نشرت بجريدة "الخليج " والبناء
تاريخ 7/11/2016
"الحشد الشعبي" من الموصل الى ... سوريا ؟
د. عصام نعمان
ليس ثمة عراق في مواجهة "داعش". ذلك ان العراق ، في هذه الآونة ، ليس واحداً بل متعدد. في السياسة ، ثمة حكومة وبرلمان تتصارع داخلهما احزاب وتكتلات وتحالفات عدّة تتوافق حيناً وتتنازع حيناً آخر في وتيرة متكررة . في الحرب، ثمة جيش نظامي وشرطة اتحادية وفصائل اهلية مقاوِمة ابرزها واقواها " الحشد الشعبي". الى ذلك ، ثمة اقليم كردستان العراق حيث لأحزاب الكرد في السياسة والحرب مواقف وتحركات تتفق او تختلف مع نظرائها في العاصمة بغداد.
لا خلاف بين هذه الاطراف جميعاً على ضرورة كسر "داعش" وتحرير المناطق التي يسيطر عليها ، ولا سيما الموصل . لكن ، ماذا بعد "داعش" ؟ لمن السلطة في الموصل ؟ بل لمن السلطة في بغداد ؟
صراع الإرادات السياسية تأجج في بغداد مع اندلاع الهجوم لتحرير الموصل. اطراف الصراع كثر ، ابرزهم رئيس الوزراء حيدر العبادي ومناصروه في حزب الدعوة ، ورئيس مجلس النواب سليم الجبوري ، ونوري المالكي وكتلة "دولة القانون"، وعمار الحكيم و"المجلس الإسلامي الأعلى"، ومقتدى الصدر وجموع "الصدريين" في الشارع. وهناك المرجع الشيعي الاعلى السيد علي السيستاني ونفوذه بين العلماء والمتدينين وبعض الاوساط السياسية . الى ذلك ، ثمة قوة اهلية مسلحة صاعدة سيكون لها تأثير ونفوذ في قابل الايام هي "هيئة الحشد الشعبي".
هذه حال الداخل العراقي. اما الخارج المعني بما يجري فيه فهو متعدد الأطراف ايضاً: الولايات المتحدة وتركيا وايران والسعودية وسوريا . الولايات المتحدة هي رأس اللاعبين والمتلاعبين. تلعب في ساحة العراق من خلال حلفاء سياسيين جاءوا مع احتلالها البلاد العام 2003، واسهموا معها في إقرار الدستور الفدرالي ، كما في ادارة "العملية السياسية" الرامية الى التوفيق بين اطرافه المتصارعين تحت خيمة الهيمنة الاميركية ، فضلاً عن ممارسة ادوار مساعدة في ادارة المسألة الكردية.
تركيا ، بدافع من تخوّفها الدائم من نزوع اكرادها مع اقرانهم في العراق وسوريا الى اقامة دولة مستقلة ، وجنوح رجب طيب اردوغان الى احياء مطامع "عثمانية" في كل من العراق وسوريا لإستثمارها في أغراض سياسية داخلية ، احتلت مناطق استراتيجية في كِلا البلدين وتعاونت لوجيستياً وعسكرياً مع "داعش" .
ايران تتهم الولايات المتحدة بأنها تبتغي تقسيم العراق وسوريا في إطار مخططٍ متكامل لحماية مصالحها في بلدان المشرق العربي وتعزيز أمن "اسرائيل" ، وان ذلك يؤدي بالضرورة الى تهديدها وضرب نفوذها في الإقليم.
السعودية تعتبر الاحزاب والتنظيمات ذات الغالبية الشيعية موالية لحكومتيّ ايران وسوريا وبالتالي معادية لها الامر الذي يحملها على محاربة هؤلاء جميعاً ومدّ يد العون الى اعدائهما من الإسلاميين السلفيين المتطرفين.
سوريا تجد نفسها ، نتيجةَ السياسات الاميركية والتركية والسعودية المعادية ، ضحية حرب ارهابية مموّلة ومسلّحة من الخارج تهدد استقلالها ووحدتها ، وانها مضطرة الى التعاون ، سياسياً وميدانياً ، مع تنظيمات المقاومة المدعومة من ايران والمعادية لكلٍ من الولايات المتحدة وتركيا و"اسرائيل".
