نشرت بجريدة "السفير"
تاريخ 3/11/2016
قانون الانتخاب اولوية استثنائية
وعون مدعو الى اعتماده بتدابير استثنائية
د. عصام نعمان
ليس مردّ ازمة لبنان المزمنة قيام سلطة الوصاية السورية ، بمؤازرةٍ من حلفائها اللبنانيين، بإخراج العماد ميشال عون بالقوة من القصر الجمهوري قبل 26 سنة والتسبّب بنفيه الى فرنسا. الازمةُ تعود بجذورها الى عهد الإستقلال الناقص سنة 1943. سببُها الرئيس سؤ ادارة التنوّع اللبناني الفريد باعتماد صيغة غير متوازنة لنظام الانتخاب الاكثري فصّلتها سلطة الانتداب الفرنسية وكيّفتها الشبكة الحاكمة اللبنانية على مقاسها بغية إعادة انتاج النظام الطائفي الكونفدرالي وتدويم بقائها في السلطة الى أبد الآبدين.
الرئيس ميشال عون ادرك عمق الأزمة المزمنة وحدّتها فضمّن خطاب القسم طريقةً لمعالجتها بقوله : " فرادة لبنان هي بمجتمعه التعددي المتوازن ، وهذه الفرادة تقضي بأن نعيش روح الدستور من خلال المناصفة الفعلية ، واول موجباتها إقرار قانون انتخابي يؤمّن عدالة التمثيل قبل موعد الإنتخابات المرتقبة ً.
هكذا يتضح ان قانون الإنتخاب يحتل في تفكير الرئيس الجديد اولوية ماثلة ، وانه الصيغة والوسيلة الضروريتان لتصويب ادارة التنوع ، وان شرطه الاساس توفير عدالة التمثيل لتأمين الإستقرار والوحدة الوطنية . كيف ؟
يجيب الرئيس عون : "باحترام الميثاق والدستور والقوانين من خلال الشراكة الوطنية (...) وفي هذا السياق تأتي ضرورة تنفيذ وثيقة الوفاق الوطني (الطائف) بكاملها من دون انتقائية او استنسابية وتطويرها وفقاً للحاجة من خلال توافق وطني".
يعرف الرئيس بالتأكيد ان اصلاحات وثيقة الوفاق الوطني جرى ادماج معظمها في متن الدستور سنة 1990 ، وان دعوته الى تنفيذها بكاملها من دون انتقائية او استنسابية تعني في الواقع تطبيق احكام الدستور بدقة وبلا إبطاء . كما يعرف الرئيس ان ذلك كله يتطلّب ، اولاً، اعادة تكوين السلطات والمؤسسات العامة ، وان انجاز هذا الشرط الدستوري والسياسي يكون بإجراء انتخابات عامة ، وان ذلك يتطلّب بدوره ، وبالسرعة الممكنة ، "إقرار قانون انتخابي يؤمّن عدالة التمثيل قبل موعد الإنتخابات المرتقبة".
وعليه ، ندعو الرئيس ميشال عون الى تنفيذ دعوته تحديداً بنهج غير تقليدي ، في إطار احكام الدستور ، ومن خلال حكومة يجري تأليفها بالتعاون مع رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة المكلّف ورؤساء الكتل البرلمانية ، كما بالانفتاح على القوى الوطنية والديمقراطية والتقدمية الحيّة التي طالما حاورها من موقعه الوطني والسياسي وتبنّى مطالبها الإصلاحية ، ولا سيما اعتماد النسبية في قانون الانتخابات النيابية.
كان لافتاً خلال جلسة انتخاب رئيس الجمهورية تقاطع خطابي الرئيس عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري حول ضرورة إقرار قانونٍ للإنتخابات يؤمّن عدالة التمثيل . ولا يخفى على احد ان كتلة التحرير والتنمية البرلمانية التي يرأسها الرئيس بري ، كما كتلة الوفاء للمقاومة ومجموعة الرئيس نجيب ميقاتي ونواب الحزب السوري القومي الإجتماعي وحزب البعث وغيرهم من النواب يؤيدون تكتل التغيير والإصلاح ورئيسه الجديد الوزير جبران باسيل في دعوته الى اعتماد النسبية في قانون الإنتخابات النيابية . ذلك كله يساعد الرئيس عون والرئيس بري والرئيس سعد الحريري (اذا اراد ) على تأليف حكومة تلتزم إعتماد مشروع قانون انتخابي على اساس النسبية واقراره بلا ابطاء في مجلس النواب.
من المحتمل جداً ان تنبري قيادات وتجمعات سياسية الى معارضة النسبية وان تلجأ الى اساليب ملتوية ، طائفية وبرلمانية ، لتعطيل إقرار قانونها في مجلس النواب، فما العمل؟
ندعو الرئيس عون ، بما هو قائد وطني من خارج الشبكة الحاكمة ومعارض متشدد لنظام الفساد والمحاصصة الى ان يلجأ لاستخدام صلاحياته الدستورية لضمان تأليف حكومة جامعة تتبنّى مطلب النسبية وذلك برفض توقيع مرسوم تشكيلها ما لم تتعهد بإقرار المطلب الإصلاحي الشعبي المذكور . فالفقرة 4 من المادة 53 من الدستور تنصّ على ان رئيس الجمهورية "يصدر بالإتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة ومراسيم قبول استقالة الوزراء او اقالتهم". هكذا يتضح ان من حق رئيس الجمهورية ، عندما لا يتوصل الى اتفاق مع رئيس الحكومة (المكلّف) بشأن تركيبتها او برنامجها ، ان يرفض توقيع مرسوم تشكيلها الى ان يتوصل الرئيسان الى اتفاق.
اكثر من ذلك ، ليس كثيراً على الرئيس والقائد الوطني ميشال عون ان يشفع استخدام صلاحيته الدستورية موضوع المادة 53 من الدستور باللجؤ الى الشعب والإنخراط علناً ، بشخصه كما بمناصري التيار الوطني الحر ، في الحراكات الشعبية المطالبة بقانون عادل للإنتخابات على اساس النسبية . بل ليس كثيراً على الرئيس نبيه بري أيضاً ان يعلن من موقعه الوطني والنيابي دعمه لمطلب الحراكات الشعبية وان يدعو انصاره الى المشاركة فيها.
قصارى القول ، إن ازمةً مزمنة وحادّة عمرها من عمر استقلال البلاد تتكرر بلا هوادة كل اربع او خمس او ست سنوات ، لا يجوز ان تعالَج بأسلوب تقليدي مكرور جوهره المحاصصة والمراوغة ومحالفة الزمن . ففي الظروف الاستثنائية ، و نحن اليوم في قلبها ، يقتضي اتخاذ تدابير استثنائية ، في اطار الدستور كما بموجب احكام الضرورة ، من اجل الخروج بالبلاد والعباد من معمعتها المتأججة.
يعوّل الوف اللبنانيين على الرئيس القائد ميشال عون ليترجم في سدة الرئاسة ما كان يدعو اليه ويعدهم به في زمن المعارضة .
دقت ساعة الوفاء.