جريدة"القدس العربي" والبناء
تاريخ 3/2/2014
ما تداعيات استئناف تسليح المعارضة السورية ؟
د. عصام نعمان
في خطابه السنوي عن "حال الإتحاد" ، قال باراك اوباما إن الولايات المتحدة وضعت تنظيم "القاعدة" على طريق الهزيمة ، إلاّ انه اعترف بأن تنظيمات مرتبطة بـ"القاعدة" ما زالت ناشطة في اليمن والصومال والعراق ومالي
ماذا عن سوريا ؟
الجواب : " في سوريا سوف ندعم المعارضة التي ترفض اجندة الشبكات الإرهابية" الدعم امّنه الكونغرس الاميركي بموافقته على عمليات تمويل على مدى اشهر لإرسال مزيد من شحنات الأسلحة الخفيفة كالرشاشات والسيارات المصفحة، واخرى اقوى كالصواريخ المضادة للدبابات
نوري المالكي سارع الى الإحتجاج في موقفٍ يربط اضطرابات العراق بالأزمة السورية قال : "إن ايصال السلاح الى التنظيمات الإرهابية في سوريا يعني دعماً لها في العراق اقول للدول التي تتحدث عن دعم هؤلاء بالسلاح إنكم تدعمون الإرهاب و"القاعدة" في العراق هذا يتناقض مع دعم العراق في مكافحة الإرهاب"
يتضح من كلام المالكي ان الولايات المتحدة تدعم الإرهاب في سوريا وتحاربه في العراق لماذا ؟ لأنها تخشى من سيطرة "القاعدة" على محافظات الانبار وصلاح الدين ونينوى (الموصل) في غرب العراق وتحويلها الى مراكز تحشيد وتدريب واعداد وتذخير ينطلق منها الإرهابيون الى مختلف انحاء المنطقة
غير ان لدعم العراق في مكافحة الإرهاب شروطاً اميركية ابرزها عدم انخراطه في محور الممانعة والمقاومة المؤلف من ايران وسوريا وحزب الله في لبنان اذا تجاوز المالكي (او غيره) هذا الشرط ، فإن واشنطن ستبادر الى لجمه بكل الوسائل المتاحة ومنها دعم تنظيمات ارهابية مناوئة له ولحلفائه
المعيار الذي تعتمده الولايات المتحدة في الموقف من الإرهاب هو مدى ملاءمة او عدم ملاءمة ممارسات التنظيمات الارهابية لأغراض السياسة الاميركية ومصالحها في المكان والزمان ليس ثمة موقف اميركي اخلاقي ثابت من الإرهاب والإرهابيين بل موقف براغماتي عملاني لا اكثر ولا اقل
يتأسس على هذا الواقع موقف سياسي قاطع في وضوحه : مواجهة الإرهاب محتّمة عندما يصبح خطراً على الغرب عموماً وعلى الولايات المتحدة خصوصاً ما عدا ذلك قابل دائماً للتعديل والتمويه
تتجلى هذه السياسة الاميركية في موقف واشنطن من التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق ولبنان ففي سوريا سكتت عن نشاط تنظيم "جبهة النصرة" و"الدولة العراقية في العراق والشام" (داعش) عندما كان هذان التنظيمان الإرهابيان متحالفين مع المجموعـات السورية المعارضة في مقاتلة نظام الرئيس بشار الاسد لكن ما ان دبَّ الخلاف بين "داعش" والمجموعات السورية المسلحة الموالية لـِ "الإئتـلاف الوطني" المعـارض ، وفي مقدمها "الجيش الحر" ، حتى بادر مراقبو وكالة الإستخبارات المركزية الاميركية "سي آي إي" الى التدقيق بعمليات نقل الأسلحة على الحدود التركية – السورية لضمان عدم تسليمها الى جماعات ارهابية ، ثم ما لبثت واشنطن ان ناشدت الدول العربية الصديقة وقف تمويل "داعش" وتسليحها بعد انفجار نزاعها مع "جبهة النصرة"
في لبنان تغاضت واشنطن عن تمويل وتسليح مجموعات سلفية متطرفة واخرى إرهابية تجاهر بعدائها لحزب الله ، كما حرصت على عدم تمكين الجيش اللبناني من الحصول على اسلحة ثقيلة بدعوى ضمان عدم وصولها الى ايدي تنظيمات معادية لـِ "اسرائيل" ذلك ادى الى إضعاف الجيش اللبناني عندما بادر الى مواجهة بعض التنظيمات الإرهابية لكن اميركا اضطرت اخيراً الى تلطيف موقفها السلبي من تسليح الجيش بعدما اتفقت السعودية مع فرنسا على تمويل تسليحه بأسلحة فرنسية تدعم قدراته في مواجهة التنظيمات الإرهابية من دون أيّ إخلال بميزان القوى مع "اسرائيل"
