبين يتيح تمديد المفاوضات مع ان الإتفاق المقترح لا ينطوي إلاّ على مبادىء وخطوط عامة يتعهد الجانبان بموجبها بالعودة الى التفاوض بشأنها ، فقد اخفق كيري ، حتى الآن، في إقناعهما بالحد الادنى المقترح
لعل محمود عباس الاكثر إحراجاً بين الاطراف الثلاثة فالمفاوضات المتواصلة منذ اتفاق اوسلو العام 1993 لم تُسفر إلاّ عن نتيجة واحدة : منح "اسرائيل" الفرصة والوقت لتوسيع حملة الإستيطان الممنهج في الضفة الغربية
مشكلة ابي مازن ان لا بديل لديه من المفاوضات إلاّ المفاوضات ، لكنه لم يعد قادراً على مواصلتها من دون ضمانات مسبقة ، اقلها تجميد الإستيطان ما العمل؟
استعان ابو مازن بالكاتب السياسي اليهودي الامريكي المعروف توماس فريدمان ومدير مكتب صحيفة "نيويورك تايمز" في القدس المحتلة جودي رودون لتظهير افكاره " الجريئة " في مقابلة لافتة قال : "إن الفترة المحددة (للمفاوضات) ليست مقدسة لنفترض اننا توصلنا بحلول الاشهر التسعة الى خطوة واعدة ، فهل اتوقف ؟ لا ، لن اتوقف لكن اذا لم نتوصل بإنتهاء الاشهر التسعة الى اي شيء، ولن يكون هناك اي احتمال في الافق ، وقتها سأتوقف"
كي لا يتوقف ابو مازن عن التفاوض ، يقترح منح سلطات الإحتلال الإسرائيلي خمس سنوات لتسحب قواتها من الضفة الغربية خلال هذه الفترة الإنتقالية ، يتمّ التنسيق بينها وبين قوات الامن الفلسطينية والاردنية لضمان أمن "اسرائيل" بعدها ، تحلّ محل قوات الإحتلال قواتٌ من حلف الاطلسي ("الناتو") بقيادة امريكية في غور الاردن والقدس المحتلة وعلى كل المعابر في الضفة الغربية وذلك بالتزامن مع انتشار قوات الامن والشرطة الفلسطينية اما المستوطنون فيقتضي اخراجهم من اراضي الدولة الفلسطينية خلال المدة ذاتها ، اي خمس سنوات
يعرف ابو مازن ان بنيامين نتنياهو يطالب بوجود اسرائيلي راسخ في غور الاردن لا تقل مدته عن 40 عاماً بدعوى ان "اسرائيل" لا تثق إلاّ بجيشها يردّ ابو مازن( في المقابلة) على نتنياهو: "إن كنت لا تريد ان تثق بحلفائك فبمن تثق ؟ الإسرائيليون محتلون ويريدون البقاء الى الابد عندما يتحدثون عن 40 عاماً ، يعني انهم لن يخرجوا من ارضنا"
طبعاً ، ابو مازن لم يسأل نتنياهو : وهل من فارق بين قواتك وقوات "الناتو" حتى تتظاهر بحصر الثقة بجيشك فقط ؟!
