مع ميشال عون رئيساً التغيير ممكن ... الإصلاح متعذر
نشرت بجريدة"القدس العربي" و"البناء"
تاريخ 24/10/2016
مع ميشال عون رئيساً
التغيير ممكن ... الإصلاح متعذر
د. عصام نعمان
اذا ما انتخب رئيس كتلة التغيير والإصلاح البرلمانية العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في 31 تشرين الاول / اكتوبر، يمكن القول إن التغيير في لبنان بدأ، فهل الإصلاح في ضوئه ممكن ؟
المقصود بالتغيير الإنتقالُ من حال الركود نتيجةَ شغور رئاسة الجمهورية منذ اواخر ايار/مايو 2014 الى حال سياسية مغايرة يمكن خلالها تحريك فعاليات البلاد بإتجاه تحقيق مطلب الإصلاح. لكن ، هل انتخاب عون مضمون آخرَ الشهر الجاري؟
انه ممكن ، لكنه غير مضمون . فالامر يتوقّف على مدى قدرة عون وحلفائه على تأمين حضور ما لا يقلّ عن 86 نائباً وتصويتهم الى جانبه في جلسة الإنتخاب . اذا تعذّر ذلك ، قد يلجأ رئيس مجلس النواب ، بعد دورة الإقتراع الاولى، الى رفع الجلسة بدعوى فقدان النصاب القانوني المحدد بثلثّي المجلس ، اي 86 نائباً.
المساعي جارية على قدمٍ وساق لتأمين حضور ما لا يقل عن 86 نائباً مؤيداً لإنتخاب عون. لكن مقاطعة عدد كبير من نواب "تجمّع 14 آذار" ، بينهم نواب من اهل السنّة في بيروت وشمال لبنان والبقاع الغربي ، قد تؤدي الى تعثّر انتخاب عون والى العجز تالياً عن تحقيق التغيير المنشود .
حتى لو امكن انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية ، فإن مطلب الإصلاح يبقى متعذراً لأسباب ثلاثة :
أولاها سبب شخصي او شخصاني . فرئيس مجلس النواب نبيه بري ثابت في موقعه منذ العام 1992 بفضل عوامل متعددة ابرزها وفرة قدراته الذاتية ، وضعف اعدائه ومنافسيه ، ودعم حلفائه المحليين والاقليميين . ثباته الطويل في مركزه مكّنه من التحوّل ، ولاسيما بعد انحسار نفوذ سوريا في لبنان عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري وانسحاب قواتها ، الى مرجعية سياسية أولى في البلاد. هذه المكانة العالية المستجدة منحت بري نفوذاً متزايداً أحسن استعماله في توطيد مركزه ومصالحه . ولعل السبب الرئيس لمعارضته العماد عون رئيساً للجمهورية هو رفضه ان يقتصر دوره في انتخابه على المباركة بدلاً من المشاركة ، كما شعوره بأنه سيفقد معه مكانته ونفوذه كمرجعية اولى. ذلك أن عون شخصية قوية بل اقوى من كل الذين تعاقبوا على سدة الرئاسة. فهو الأوسع شعبيةً ، ولاسيما بين المسيحيين ، ورئيس لكتلة برلمانية كبرى، وحليف لكتلة برلمانية اخرى وازنة ( الوفاء للمقاومة ) ذات قاعدة شعبية واسعة . كلُ ذلك يمنحه كرئيس للجمهورية ، وربما لأول مرة في تاريخ لبنان المعاصر ، هامشاً واسعاً من حرية الحركة والمناورة والنفوذ . فلا غرابة إن ولّد ذلك لدى بري شعوراً نفسياً سلبياً ازاء عون مشفوعاً بعزيمة متّقدة لإبعاده عن رئاسة الجمهورية ولمناكفته اذا ما نجح في الوصول اليها . ولا غرابة ايضاً أن تكّن شخصيات قيادية اخرى في الشبكة السياسية الحاكمة مشاعرَ سلبية لعون لا تقل عن مشاعر بري وان تجد طريقها الى التعبير والتأثير عند تأليف الحكومة الجديدة وبالتالي عند بحث قضايا الاصلاح ، وفي مقدّمها قانون الإنتخاب الجديد.
