نشرت بالقدس العربي و البناء
تاريخ 9/1/2017
مقامرة اردوغان:
لا " نصرة " في وادي بردى
مقابل لا اكراد في مفاوضات استانه ؟
د. عصام نعمان
استدارة رجب طيب اردوغان لم تكن ولن تكون كاملة. اعطى فلاديمير بوتن موافقته على إخراج جبهة "النصرة" من حلب ، لكنه اصرّ على تقاضي ثمن هذه "المكرمة". الثمن يريده الرئيس التركي في استانه : لا تمثيل لأكراد سوريا في مفاوضاتها المرتقبة. كيف تتمّ الصقفة ؟ بأن تقطع "النصرة" المسيطرة على نبع الفيجة في وادي بردى الماء عن دمشق ومحيطها لتعطيش ملايينها الستة الى ان يوافق بوتن على تسديد الثمن المطلوب.
مقامرة اردوغان لم تنجح بعد لأن الأمر يتطلّب موافقة دمشق ، وبوتن ليس صاحب القرار فيها. الكلمة الأخيرة لبشار الأسد ، بعد مشاورة حلفائه بطبيعة الحال. هؤلاء جميعاً ما زالوا يتدارسون الوضع بتؤدة. يهمهم بالتأكيد إنهاء تعطيش اهالي دمشق ومحيطها ، لكنهم يحرصون ايضاً على دماء السوريين ما يستوجب تالياً الحرص على استمرار وقف اطلاق النار الذي كانت موسكو وانقرة قد هندستا إقراره وتنفيذه.
اردوغان يغامر بتفاهم عزيز عليه كان توصّل اليه اخيراً مع بوتن. كما يغامر بإلتزام قديم كان عقده مع واشنطن . ذلك انه يلوّح بإلغاء قاعدة انجرليك الأطلسية المترعة بالمقاتلات الاميركية ما لم تتوقف واشنطن عن دعم "قوات سورية الديمقراطية " الكردية بالمال والسلاح والعتاد .
اردوغان لا يريد إحراج ايران التي كان قد تظاهر اخيراً بأنه يتفهم هواجسها ولن يثابر على إحراجها بإلإصرار على إقصاء حليفها الاثير بشار الأسد. لكنه بمقامرته آنفة الذكر يحرج بغداد التي تتقارب مع دمشق لشعورها بأنهما في حمأة معركة واحدة وبالتالي في مواجهة عدو واحد مدعوم من جهات عدّة.
دمشق تبقى أُولى المحرَجين . فهي حريصة بطبيعة الحال على إنهاء تعطيش ملايينها الستة المستمر منذ عشرين يوماً. رئيس "مجموعة العمل في الأمم المتحدة الخاصة بالمساعدة الانسانية لسوريا" يان ايغلاند وصف انقطاع المياه عن ملايين دمشق ومحيطها بأنه "جريمة حرب". لعله اراد ايضاً ، بأسلوب غير مباشر حفاظاً على حياد مؤسسته ، نفي تهمة مسؤوليتها عن انقطاع المياه بقوله "إنه من الصعب معرفة الجهة المسؤولة عن هذا الوضع".
انقرة لم تُحسن تنظيم عملية ابتزاز دمشق وموسكو وطهران. فقد كانت اوعزت الى حلفائها في "المعارضة السورية المعتدلة" المقيمين في تركيا بإصدار بيان مفاده ان لا وجود لجبهة "النصرة" في وادي بردى وان دمشق هي التي اوعزت الى جيشها بخرق الهدنة واطلاق القذائف على وحدات "الجيش الحر" الموجودة هناك ما ادى الى تدمير تجهيزات ضخ المياه من نبع الفيجة . لكن "النصرة" سارعت الى اصدار بيان مضاد اكدت فيه انها موجودة في وادي بردى وانها مَن قام بقطع المياه عن دمشق!
حَرَجُ دمشق وحلفائها مردّه الى النتائج المترتبة على شن هجوم لتحرير وادي بردى او الإمتناع عنه . ذلك ان شنّ الهجوم قد يؤدي الى تعطيل مفاوضات استانه واستثارة موسكو التي تعلّق عليها آمالاً عريضة. الإمتناع عن شن الهجوم لتحرير نبع الفيجة قد يؤدي الى إطالة امد تعطيش دمشق ومحيطها بل الى ما هو أخطر: تهجير اهالي العاصمة الامر الذي يطعن صدقية الدولة السورية وهيبتها ويؤذيها سياسياً واقتصادياً.
ما العمل ؟
ثمة مساعٍ روسية لتليين موقف كلٍّ من انقرة ودمشق. لعل الروس يضغطون على انقرة للموافقة على الإيعاز لجبهة "النصرة" بوقف قطع المياه عن دمشق لقاء معاودة إقناع سوريا وايران بضرورة إيجاد حلٍّ لمطلب تركيا عدم تمثيل الاكراد السوريين في مفاوضات استانه. ولعل الروس يمارسون ضغطاً موازياً على دمشق وطهران للقبول بمقايضة مطلب عدم تمثيل الاكراد السوريين في مفاوضات استانه بقبول مطلب حلفاء انقره توفير تمثيل اوسع وبالتالي دور اكبر للمعارضة السورية الموالية لها في المفاوضات .
الى ذلك ، ثمة تساؤل عن موقف واشنطن من القضية بكل جوانبها وتداعياتها؟
صحيح ان جون كيري اعلن دعم واشنطن للمفاوضات المرتقبة في استانه ، لكن ولاية الرئيس اوباما تنتهي خلال عشرة ايام ، فهل سيعتمد دونالد ترامب الموقف نفسه بعد تسلّمه سلطاته الرئاسية في العشرين من الشهر الجاري؟
ثم ، أليس امام موسكو وطهران ودمشق خيار استراتيجي فريد ،عظيم المردود، وشديد الإغراء : القبول بمطلب انقرة عدم تمثيل اكراد سوريا في مفاوضات استانه ودعم جهودها الرامية الى منع اكراد تركيا وسوريا والعراق من اقامة دولة لهم على حساب تلك الدول لقاء قبول انقرة بإلغاء قاعدة انجرليك في اراضيها ما يعني إقصاء حلف شمال الأطلسي واوروبا واميركا عن منطقة غرب آسيا برمتها؟
كل هذه الإحتمالات والمقايضات واردة لأن الصراعات الإقليمية محتدمة في كل ميادين القتال ، وكذلك المساومات في الكواليس الديبلوماسية . لكن لا نتائج متوقعة على الأرجح قبل ان يضطلع الرئيس الاميركي الجديد بسلطاته الدستورية والسياسية .