ما دام ابو مازن يعرف "انهم يريدون البقاء الى الابد"، فلماذا يقترح مدة السنوات الخمس لخروجهم ولحلول قوات "الناتو" محلهم ؟ الجواب: كي يفتح باب المساومة على المدة ، والمساومة تتطلب المفاوضة اذاً فلتمدد مدة المفاوضات على ان يصار خلالها الى تجميد الإستيطان فهل يستجيب نتنياهو واركان اليمين المتصلّب في حكومته ؟
نتنياهو محرج ، لكنه غير قادر على تقديم اي تنازل يتسبّب بإغضاب زعماء اليمين مخافة ان يفرطوا حكومته لذلك سيلجأ ، كعادته ، الى المناورة بربط موافقته على اقتراح ابي مازن بسلسلة شروط تعجيزية : إقرار الفلسطينيين بـ "يهودية" دولة "اسرائيل" ، إسقاط حق العــودة ، القدس عاصمــة ابديـة لـ "اسرائيل" وحدها ، وضمّ الكتل الإستيطانية الى الكيان الصهيوني
ابو مازن خبير بمناورات نتنياهو وتكتيكاته لعله يتوخى من وراء مبادرته المثيرة للجدل في "نيويورك تايمز" إبداء اقصى مرونة ممكنة امام الامريكيين بغية تحميل "اسرائيل" مسؤولية تفشيل المفاوضات امام الرأي العام العالمي ، وبالتالي توفير مناخ ملائم لمباشرة هجوم سياسي مضاد في المستقبل القريب فهل لديه خطة ؟
لا خطة معلنة لرئيس السلطة الفلسطينية لكن بعضاً من اخوانه في حركة "فتح" لمحوا الى امكانية العودة الى الامم المتحدة لإستكمال متطلبات سيادة الدولة ، وعضوية محكمة العدل الدولية ، وبالتالي مقاضاة "اسرائيل" امامها لجهة عدم مشروعية احتلالها اراضي دولة سيدة وعضو في المنظمة الدولية ، واستثمار موجة المقاطعة لمنتجات المستوطنات الصهيونية في اوروبا
كل هذه المقاربات والتسويات لا تروق لقوى المقاومة الشعبية في الضفة الغربية فقد طَرَحت منذ اشهر طريقاً بديلةً للعمل الوطني يعتمد قوى الشعب نفسه في مقاومة اعدائه في هذا السياق ، اقام ناشطو المقاومة الشعبية خياماً تأسيسية لقرية "العودة" على بعد كيلومترات معدودة من مدينة بيسان وقرية "ملح الارض" في قلب منطقة الاغوار وكان نحو 300 ناشط قد فاجأوا سلطات الإحتلال قبل اسبوع بدخولهم الى منطقة أثرية قرب دير حجلة في الاغوار واعادوا الحياة اليها بترميم بيوتها المهجرة والمهجورة ، وباشروا بإستصلاح اراضيها وزرع اشجار الزيتون والتين والنخيل النائب مصطفى البرغوتي ، قائد "حركة المبادرة الوطنية " قال إن هدف هذا النشاط هو مقاومة الإحتلال الاسرائيلي في غور الاردن، وتعزيز المقاومة الشعبية، وفرض العقوبات على "اسرائيل" إن هذه الإستراتيجية هي البديل من خطة المراهنة على المفاوضات او على اي سراب في ظل حكومة المستوطنين "
سبقت أنشطة المقاومة الشعبية ورافقتها موجة مقاطعة اكاديمية من جامعات اوروبية للجامعات والمؤسسات الاكاديمية الإسرائيلية ، ومقاطعة شركات اوروبية لمنتوجات المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية كل ذلك دفع نحو 100 رجل اعمال اسرائيلي الى تحذير نتنياهو من اتساع موجة المقاطعة وتداعياتها السلبية على الإقتصاد الإسرائيلي، داعين اياه الى اغتنام فرصة الجهود التي يبذلها وزير الخارجية الامريكي جون كيري للتوصل الى تسوية سلمية مع الفلسطينيين وكان لافتاً انضمام وزير المال يائير لابيد الى فريق المحذرين من عواقب المقاطعة كاشفاً عن تقريرٍ أعدته وزارته يشير الى انه في حال تنامي المقاطعة فإن صادرات اسرائيل ستتراجع بنحو 20 مليار شيكل سنوياً (4,2 مليار يورو) الامر الذي سينعكس في ارتفاع نسبة البطالة والإضطرار الى تسريح نحو 9800 عامل
في السباق بين تنازلات محمود عباس لتمديد مدة المفاوضات ، وضغوط المقاومة الشعبية والمقاطعة الإقتصادية لتجاوز المفاوضات وتفعيل الكفاح الوطني ضد الإحتلال ، من تراه يفوز قبل 29 ابريل المقبل ؟
هذا هو السؤال