ثانيها سبب سياسي . ذلك ان موازين القوى المحلية متكافئة ومتشابكة في آن الامر الذي يجعل التوافق على صيغ مشتركة للإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المستحقة مسألة بالغة الصعوبة . لنأخذ مثلاً قانون الإنتخاب بما هو المدخل الى الاصلاح السياسي . لا غلوّ في القول إنه ما زال موضع اخذ ورد وجدل محموم منذ ادخال اصلاحات وثيقة الوفاق الوطني (الطائف) في متن الدستور سنة 1990 . فلا غرابة ، والحالة هذه ، ان يكون امام مجلس النواب لا اقل من 17 مشروعاً واقتراحاً لقانون الإنتخاب ، وان يعجز المجلس كما طاولات الحوار المتوالية منذ نحو 10 سنوات عن التوصل الى صيغة توافقية بشأنه . وثمة من يعتقد ان اطراف الشبكة السياسية الحاكمة تقصّدوا الإختلاف والإصطراع حول قانون الإنتخاب كي يقدّموا المبرر الكافي لترسيخ الامر الوحيد الذي يتفقون عليه وهو تمديد ولاية مجلس النواب بتركيبته الحالية الى ابد الآبدين! ومن ابرز المفارقات اللافتة في هذا المجال ان كتلة التغيير والاصلاح البرلمانية التي يرأسها العماد عون تدعو الى اعتماد النسبية (التمثيل النسبي) في الإنتخابات وتجاريها في هذا السبيل كتلة الوفاء للمقاومة (حزب الله) وكذلك كتلة التحرير والتنمية (حركة امل) وغيرهما من التكتلات المؤيدة او المعارضة لعون ، في حين ان اطراف "تجمع 14 آذار" ، وفي مقدّمهم "تيار المستقبل" الذي يرأسه سعد الحريري ، تعارض النسبية وتستميت في المحافظة على نظام التمثيل الاكثري ، فكيف يمكن حل هذه الإشكالية ، بل هذا الإفتراق ، عندما يصبح عون رئيساً للجمهورية والحريري رئيساً للحكومة ؟
ثالثها سبب اقليمي. ذلك ان الحريري وحلفاءه المحليين مرتبطون بصورة عامة بالسعودية التي تعتبر ان مواجهة ايران يجب ان تكون قضية العرب الاولى ، في حين تدعم ايران كتلة الوفاء للمقاومة وحلفاءها المحليين الذين يعتبرون ان قضية العرب الاولى يجب ان تكون فلسطين ومقاومة الكيان الصهيوني ، وان التطورات الاقليمية منذ العام 2011 جعلت تنظيمات "الارهاب التكفيري" ، وفي مقدّمها تنظيما "داعش" و"النصرة" ، خطراً موازياً في جسامته لخطر "اسرائيل" ، ولا سيما بعد ثبوت قيام تعاون بين دولة العدوان والإستيطان من جهة وتنظيمات الإرهاب التكفيري والعنف الاعمى من جهة اخرى . غني عن البيان ان انشغال اطراف الصراع في لبنان ، كما في المنطقة ، كل منها بما يعتبره القضية الاولى التي تقتضي المواجهة، يجعل الإهتمام بأي قضية اخرى ، حتى لو كانت اصلاحية ملحّة ، مسألة مؤجلة ، خصوصاً مع وجود تباين واسع في الرأي بشأنها بين الاطراف السياسية المتصارعة.
بإختصار ، حلم التغيير مع ميشال عون ممكن ، لكن الإصلاح صعب بل متعذّر ، خصوصاً اذا ما جاء التغيير محدوداً وضيقاً وعرضةً لتحديات وتداعيات ناشئة عن صراعات مزمنة ما زالت تعصف بلبنان وسائر دول الاقليم.
ما المخرج ؟
لا بد من انتفاضة شعبية تنتج موجة عارمة من التغيير تُنتج بدورها مؤتمراً وطنياً جامعاً للنهوض بمتطلبات الاصلاح الشامل لإدارة التنوّع اللبناني . ولهذا كله حديث آخر.