نشرت بجريدة "الخليج" و"البناء"
تاريخ 7/1/2017
هل وكيف
يمكن وقف الحرب العالمية "الداعشية" ؟
د. عصام نعمان
لا غلوّ في القول إن اولى الحروب العالمية في تاريخ البشرية هي حرب "الدواعش" ضد العالم بأسره ، بشراً وشجراً وحجراً. فالحرب العالمية الاولى (1918-1914) لم تكن عالمية اذ دارت في معظمها في قارة واحدة ، اوروبا ، وشاركت فيها دول عدّة كانت في معظمها اوروبية . مثلُها الحرب العالمية الثانية (1945-1939) اذ دارت في معظمها في اوروبا ثم توسعت الى آسيا وحسمتها الولايات المتحدة الاميركية بضربة نووية اولى لمدينة هيروشيما وثانية لمدينة ناجازكي اليابانيتين ، فقضى فيهما مئات الآلاف من المدنيين الابرياء.
حربُ "الدواعش" على العالم تبدو اكثر عالمية من الحربين الاولى والثانية المذكورتين لأن احداثها وفظائعها ومجازرها تكاد تشمل قارات العالم جميعاً ، ولو بمقادير متفاوتة.
قلتُ إن "الدواعش" هم من شنَّ اولى الحروب العالمية ولم أقل "داعش" . ذلك ان "الداعشية" هوية يتعدى نطاقها منتسبي "الدولة الإسلامية في العراق والشام" ليشمل ارهابيين غير منتظمين يستلهمون "داعش" لكنهم يتصرفون من تلقاء انفسهم، فلا ترى قيادة "داعش" لاحقاً ضيراً في تبني جرائمهم المدوّية التي تكسبها ، في ظنها ، "سمعة" ودعاية.
اطرافُ الحربين العالميتين الاولى والثانية دولٌ فيما اطراف الحرب العالمية الداعشية تنظيمات إرهابية و"ذئاب منفردة". واذا كانت الدول تخوض الحروب بحثاً عن مصالح وامتيازات او دفاعاً عنها ، فماذا تراها تكون دوافع الدواعش لشنِّ الحروب وإقتراف المجازر؟
يمكن القول إن الدول ، بمسؤوليها ومواطنيها ، معنيون بالحياة بكل ما تنطوي عليه من رغبات ومصالح ومنافع وموجودات في حين ان الدواعش غير معنيين بالحياة بل بالآخرة الامر الذي يحملهم على استخدام حياة الاخرين ، بل حياتهم بالذات، وسيلةً للوصول الى اغراضهم. لذا هم اعداء الحياة بإمتياز .
لا فارق كبيراً بين قوة العنف الذي يمارسه الدواعش وذاك الذي يلجأ اليه بعض الدول، اختياراً او اضطراراً. فالعنف الذي استخدمته الولايات المتحدة في ضرب هيروشيما بقنبلة نووية اقوى بلا شك من العنف الذي استخدمه الدواعش في ضرب جمهور ملعب رياضي في باريس خريفَ العام 2015 . لكن استخدام العنف النووي استثنائي ويقتصر ، مبدئياً ،على الدول النووية فيما العنف غير النووي شائع ومحدود ويكاد يكون مقبولاً. غير ان الدواعش غالباً ما يستخدمون العنف غير النووي بوتائر ودرجات بالغة القوة بالمقارنة مع الدول عند استخدامها هذا الطراز من العنف.
المهم في الوقت الحاضر والمستقبل المنظور ان الدواعش يشنّون حربهم على البشرية بلا هوادة وفي كل مكان تطوله اياديهم ، فما العمل ؟ هل يمكن وضع حدٍّ لهذه الظاهرة المخيفة ، وكيف ؟
إنها ، في الواقع ، مهمة بالغة الصعوبة حتى لا نقول إنها شبه مستحيلة. ذلك ان دولاً كبرى وصغرى أسهمت في الماضي القريب ، وبعضها ما زال ، في تمويل وتسليح وتسهيل انتقال الدواعش وسائر الإرهابيين الى هنا وهناك وهنالك على مدى الكوكب الأرضي لأغراض ومصالح سياسية وإقتصادية وامنية. صحيح ان معظم داعمي الدواعش ومشغّليهم قد توقّف عن متابعة افعاله النكراء ، لكن ما حصل عليه هؤلاء في الماضي من سلاح وعتاد واموال بلغ من الضخامة حدّاً يمكّنهم من الإستمرار في حربهم ضد البشرية زمناً غير قصير.
من الطبيعي والمنطقي ان يتم ، بادىء الامر ، توافق أممي على ثلاثة امور اساسية يقتضي توثيقها بقرار معلل من مجلس الامن الدولي:
اولاً : تكريس الإرهاب ، من حيث هو استخدام العنف والدين لتحقيق غايات سياسية ، عدواً للبشرية مستوجباً الإدانة والعقاب وبالتالي معاقبة الاطراف التي تخالف هذا المفهوم المكرّس دولياً بأقسى العقوبات المنصوص عليها في القرارات والأحكام المتخذة في هيئة الأمم المتحدة والمحاكم الدولية ذات الصلة.
ثانياً : إقامة وكالة عالمية متخصصة في إطار هيئة الامم المتحدة تتمثل فيها الدول ومنظمات المجتمع المدني العالمي ذات الصفة والممارسة الأممية من اجل النهوض بمهام رصد ومتابعة تحركات وانشطة العناصر والتنظيمات الإرهابية في العالم وملاحقتها امام المحاكم الوطنية والدولية ذات الصلة، وتوفير المعلومات والإمكانات اللوجستية والمالية للدول والأطراف المنخرطة في صراعات ميدانية ضد الدواعش وسائر التنظيمات الإرهابية في شتى مناطق العالم .
ثالثاً : تكليف منظمة الاونيسكو بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة موثّقاً بقرار من مجلس الامن الدولي تنظيمَ مؤتمرات وندوات واجتماعات اكاديمية واخرى اهلية على مستوى المجتمع المدني في شتى دول العالم من اجل التوافق ، بالسرعة الممكنة ، على استراتيجية لبناء ثقافات وطنية وثقافة اممية لمقاومة الإرهاب بوسائل الثقافة والتعليم والإعلام والتواصل الاجتماعي لتكون رديفاً لإستراتيجيات مقاومة الإرهاب سياسياً وأمنياً على المستويات الوطنية والأممية.
الطريق الى بلوغ الأهدف المرتجاة طويلة ، والتحديات كثيرة ، والقدرات محدودة . ومع ذلك ، فإن صراعاً تخوضه البشرية ، بشتى دولها ومؤسساتها الأهلية، اليوم ونصرها فيه غير مؤكد ستجد نفسها غداً ، في حال تلكؤها، امام هزيمة حتمية.