نشرت بجريدة "الخليج" و"البناء"
تاريخ 17/12/2016
بعد حلب
لا مفاوضات قبل الإنتهاء من دحر الإرهاب
د. عصام نعمان
الحرب انتهت في حلب ، لكنها لم تنتهِ في سوريا. حلفاء "المعارضة السورية المعتدلة" اقرّوا بهزيمتها في حلب ، لكنهم ما زالوا يعتبرونها فاعلة في شمالها ناهيك عن محافظات ادلب والرقة ودير الزور وحمص (تدمر) ومحيط درعا. بل انهم ما زالوا مصممين على دعمها بدليل اصرارهم وضغطهم القوي على روسيا ، عبر تركيا ، لتأمين إخراج مسلحيها بأمان من حلب الى ريفيّها الشمالي والغربي . ثم ، ألم يرفع الكونغرس الاميركي منذ ايام الحظر عن توريد السلاح الاكثر فعالية الى فصائلها المقاتلة؟
حلفاء دمشق ايضاً يعتبرون الحرب منتهية في حلب ومستمرة في سائر المناطق السورية التي ما زالت تحت سيطرة "داعش" و"النصرة" ومواليهما من التنظيمات الإرهابية الأقل فعالية. الحكومة السورية تعلن وتصرّ على عدم وقف الحرب ضد كل هؤلاء قبل تحرير كل الأراضي السورية منهم.
الى ذلك ، ماذا تبقّى من "المعارضة السورية المسلحة" التي تعتبرها الولايات المتحدة وحلفاؤها معتدلة وصالحة للمشاركة في المفاوضات من اجل التوصل مع الحكومة السورية الى حل سياسي ؟ الواقع انه لم يبقَ منها شيء ذو بال. وبما ان دمشق لن ترضى بالتفاوض مع "داعش" و"النصرة" والتنظيمات الموالية لهما ، فإن موافقتها على العودة الى مفارضة ما تبقّى من "المعارضة السورية المعتدلة" لن يفيد هذه الاخيرة في شيء بعدما اختلّ ميزان القوى لمصلحة دمشق عقب تحرير حلب.
تركيا ايضاً لا ترى مصلحة لها في وقف الحرب الآن . إن لها مشكلة مزمنة مع اكرادها كما مع الاكراد السوريين المتعاملين مع حزب العمال الكردستاني الذي تشنّ عليه حكومة اردوغان حرباً في الداخل وفي شمال كلٍّ من سوريا والعراق.
"اسرائيل" هي الاخرى لها مصلحة في استمرار الحرب بغية إضعاف حكومة الرئيس بشار الأسد وتطويرها الى تقسيم سوريا اذا امكن. وهي لن تُعدم وسيلة لتحريض الولايات المتحدة على متابعة دعم التنظيمات الضالعة في الحرب ضد الجيش السوري بقصد إضعافه.
الولايات المتحدة لها مصلحة في استمرار الحرب لأسباب عدّة: اولها اضعاف سوريا عسكرياً وسياسياً. ثانيها محاولة ترميم المركز التفاوضي للمعارضة السورية كي لا تخرج من المفاوضات المرتقبة خالية الوفاض. ثالثها ان هامش المناورة وحرية الحركة امام ادارة اوباما ضيق للغاية وسيبقى كذلك لغاية ان يتسلّم الرئيس المنتخب دونالد ترامب سلطاته في العشرين من الشهر القادم. هذا مع العلم ان ادارة ترامب لن تكون في وضع يمكّنها من استلام زمام المبادرة قبل شهر اذار/مارس او نيسان/ابريل المقبلين .
الى ذلك ، هناك حلفاء اميركا الخليجيون الذين يناؤون حكومة الاسد وليس لهم مصلحة في استقوائها على معارضيها . هم لا يسؤوهم استمرار الحرب اذا كان من شأنها استنزاف سوريا وحليفتها ايران.
ماذا تفعل دمشق ؟
يبدو الأسد متمسكاً بمتابعة حربه على التنظيمات الإرهابية وحلفائها الذين يسيطرون على مناطق حيوية في البلاد . هنا ينهض سؤال : الى اين سيتجه الجيش السوري بعد تحرير حلب ؟ الى مدينة الباب ؟ الى ادلب ؟ الى تدمر؟ الى الرقة ؟ الى محيط درعا؟
اذا اتجه الى شمال حلب وغربها ناهيك عن محافظة الرقة او محافظة ادلب فمن المحتمل ان يصطدم مجدداً بتركيا ما لم تؤمن روسيا تفاهماً مسبقاً بين البلدين قبل احتدام القتال.
اذا اتجه الى الرقة او تدمر ، فمن المحتمل ان يصطدم بالولايات المتحدة التي لا تريد هزيمة نهائية لـِ"داعش" و"النصرة" قبل إيجاد تسوية للأكراد السوريين في إطار صيغة للامركزية الادارية ترضي حكومة دمشق ولا تثير حكومة انقرة التي تخشى من مساعي الولايات المتحدة الرامية الى إقامة دولة كردية مستقلة تتألف من اكراد سوريا والعراق وتركيا.
اذا اتجه الى محيط درعا لإقتلاع فصائل لـِ "النصرة" ولـِ "داعش" من بعض مناطق حوران ومن شريط ارضي يمتد على طول خط وقف النار مع الجولان السوري المحتل ، فمن المحتمل ان يصطدم بـِ "اسرائيل" التي تقوم بدعم التنظيمات الارهابية من اجل ان تكون لها فرصة للمشاركة في المفاوضات المرتقبة وبالتالي دور في تقرير مصير سوريا.
ثم هناك الصراع المحتدم بين الولايات المتحدة وروسيا حول مستقبل كلٍّ من سوريا والعراق كما حول مستقبل علاقتهما بـِ "اسرائيل".
اخيراً وليس آخراً ، هناك مسألة إعادة البناء والاعمار والإنماء في سوريا والعراق. ذلك ان دول الخليج قد تضع شروطاً قاسية لمشاركتها في هذا الجهد الجبار الذي يتطلب مليارات الدولارات الأمر الذي قد يضطر سوريا الى اللجؤ لإيران للحصول على المساعدات والقروض اللازمة لذلك. وغني عن البيان ان الولايات المتحدة تعارض لجوءها الى ايران والصين من اجل الحصول على الاموال والتكنولوجيا اللازمتين خشية ان يؤدي الى احتدام الصراع وإطالته حول مناطق النفوذ في سوريا والعراق قبل ان يتوصل الاطراف المتصارعون الى تسوية بهذا الشأن.
بإختصار ، المفاوضات مؤجلة لغاية الإنتهاء من الحرب والتفاهم على ما بعدها.