لعل الولايات المتحدة مُقبلة على مواجهة موقفٍ محرج في مصر قريباً ذلك ان "جماعة انصار بيت المقدس" آخذة في تصعيد عملياتها الإرهابية ضد الجيش والشرطة المصريين بعد ازاحة محمد مرسي وإسقاط حكم الاخوان المسلمين وانحياز الجيش للمعارضة الشعبية بقيادة المشير عبد الفتاح السيسي الارجح ان ادارة اوباما ستتغاضى عن نشاط "جماعة انصار بيت المقدس" ضد الحكومة ، لكنها ستقوم بشجبها ومحاربتها فيما اذا صعّدت عملياتها من سيناء ضد "اسرائيل" بكلامٍ آخر ، عندما تصبح "الجماعة " خطراً على "اسرائيل" وبالتالي على الغرب ، فإن الولايات المتحدة لن تتأخر في محاربتها وربما في دعم الجيش المصري ولكن ليس الى الحد الذي يمكن ان يشكّل خطراً على الكيان الصهيوني
ما تداعيات استئناف تسليح المعارضة السورية على المفاوضات في مؤتمر جنيف -2 ؟
ثمة احتمالات خمسة :
اولها ، تفاقم القتال بين " الجبهة الإسلامية" و"الجيش الحر" وسائر التنظيمات التي تتلقى تمويلاً وتسليحاً من الولايات المتحدة والسعودية من جهة و"الدولة الإسلامية في العراق وسوريا" (داعش) من جهة اخرى
ثانيها ، العودة الى التنسيق بين "جبهة النصرة" و"داعش" نتيجةَ شعور الاولى بأن حلفاءها المرحليين قد يرتدّون عليها اذا ما تمّ لهم كسر "داعش" ، سيما وان "جبهة النصرة" تعلم جيداً انها ما زالت مسجّلة على قائمة الإرهاب لدى الولايات المتحدة
ثالثها ، استثمار نظام الرئيس الاسد بالتأكيد لفرصة الحرب الدائرة بين اعدائه المتشددين و"المعتدلين" بغية تعزيز سيره في خط "الحل العسكري" املاً بتصفية اعدائه جميعاً
رابعها ، قيام ايران بتلطيف حال الخصومة بين حكومتي تركيا وسوريا من جهة ، ومن جهة اخرى تعزيز تلاقي الاخيرة مع بغداد في جبهة موحدة من اجل مكافحة الإرهاب بكل تلاوينه
خامسها ، استغلال الولايات المتحدة مرحلة الإضطراب السياسي والامني في مختلف انحاء المشرق العربي من اجل جرّ السلطة الفلسطينية الى توقيع "اتفاق اطار" مع "اسرائيل" يكون من شأنه تمديد مهلة المفاوضات ؛ واحتواء الوضع السياسي في مصر على نحوٍ يحول دون تطبيع علاقاتها مع محور الممانعة والمقاومة ؛ واحتواء الوضع السياسي في لبنان على نحوٍ يضمن المجيء بخلفٍ لرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وبحكومةٍ يكونان مواليين لها ، والتعاون مع الاردن بغية اقامة جيب منفصل عن حكومة دمشق على طول الحـدود الاردنية – السورية وخط وقف اطلاق النار مع "اسرائيل" في الجولان السوري المحتل وذلك لتعزيز المخطط الاطلسي الرامي الى "فدرلة" سوريا اسوةً بالعراق ، والمشاركة في الصراع الدائر في العراق وعليه بغية تمكين محافظات الانبار وصلاح الدين ونينوى وديالى من الإنضواء في اقليم يكون مؤهلاً للحكم الذاتي كما هي الحال في كردستان العراق
اذا اخفقت الولايات المتحدة في تحقيق اغراضها المشار اليها فإن اعداءها الاقليميين يكونوا قد افلحوا في تفشيل مخططاتها الامر الذي يحملها ، بالتأكيد ، على اعادة النظر باستراتيجيتها وسياستها في المنطقة ، وبالتالي محاولة التوصل مع اعدائها الى تسوية تحمي مصالحها الإقتصادية وامن "اسرائيل"