نشرت بجريدة "القدس العربي" والبناء"
تاريخ 21/11/2016
تجميد المخططات الاطلسية في سوراقيا
الى ما بعد تنصيب ترامب؟
د. عصام نعمان
لم يكن مغالين اولئك الذين اعتمدوا مصطلح "الحرب الكونية" في توصيف الصراعات والعمليات العسكرية الجارية في سوريا. ذلك ان اكثر من 50 دولة شاركت وتشارك فيها بوجوه وآليات ووسائل مختلفة .
هذه الحرب تطورت خلال السنوات الخمس الماضية فأصبحت رحاها تدور في سوراقيا ، اي في سوريا والعراق معاً .ألم تنشر تركيا قوات لها في شمال سوريا وشمال غرب العراق ؟ ألم تدعم ايران حلفاءها من تنظيمات المقاومة العراقية والمقاومة اللبنانية بوحدات من حرسها الثوري لمقاتلة قوات تركية واميركية وفرنسية وبريطانية وألمانية تشارك في الحرب الكونيـة الدائرة في سوراقيا ؟ ألم توسّع روسيا دورها في دعم سوريا سياسياً وعسكرياً وايران عسكرياً وتكنولوجياً بوصفهما الطرفين الفاعلين في محور المقاومة والممانعة ؟
من الظاهرات اللافتة في الحرب الكونية الدائرة في سوراقيا دخول حلف شمال الاطلسي "الناتو" طرفاً مباشراً فيها. فالحضور الأطلسي يتمثل بقواعد عسكرية اميركية سبع : مطار الرميلان شرق مدينة القامشلي ، المبروكـة غرب القامشلي ؛ تل بيدر في الريف الشمالي للحسكة ؛ عين عيسى في ريف الرقة الشمالي ؛ الجلبية بين عين عيسى وعين العرب؛ مدينة تل ابيض في اقصى ريف الرقة الشمالي ؛ عين العرب (كوباني) في ريف حلب الشمالي الشرقي. كما يتمثل "الناتو" بوحدات من القوات الفرنسية في قاعدة على هضبة "مشتى نور" المطلة على مدينة عين عرب، وقوات بريطانية وألمانية منتشرة في مناطق سيطرة قوات سورية الديمقراطية (قسد) ذات الغالبية الكردية. هذه القواعد والوحدات الاميركية والفرنسية والبريطانية والالمانية تحتوي طائرات هيليكوبتر وجنود مقاتلين واستشاريين عسكريين وخبراء لوجستيين.
غير ان الاقوى بين الاطراف الاطلسية الناشطة في سوراقيا هو الطرف التركي الذي لا يخفي مطامع "عثمانية" قديمة له في سوريا (حلب) والعراق (الموصل) ويتواجد بكثافة عسكرية لافتة في شمال سوريا (جرابلس واعزاز) ويتأهب للسيطرة على مدينتي الباب ومنبج شمال حلب . كما تتواجد وحدات من الجيش التركي شمالي شرق الموصل وتهدد بدخولها اذا ما سيطر "الحشد الشعبي" على مدينة تلعفر.
الى جانب هذه الوحدات العسكرية الاطلسية النظامية ، يشارك في الحرب مئات من "المتطوعين" الاجانب من اميركا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وألوف من دول آسيوية. هؤلاء "المتطوعون" يقاتل بعضهم وفق توجيهات مشغّليهم من ضباط استخبارات الدول الأطلسية ، وينشط بعضهم الآخر بإستقلال عن الاطراف الحكومية ، العربية والاجنبية، بدعوى نصرة الشعوب المستضعفة ضد حكامها المستبدين.
مع انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة ، لوحظ تباطؤ في حركة القوات الاطلسية في مسارح العمليات السوراقية من دون ان يقابله خفض في نشاط الجيش السوري او في نشاط الطيران الحربي الروسي العامل في الاجواء السورية . يتردد في عواصم القرار ان الاطراف الاوروبية المشاركة في الحرب الكونية على سوريا قد صدمها انتخاب ترامب الذي كان قال خلال حملته الإنتخابية إن حلف "الناتو" لم يعد مجدياً وان على دول اوروبا الأطلسية ان تتحمل الاعباء المالية لحمايتها . فمن الطبيعي ، والحالة هذه ، ان تشعر هذه الدول بأن مخططاتها حيال سوراقيا قد تتعارض مع مخطط اميركا خلال رئاسة ترامب ، فكان ان آثرت تجميد حركة قواتها ميدانياً بإنتظار جلاء مواقف واشنطن سياسياً وعسكرياً.