كل هذه الدول والتنظيمات منخرطة هذه الأيام في حروبٍ وصراع ارادات سياسية دائرة في العراق وسوريا ، لعل اكثرها فعالية ومدعاة للمتابعة "الحشد الشعبي" الناشط في الهجوم المتعدد الجبهات على الموصل ، ولاسيما في غربها المتصل عبر الحدود بمحافظة الرقة السورية حيث عاصمة "الخلافة" الداعشية ومحور قوتها الاساسية . الواقع انه لولا "الحشد الشعبي" لما تمكّنت القوات العراقية النظامية من جيش وشرطة من مباشرة الهجوم على الموصل واقتحامها من عدة جهات. ولعل الانجاز الأهم هو نجاح "الحشد الشعبي" في قطع طريق الامداد اللوجيستي بين الرقة والموصل الامر الذي يعجّل في تحرير الثانية من دون ان يكون لقوات البيشمركة الكردية دور مؤثر في ذلك.
في صراع الارادات داخل العراق تتخوف سائر الأطراف السياسية من "الحشد الشعبي" وتحسب حساباً لدورٍ كبير سيلعبه بعد طرد "داعش" واذنابه من البلاد. كذلك تعادي تركيا والولايات المتحدة "الحشد الشعبي" وقد رفضتا ان يكون له دور وازن في معركة تحرير الموصل وضغطتا على حيدر العبادي في هذا السبيل. ذلك ان نائب رئيس "هيئة الحشد الشعبي" ابو مهدي المهندس اعلن في حوار مع صحيفة "الاخبار" (2016/10/28) اللبنانية :" نحن نركّز مهمتنا الاساسية في القضاء على الإرهاب في العراق وفي المنطقة ، كما نعمل على حماية النظام والعملية السياسية في العراق (...) وسنكون هناك (اي في سوريا) وفي اي مكان آخر تنطلق منه عمليات تهدد الامن العراقي".
واشنطن وانقرة ساءهما هذا الكلام فحذّرتا العبادي من مفاعيله السياسية والعسكرية كونه احتضن "الحشد الشعبي" واسبغ عليه صفة رسمية بإخضاعه للقيادة العامة للقوات المسلحة (اي لقيادته بصفته القائد العام) وهو في صدد اقرار قانون خاص في مجلس النواب يقضي بقبول انضمام من يريد من منتسبي الحشد الى المؤسسة العسكرية. ويترَدَدُ في بغداد ان العبادي الذي يرأس ائتلافاً حكومياً هشاً يريد الترسمل على انجازات "الحشد الشعبي" وقاعدته الجماهيرية العريضة لتعزيز نفوذه السياسي والاستعاضة به وبها عن بعض اطراف التحالف الهش الذي يساند حكومته.
الى ذلك ، تدعم ايران "الحشد الشعبي" سياسياً وتسليحياً ، الامر الذي يثير مخاوف قيادات سنّية نافذة في محافظات نينوى (الموصل) وصلاح الدين والانبار ، كما يستفز القوى الوطنية المعادية للولايات المتحدة ولـِ"العملية السياسية" التي تديرها عبر حكومة العبادي مخافةَ ان تكون ايران مؤيدة لها ضمناً .
غير ان اميركا وتركيا تجاهران بمعارضة قوية للدور القتالي الفعال الذي يقوم به "الحشد الشعبي" في غرب الموصل وعلى الحدود مع سوريا واعلان قيادته اعتزامها مساندة قوى المقاومة العربية (حزب الله) في حربها ضد الإرهاب في سوريا لأنه يفضي في تقديرهما الى نتيجتين استراتيجيتين ليستا في مصلحتهما :
- جعل العراق وسوريا مسرح عمليات واحداً ضد الإرهاب وضد اميركا وتركيا.
- تمكين "الحشد الشعبي" بقاعدته العريضة (وسعيه الى جعل تركيبته عابرة للطوائف) من وراثة "داعش" في الموصل وغيرها ومدّ نفوذه السياسي (وسلطته ؟) الى بغداد.
العيون شاخصة الى الموصل...