نشرت بجريدة" الخليج" و"البناء"
تاريخ 22/10/2016
لغز عنوانه مستقبل "داعش" ؟
د. عصام نعمان
ثمة شبه إجماع على ان "داعش" سيُطرد من الموصل. قد يتطلب الامر وقتاً او ، ربما، يخسر "داعش" الموصل بسرعة قياسية كالتي خسرت فيها حكومة بغداد مدينة "ام الربيعين" في حزيران/يونيو 2014 لتصبح بعدها قاعدة "الخليفة" ابو بكر البغدادي.
حسناً ، سيخسر "داعش" الموصل ، فإلى اين يذهب الداعشيون ؟
تتعدد التكهنات ، ذلك ان احداً لا يمكنه الجزم بالوجهة التي سيسير فيها او اليها الداعشيون . القادة السياسيون والعسكريون في دمشق وموسكو يعتقدون انهم سيتجهون ، بتوجيه من واشنطن ، الى محافظتي الرقة ودير الزور السوريتين . لماذا؟ كي يكثفوا وجود "داعش" فيهما فيصعب على الجيش السوري وحلفائه اقتلاعهم الامر الذي يُطيل أمد الصراع الى ما بعد انتهاء انتخابات الرئاسة الاميركية واتضاح هوية وسياسة الرئيس او الرئيسة الجديدة ، وقيام ادارة جديدة في واشنطن لقيادة الصراع وفق اسس ربما تكون مغايرة.
اوساط كبار القادة في واشنطن ، كما في تل ابيب ، لا تنكر هذا الخيار ، بل ان بعضها يدعو جهاراً الى اعتماده . في حال ثبوته ، فإن نتائج ثلاثاً ستنجم عنه: استنزاف قوات سوريا وحلفائها ، إطالة امد الصراع لتعزيز المركز التفاوضي لأطراف المعارضة السورية "المعتدلة" ، وتمكين "داعش" من ترتيب اموره في سوريا كما في العراق وبالتالي الإستعانة به في مهام سياسية اقليمية اخرى.
وزير الدفاع التركي فكري ايشيق اعلن في روما ، عقب مشاركته في اجتماع وزراء دفاع دول جنوب شرق اوروبا ، ان بلاده توصلت الى اتفاق مع التحالف الدولي لمشاركة مقاتلاتها في عملية تحرير الموصل. دلالةُ هذا الموقف ان لا مشاركة تركية برية في عملية التحرير. فهل يشكّل ذلك استجابة متفقاً عليها لإعلان حكومة بغداد ان مشاركة "الحشد الشعبي" ستقتصر على تأمين الجانب اللوجستي للقوات العراقية النظامية المشاركة في عملية التحرير وان لا دور برياً للحشد في المعركة ؟ ذلك التفسير واردٌ ، وسوف يتأكد او يتبدد في ضوء تصرفات دول جنوب اوروبا التي اجتمع ممثلوها في باريس منتصفَ هذا الاسبوع لمناقشة مستقبل الموصل بعد التحرير.
ماذا عن "داعش" ؟
الحقيقة ان مستقبل "داعش" يتوقف ، الى حدٍّ بعيد ، على مستقبل الموصل بعد تحريرها . فالصراع في الموصل وعليها ليس محصوراً بحكومة بغداد وقواتها من جهة و"داعش" من جهة اخرى بل يشتمل ايضاً على صراعٍ محموم بين "الحشد الشعبي" المدعوم من حكومتي بغداد وطهران من جهة و"التحالف الوطني" وسائر القوى السنّية في الموصل ومحافظة نينوى بقيادة محافظ الموصل السابق اثيل النجيفي المدعوم من تركيا والسعودية من جهة اخرى . ثم يجب ألاّ ننسى مسعود برزاني رئيس اقليم كردستان العراق. فقوات "البيشمركة" تشارك في معركة الموصل ولكن من خارجها ، اي في محيطها وكأن ثمة اتفاقاً جرى على ترك مهمة السيطرة على قلب الموصل للقوات العراقية النظامية وحدها.
