نشرت بجريدة "البناء" والخليج"
تاريخ 3/12/2016
في ذكرى تقسيم فلسطين :
رثاء القضية بدلاً من الإلتزام بإحيائها...
د. عصام نعمان
في ذكرى قرار تقسيم فلسطين (1947/11/29) يحتفل الفلسطينيون والعرب. نعم ، يحتفلون خطابياً مستذكرين ومنددين . بعضهم يرثي القضية ، بعضهم الآخر يتضامن ، لفظياً ، مع أهلها. الرثاء حيال ما انتهت اليه القضية بعد نحو 70عاماً مفهوم ، لكن التضامن الحقيقي مع اهلها مفقود.
ثمة اسباب كثيرة لتراجع القضية ، لكن واحداً منها يبقى الرئيس والاكثر صدقية. انه تقصير اصحابها ، فلسطينيين وعرباً ، عن الوفاء بمتوجبات نصرتها والنضال الجدّي في سبيلها . يمكن إيراد اسباب كثيرة ومفهومة لذلك التقصير، لكن ما لا يمكن فهمه وتبريره هو طول امد التقصير ، بل الإهمال المتعمَّد ، طوال سبعين عاماً والعجز بعد ذلك كله عن اجتراح نهج علمي راديكالي لتجاوز التقصير والإهمال بمباشرة التصدي لإعداء القضية ، الداخليين والخارجيين ، ومغالبتهم .
حرصتُ على متابعة ما قاله "المحتفلون" بذكرى التقسيم الاليمة في لبنان وبعض اصدائها في العالم ، فخرجت بإنطباع حزين مفاده ان رثاء القضية ما زال غالباً ، والتضامن مع اهلها ما زال لفظياً ، وان ما صدر عن غير الفلسطينيين في هذا المجال اكثر صدقاً وواقعية.
استوقفني كلام العماد ميشال عون ، الرئيس الجديد لجمهورية لبنان المضطربة. لم يتوانَ الرجل ، رغم حملة التشكيك والتجريح التي تستهدف الفلسطينيين في اوساط شعبية قريبة وبعيدة منه ، عن تحيتهم بحرارة والتأكيد بأنهم يعيشون في لبنان بفعل تهجيرهم القسري، وان "اللبنانيين الذين فتحوا لهم قلوبهم هم المتضامنون الأُوَل مع قضيتهم العادلة ، مؤكداً حرصه على التعامل الإيجابي لمؤسسات الدولة معهم لصون كرامتهم وتوفير ظروف عيش كريمة لهم حتى تحقيق اهداف قضيتهم بالعودة الى ارض فلسطين". لم يقل ان "اهدافهم العادلة" تتمثل بحل الدولتين بل بالعودة الى ارضهم.
كم من القادة الفلسطينيين ، مقاومين وسياسيين ، ما زال يتمسك بحق العودة كأولوية اولى وبالمقاومة مطلباً ونهجاً ؟ ثم ، أليس التمسك بحق العودة يستوجب بالضرورة إلتزام نهج نضالي لتحقيقه ؟ وهل هذا النهج امر آخر غير المقاومة المدنية والميدانية ؟
لم اقع على موقف واضح ساطع من مسؤولي حركة "فتح" (البالغ عددهم 1400 المشاركين في مؤتمرها السابع بعد مرور سبع سنوات على مؤتمرها السادس العام 2009) يؤكد بأن حق العودة يبقى المطلب الاول والاساس للشعب الفلسطيني في ارضه وشتاته. أليس لافتاً ان يكون الإهتمام الاول ، وبالتالي "الانجاز" الاول لمؤتمر حركة "فتح" في يومه الاول ، تجديد الثقة بالرئيس محمود عباس وانتخابه قائداً عاماً لها !
ليس سراً ان حركة "فتح" ، كما السلطة الفلسطينية ، ما زالتا تتبنيان حل الدولتين وتدعوان الى تحقيقه في وقت تحرص حكومة بنيامين نتنياهو على توسيع رقعة الإستيطان وزرع المستوطنين في مناطق الضفة الغربية والقدس لجعل مطلب الدولة الفلسطينية مستحيل التحقيق.
ومن المعلوم ان الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت اصدرت في ذكرى تقسيم فلسطين سنة 1977 قراراً بالاحتفال بذلك التاريخ كيوم عالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني . يوم الاربعاء الماضي احتفل مكتب "الاسكوا" بهذه المناسبة في مقر المنظمة الدولية ببيروت . ما موقف الامم المتحدة من قضية فلسطين في هذه الآونة؟
الامين العام بان كي مون بعث برسالة ألقتها بالنيابة عنه المنسقة الخاصة بالامم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ ، جاء فيها بالحرف: "إن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني جرح غائر قديم العهد... وما زال القادة الاسرائيليون والفلسطينيون يعبّرون عن دعمهم للحل القائم على وجود دولتين . ولكن الامر قد ينتهي بهم الى ترسيخ واقع الدولة الواحدة ما لم يبادروا الى اتخاذ خطوات عاجلة من اجل إحياء منظور سياسي".
من الواضح ان بان كي مون يرثي حل الدولتين إن لم يكن يرثي القضية نفسها. ومع ذلك يدعو الى إحياء حل الدولتين "باتخاذ خطوات عاجلة من اجل إحياء منظور سياسي" ، اي احياء المفاوضات بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني التي بدأت سنة 1993 (اتفاق اوسلو) ولمّا تنتهي بعد !
ما رأي حركة "فتح" والحركات والمنظمات الفلسطينية الآن التي كانت وافقت ، سراً او علناً ، على حل الدولتين ؟ هل ما زالت تؤمل خيراً بالعودة الى المفاوضات العقيمة؟ وما البديل من المفاوضات ... هل هو التشديد على نهج المقاومة ام العودة البائسة الى الامم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية ؟
آن الآوان ليدرك القادة الفلسطينيون ان لا أمل بتدبير عملي منتج من الامم المتحدة. ثمة أمل ضئيل بأن يستجيب الرئيس باراك اوباما نصيحةَ الرئيس الاميركي الاسبق جيمي كارتر بالإعتراف بدولة فلسطين قبل مغادرته البيت الابيض في 2017/1/20 ، كما جاء في مقاله المنشور في صحيفة "نيويورك تايمز". إذا استجاب اوباما يصبح بإمكان دولة فلسطين ان تتحرك بفعالية على المستوى الاممي وان تحظى جهودها بنتائج ايجابية في الامم المتحدة وبين الدول الـ 137 التي اعترفت بها. ما عدا ذلك ، لن يتحقق شيء ملموس ومجّدٍ ، فما العمل؟
الخيار الأفضل والافعل هو إعادة بناء منظمة التحرير لتكون اطاراً جامعاً للوحدة الوطنية الفلسطينية ولإحياء القضية مجدداً في سياق نهج المقاومة المدنية والميدانية الى ان يتحقق المعنى الحقيقي لتحرير فلسطين وهو عودة الفلسطينيين الى ارضهم وبيوتهم بلا قيد ولا شرط.