الخروج من أزمة قانون الإنتخابات متعذّر بتنازع الأضداد... ممكن بضغط الشارع
نشرت بجريدة "القدس العربي" و"البناء"
تاريخ 5/12/2016
الخروج من أزمة قانون الإنتخابات
متعذّر بتنازع الأضداد... ممكن بضغط الشارع
د. عصام نعمان
يُفترض ان تجري الإنتخابات النيابية ، بحسب القانون ، بين 20نيسان و20 حزيران 2017. لا احد يعرف بين الحاكمين والمحكومين إن كانت ستجري فعلاً. ذلك ان لا اتفاق بين اطراف الشبكة السياسية الحاكمة على قانونٍ جديد للإنتخابات. بعضها موافق ، ظاهراً ، على إعتماد نظام التمثيل النسبي (النسبية) جزئياً او كلياً. بعضها الآخر يعارض النسبية جهاراً ويريد ، ضمناً ، الإبقاء على نظام التمثيل الأكثري المعروف بإسم قانون الستين . لكن كِلا الفريقين لا يمانع، على ما يبدو ، بالتمديد مرةً ثالثة لمجلس النواب اذا تعذّر التوافق على قانون جديد.
يرى مراقبون متابعون للمشهد السياسي الداخلي ان اطرافاً نافذين لا يريدون إجراء الإنتخابات سواء بموجب القانون الحالي النافذ او بموجب قانون جديد لأنه لن يكون في وسعهم المحافظة على عدد متورم من نواب محازبين يوالونهم كما هو الوضع حالياً . هؤلاء الأطراف المحافظون لا يتوانون عن اهدار الوقت بلا كلل وعلى نحوٍ يجعل التوافق على قانون جديد للإنتخابات متعذراً قبل موعد اجرائها المفترض في2016/4/20 . وثمة اطراف آخرون مترددون يتخوّفون من مضاعفات شعبية سلبية لإجراء الإنتخابات وفق احكام قانون الستين الجائر ، ومن مضاعفات اقسى واشمل اذا ما جرى التمديد مرةً ثالثة لمجلس النواب.
كل هذه الواقعات والملابسات كانت موضوع مناقشة مستفيضة بين اعضاء احدى ابرز الهيئات السياسية الشعبية الناشطة من اجل اقرار قانون ديمقراطي للإنتخابات على اساس النسبية . وقد تبيّن اثناء المناقشة وجود ثلاثة افرقاء وبالتالي ثلاث مقاربات لكيفية العمل من اجل تحقيق هذا الهدف الوطني الإستراتيجي.
الفريق الاول يرى وجوب التحاور والتعامل مع رئيس الجمهورية الجديد العماد ميشال عون والإستفادة من موقعه ونفوذه لتسهيل عملية إقرار القانون المنشود. يقول اعضاء هذا الفريق إن العماد عون هو اقوى الرؤساء المتعاقبين شعبيةً ، واوضحهم إلتزاماً بتعهداته ، وانه سبق له كما لـِ "تياره الوطني الحر" ان اعلن تأييده لقانون انتخابات على اساس النسبية ، وانه كان حريصاً على إبداء دعمه لقانون يؤمّن عدالة التمثيل وإعتباره اولوية ماثلة في خطاب القسم فور انتخابه رئيساً، وانه في مواقفه من الازمات والتحديات والمخاطر التي تواجه البلاد يبدو مصمماً على انتهاج سياسات رايديكالية لتحقيق انجازات غير عادية من شأنها ان تترك بصمات بارزة له في تاريخ البلاد السياسي.
يضيف هؤلاء انه من المنطقي والمجدي ان تستفيد قوى التغيير الملتزمة من المزاج الراديكالي للرئيس عون والحرص على تذكيره بعهوده ووعوده وحثه على اتخاذ مواقف نوعيّة استثنائية في الظروف الإستثنائية التي تمر بها البلاد ليس اقلها المبادرة الى الانحياز لغالبية الشعب اللبناني المطالبة بقانون إنتخابات على اساس النسبية ، والدعم العلني لتيارات شعبية وقوى سياسية في حال لجوئها الى الشارع من اجل الضغط على اركان الشبكة الحاكمة كما على مجلس النواب لإعتماد قانون النسبية في دائرة وطنية واحدة.
يقول هؤلاء إن العماد عون ليس رئيس جمهورية فحسب بل هو قائد وطني ايضاً ذو قاعدة شعبية عريضة ، يُدرك ان عدم إقرار قانون ديمقراطي عادل على اساس النسبية في مدى شهرين سيعقّد الازمة المزمنة التي تعانيها البلاد ويزيدها حدّةً واشتعالاً. ويختم هؤلاء مستدركين انه في حال عدم نهوض الرئيس عون الى تحمّل مسؤولياته التاريخية في هذا المجال فلن يكون ذلك نهاية العالم اذ ستبقى القوى الوطنية والتقدمية الحية ملتزمة وقادرة بكل ما تمتلك من امكانات ووسائل على مواصلة النضال من اجل اخراج البلاد من ازمتها المستفحلة قبل تدهورها الى حضيض اضطربات اهلية مدمرة .
الفريق الثاني لا يعارض خيار التحاور والتعامل مع الرئيس عون من اجل تسهيل وتسريع إقرار قانون النسبية ، لكنه يحذّر من الرهان على خط واحد في هذا المجال ويدعو بقوة ، في الوقت نفسه ، الى توظيف الجهود والإمكانات بالسرعة الممكنة في بناء كتلة شعبية وازنة تضغط بكل الوسائل المتاحة على الشبكة الحاكمة ومجلس النواب من اجل إقرار القانون المنشود ، كما تطوير العمل الشعبي وتركيزه في المؤتمر الوطني الجاري بناؤه حالياً بتعاونٍ وثيق بين "هيئة التنسيق الوطنية من اجل النسبية" ولقاء الاحزاب والقوى والشخصيات الوطنية ( الذي يضمّ احزاباً وتكتلات شعبية وبرلمانية وازنة يشارك بعضها في السلطة) وجعله جبهةً شعبية عريضة على مستوى البلاد كلها تتولى ، بنَفَسٍ طويل، تعميق خط سياسي راديكالي هدفه تجاوز النظام الطائفي الكونفدرالي الفاسد والمباشرة في بناء مشروع الدولة المدنية الديمقراطية.
الى ذلك ، ثمة فريق ثالث يرى الأخذ بمقاربتيّ كلٍّ من الفريقين الاول والثاني معاً بطريقة متزامنة وفاعلة وذلك بالإنتقال من حالّ التفكير والتنظير الى ورشة التدبير والتنفيذ المبرمج بغية توظيف الاوقات والجهود والإمكانات والفرص في نضال موصول لنقل الجمهورية اليتيمة المتروكة لشبكة حاكمة لها اخلاق ذئب ومعدة حوت من حال الأزمة المزمنة المتمادية الى رحاب دولة مدنية ديمقراطية مبنيّة على اسس المواطنة وحكم القانون والمشاركة والعدالة والتنمية.
دقت ساعة النفير ، وآن اوان التغيير .