تركيا عضو في حلف "الناتو" لكنها لا تتقيد سياسياً وميدانياً بما تتمشى عليه غالبية اطرافه الاميركية والاوروبية . صحيح انها تراعي الطرف الاميركي اكثر من غيره ، لكنها تركّز في غالب الاحيان على تأمين مصالحها السياسية والإستراتيجية. وعليه ، يبدو موقفها غامضاً خلال المرحلة الإنتقالية التي تنتهي بتنصيب ترامب رئيساً في 20 يناير/كانون الثاني المقبل. فهل تنفذ تهديدها بالدخول الى الموصل اذا ما حرر "الحشد الشعبي" مدينة تلعفر وقطع نهائياً طريق الإمداد اللوجستي بين الموصل والرقة ؟ هل تدفع قواتها للسيطرة على كلٍ من مدينتي الباب ومنبج بعد خروج قوات "قسد" منها وقبل سيطرة الجيش السوري عليها ؟
لا شك في ان استقالة مديرعام الإستخبارات الاميركية جيمس كلابر(الذي يترأس 17 وكالة استخبارية) ستقرأ فيها دول اوروبا الأطلسية اشارتين : الاولى ، احتمال تجميد بعض العمليات الإستخبارية الاميركية الى ما بعد تعيين بديل له. الثانية ، احتمال قيام ترامب بإجراء تعديل جذري على سياسة واشنطن في سوريا ولاسيما حيال الموقف من "داعش" والموقف من الرئيس بشار الأسد. كل ذلك يدفع دول اوروبا الاطلسية الى تجميد نشاط وحداتها العاملة في سوراقيا لتفادي حصول صدام بين مخططاتها ومخططات اميركا في قابل الايام .
ما موقف اطراف محور المقاومة وروسيا من تجميد النشاط الاطلسي في سوراقيا؟
لا اشارة الى حدوث تجميد مماثل . بالعكس ، الرئيس السوري صرح بأن بلاده مصممة على تحرير كل المناطق الواقعة تحت سيطرة "داعش" و"النصرة" واعتبر وجود قوات تركية داخل سوريا عدواناً سافراً وانتهاكاً لسيادتها. كما حدد سلفاً موقفه من ترامب بقوله إن سوريا مستعدة للتعاون معه في حال تواءمت سياسته ضد الإرهاب مع توقعات دمشق في هذه المجال. سوريا ، اذا ً ، مستمرة في الحرب على الإرهاب ولا خفض لوتيرتها.
لا اشارة ايضاً الى حدوث تغيير في موقف روسيا بعد اتضاح تجميد النشاط الأطلسي . بالعكس ، روسيا ضاعفت نشاط سلاحها الجوي ومشاركة اسطولها البحري في الحرب ضد تنظيمات الإرهاب في سوريا بعد انتخاب ترامب . ألم تفتح موسكو جبهة جديدة ضد "النصرة" وحليفاتها بشن حرب جوية قاسية عليها في محافظة ادلب وغربي محافظة حماه وشمالي محافظة حمص؟
ايران ايضاً حافظت على وتيرة دعمها اللوجستي والعسكري لحلفائها في سوراقيا ، ولاسيما في جبهة الموصل. كما ان قياداتها ما زالت تحمل على السياسة الاميركية وتحمّل واشنطن مسؤولية كل الشرور في العالم . ولا شك في قيام الكونغرس الاميركي بتمديد العقوبات عليها سيؤدي الى مضاعفة دعمها لحلفائها في حربهم ضد الإرهاب.
في ضوء التطورات سالفة الذكر ارى ان ايّ خبير استراتيجي حصيف يلاحظ، وربما يدعو ايضاً ، دول محور المقاومة وروسيا الى اغتنام المرحلة الإنتقالية التي تمر فيها الولايات المتحدة من اجل تكثيف العمليات العسكرية ، برّاً وجواً ، ضد تنظيمات الإرهاب وحلفائها المحليين بغية تطهير جميع المناطق السورية منهم قبل اواخر العام الجاري. ومن المستبعد ان تردّ اميركا بمقادير من العنف تتجاوز ما تقوم به ، مباشرةً او مداورةً ، في مناطق سوراقيا التي تعاني من "داعش" و"النصرة" وحلفائهما المحليين.
بذلك يكون في وسع دمشق ان تجلس الى طاولة المفاوضات بلا تردد لتتوصل مع تنظيمات سورية معارضة ، تكون قد اصبحت معتدلة قولاً وفعلاً ، الى تسوية سياسية تحفظ وحدة البلاد وسيادتها وتفسح في المجال لبناء دولة مدنية ديمقراطية في ربوعها.