نشرت بجريدة "القدس العربي" و"البناء"
تاريخ 12/12/2016
قبل حلب وبعدها
الحرب الإقليمية مستمرة بالوكالة ودونما حسم
د. عصام نعمان
ثمة شبه اجماع بين الخبراء الاستراتيجيين على ان معركة تحرير حلب اصبحت وراء ظهر سوريا وحلفائها . ماذا بعدها ؟
بعد تحرير حلب سيحتدم الصراع كما قبلها : حرب اقليمية بالوكالة تشنّها دول متعددة من داخل المنطقة كما من خارجها . هذه الدول غير قادرة او غير راغبة في خوض الحرب المستمرة بجنودها على الارض ، فأوكلت الى تنظيمات محلية ارهابية مهام عسكرية محددة لإنجازها في مسارح عمليات موزّعة على مختلف بلاد العرب في مشرقها ومغربها. التنظيمات المحلية الوكيلة تتلقى ، لقاء "اتعابها" ، مالاً وسلاحاً وعتاداً ودعماً لوجستياً بشرياً من الدول الموكِّلة بشكل مقاتلين سلفيين مُتطرفين يُصدَّرون اليها من دول آسيا الوسطى ، كما من دول عربية وغير عربية .
ابرز مسارح العمليات سوريا والعراق واليمن وليبيا. لكلٍّ من هذه المسارح صلة بمخطط سياسي او استراتيجي يستهدف دولة مجاورة له او اكثر. فمسرحا العمليات في العراق وسوريا لهما صلة بمخطط يستهدفهما داخلياً كما لهما صلة استراتيجية بمخطط يتعلّق بـِ "اسرائيل" وآخر يتعلق بتركيا. اما مسرح العمليات في اليمن فله صلة بمخطط يستهدفه داخلياً ، وآخر له صلة استراتيجية تتعلّق بالسعودية كما بدولٍ خليجية اخرى. مسرح العمليات في ليبيا له صلة بمخطط يستهدفها داخلياً وآخر له صلة بمصر وتونس والجزائر.
لعل افعل مسارح العمليات واخطرها مسرح عمليات سوراقيا ، اي سوريا والعراق معاً. ذلك انه يتعلّق بمخطط اميركي – اسرائيلي لتقسيم العراق ولتقسيم سوريا في آن. يبدو ان الولايات المتحدة أقرّت اخيراً بخسارة حلفائها (أي ما تبقّى من "الجيش الحر" و "جبهة النصرة" ) معركة حلب ، لكنها لن تتوانى عن دعمهم في سائر المناطق ومسارح العمليات في سوريا والعراق لمتابعة الحرب ضد حكومتيّ دمشق وبغداد. أليس لافتاً قيام الطائرات الحربية الاميركية بقصف مواقع (بينها مستشفى) في مدينة القائم على الحدود بين العراق وسوريا بقصد دعم تنظيم "داعش" الذي يقاتل دفاعاً عن احتلاله مدينة الموصل العراقية ومدينة الرقة السورية ومحيطهما ؟ أليس لافتاً ان الهجوم الجوي الاميركي على مدينة القائم الحدودية جاء ، غداة سيطرة الجيش السوري وحلفائه على معظم الاحياء الشرقية في حلب ، متزامناً مع هجوم شنّه "داعش" من خمسة محاور في ريف حمص الشرقي على مدينة تدمر ما جعله على مسافة كيلومترات معدودة منها ؟ أليس لافتاً قيام تركيا بتعزيز قواتها في جوار مدينة الباب شمال حلب ومباشرة هجوم بالوكالة عليها بواسطة قوات "درع الفرات"؟
الى ذلك ، تزامنت كل هذه الضربات الجوية الاميركية مع ضربة جوية اسرائيلية استهدفت الصبورة غرب دمشق واخرى مواقع عسكرية على مقربة من مطار المزة في جنوبها الغربي . ألم تدّعي "اسرائيل" ان ضربتيها الجويتين هما ضربتان وقائيتان لمنع شحن صواريخ كاسرة للتوازن الى حزب الله في لبنان ؟
جون كيري كان اعلن ، بالتزامن مع مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الاوروبي فردريكا مورغيني ، أن حسم معركة حلب لن ينهي الحرب في سوريا . هذان التصريحان جاءا متزامنين بدورهما مع تصريحات لوزير الحرب الإسرائيلي افيدغور ليبرمان جاء فيها ان الحرب في سوريا لن تنتهي إلاّ بإزاحة الرئيس بشار الأسد وتقسيم البلاد الى كيانات بين اقلياتها الأثنية والمذهبية ، و"طرد" وحدات الجيش الإيراني المتواجدة في سوريا.
كل هذه المواقف والتوقعات والتحركات تشير الى ان القوى الخارجية التي تستثمر في ساحتيّ العمليات في سوريا والعراق عازمة على تمديد الحرب بالوكالة في كِلا البلدين وانها ستستمر تالياً الى أحد أجلين : حسم الصراع لمصلحة كلٍّ من سوريا والعراق، او توصّل القوى الخارجية المتصارعة في سوراقيا وعليها الى تسويات بين حلفائها المحليين وحكومتي دمشق وبغداد.
الى ذلك ، ثمة مسألة اشكالية تقضّ مضاجع المسؤولين الإسرائيليين . انها مسألة الوجود الروسي والوجود الإيراني في سوريا وانعكاسهما على ما تسميه "اسرائيل" امنها القومي. فهي تتخوف من الوجود العسكري الروسي المتنامي في سوريا كما من مضاعفات انتصار حكومتيّ دمشق وبغداد على تنظيمات الإرهاب ما يمكّنهما لاحقاً من تأمين جسر بري يربط بين ايران وساحل البحر المتوسط الامر الذي يهدد بدوره امن الكيان الصهيوني.
يحتدم النقاش بين المعلقين العسكريين الصهاينة حول ما يقتضي ان تفعله "اسرائيل" في المرحلة الإنتقالية بين انتهاء ولاية باراك اوباما غداة فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة وتسلّمه سلطاته رسمياً في 2017/1/20. غير انه يتضح من متابعة الصحافة العبرية في هذه الآونة ان الرأي الغالب هو الانتظار لمعرفة ماذا ستكون عليه سياسة ترامب حيال ايران وسوريا مطلعَ العام القادم اذ في ضوئها يُبنى على الشيء مقتضاه. وفي هذه الأثناء تحاول "اسرائيل" تعزيز "ردعها" لحزب الله وسوريا بتوجيه ضربات جوية نوعية لمواقع تدّعي انها تحتوي صواريخ كاسرة للتوزان او "اسلحة دمار شامل" تعني بها، على حد زعم ليبرمان ، اسلحة كيميائية عادت سوريا الى تصنيعها وتسليمها لحليفها اللبناني حزب الله الذي يقاتل الى جانبها ضد التنظيمات الإرهابية منذ 2003 .
بكلمة ، الحرب الإقليمية بالوكالة مستمرة دونما حسم في المستقبل المنظور.