بإختصار ، اذا امكن التوافق على ترك مهمة السيطرة على داخل الموصل للقوات العراقية النظامية وإبقاء الحشد الشعبي والبيشمركة" والقوات التركية خارجها ، فإن طرد "داعش" من المدينة سيكون سهلاً والصراع بين الجهات الثلاث المار ذكرها سيكون مستبعداً او محدود الاضرار . اما اذا اصرّ الاتراك على المشاركة البرية في المعركة والتقدم الى قلب الموصل فإن ذلك سيؤدي الى قيام حكومة بغداد بدعوة فيلق القدس الايراني بقيادة اللواء قاسم سليماني الى التدخل. هذا يؤدي بدوره الى تفجير الصراع مجدداً في العراق وانسحاب آثاره على سوريا.
يبقى السؤال قائماً : الى اين سيذهب الدواعش بعد طردهم من الموصل ؟
يبدو ان امامهم مسارين:
· الاول ، التبدد في سائر فيفافي وانحاء محافظة الأنبار كما فعلوا بعد اضطرارهم الى الخروج من مدينتي الرمادي والفلوجة اذ ذابوا في فيافي الأنبار وبين سكان بلداتها وقراها وتخفّوا لإعادة تنظيم صفوفهم . معنى ذلك انهم اعدّوا سلفاً مخابىء للإختفاء فيها بعض الوقت بإنتظار الظرف المناسب لمعاودة نشاطهم بطريقة اخرى اقرب ما تكون الى حرب الغوار والعصابات.
· الثاني ، التوجّه بكامل عديدهم وعدتهم الى قواعد "داعش" في محافظتي الرقة ودير الزور ليقوموا ، بدعم جوي وبري من الولايات المتحدة وربما من تركيا ايضاً ، بحرب غوار طويلة الامد ضد سوريا وجيشها المدعوم من حلفائها. قد تقترن هذه الحرب بتفعيل حرب اخرى مشابهة في محافظتي القنيطرة ودرعا بجنوب سوريا حيث لـِ "داعش" و"النصرة" قواعد وقوات . غني عن البيان انه في هذه الحالة ستدخل "اسرائيل" مباشرةً او مداورةً على خط الصراع لدعمهما لأن لها مصلحة في انهاك سوريا لإضعافها من جهة ولتعزيز المركز التفاوضي لأطراف المعارضة السورية "المعتدلة" من جهة اخرى.
نجاح الإحتمال الثاني يتوقف ، بالدرجة الاولى ، على الولايات المتحدة . اذا قررت واشنطن ، في ظل ادارة رئيسها او رئيستها الجديدة ، تسريع اجراءات الحل السياسي للأزمة السورية ، فإن دعمها لـِ "داعش" وغيره من تنظيمات "الإسلام الجهادي" ستكون محدودة ولن تتعدى مستوى الضغط على سوريا لخفض وتيرة الحرب بغية تسريع ولوج المفاوضات . اما اذا قررت واشنطن تشديد الضغوط على دمشق وموسكو لإنهاكهما في إطار مخططٍ لتقسيم سوريا وإضعاف موسكو على صعيدي اوروبا (اوكرانيا) والشرق الاقصى ، فإن دعمها لـِ"داعش" و"النصرة" وامثالهما سيكون سخياً وطويل الأمد.
ثم ، ماذا سيختار "داعش" لنفسه من نهج اقليمي وآخر عالمي ؟ هل سيتخلى نهائياً عن نهج التمركز في قواعد ارضية والعودة الى نهجه القديم بالتركيز على الاهالي والسكان والتواري في مجتمعاتهم وبيئتهم ليقوم لاحقاً بعمليات ارهابية مدوّية كالتي نفذها قبل سنة في باريس وبروكسل؟
هكذا يبقى مستقبل "داعش" لغزاً محيراً .