جريدة "الخليج"
تاريخ 2/2/2014
دور السيسي قيادة مصر (والعرب) ضد الإرهاب ؟
د. عصام نعمان
في تاريخنا المعاصر ، ثمة قضايا رئيسة واخرى رديفة ، واحياناً قضية مركزية غالبة
بعد الحرب العالمية الثانية ، كان الإستقلال الوطني القضية الرئيسة ، تتفرع عنها قضايا رديفة كبناء دولة الإستقلال ، وتنمية الموارد الطبيعية وحسن استثمارها ، وتعاون حكومات الاقطار فيما بينها ، والثورة على انظمة الإستبداد من اجل الحرية والديمقراطية
بعد حرب السويس العام 1956 ، اصبحت مقاومة الاحلاف العسكرية قضية رئيسة تطورت مع قيام الجمهورية العربية المتحدة العام 1958 الى قضية قومية الى ان انتكست مع فاجعة الإنفصال العام 1961 ومع الهزيمة المدوّية العام 1967
صعدت قضية فلسطين مع اندلاع المقاومة الفلسطينية اواخرَ ستينات القرن الماضي الى مستوى القضية المركزية ، وحافظت على مركزيتها الى ان وقّع انور السادات اتفاقات "كامب دايفيد" العام 1978 فأخرج مصر عملياً من حمأة الصراع العربي– الصهيوني الامر الذي شجع "اسرائيل" على شن الحرب على لبنان العام 1982 واقتلاع منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها من ربوعه وتشريد قياداتها
مع احتلال الولايات المتحدة للعراق العام 2003 ، انهار النظام العربي الإقليمي فعادت هيمنة الغرب الأطلسي لتخيّم على عالم العرب وتغيب معها او تكاد قضية فلسطين
اذ تفرّق العرب وفقدوا توازنهم واتزانهم بصراعات مزمنة بين حكامهم ، ظنّت "اسرائيل" ان الفرصة مناسبة لتصفية آخر جيب للمقاومة العربية فشنت حربها العدوانية الثانية على لبنان العام 2006 لتقوم المقاومة الوطنية والإسلامية بمفاجأة نفسها وامتها بدحرِ العدوان الصهيوني في 33 يوماً
مع اشتداد عود المقاومة في لبنان وانتقال عدواها الى فسلطين المحتلة واستشرائها في العراق ضد الإحتلال الامريكي ، وذيوع اخبار عن اعتماد ايران برنامجاً لبناء قدرات نووية متقدمة ، وعجز قوات الحلف الاطلسي عن إخضاع افغانستان ما كبّدها خسائر بشرية فادحة ، وجدت الولايات المتحدة ان النهج الافعل في مواجهة قوى التحرر الوطني والمقاومة العربية هو في تنمية الشعور بوجود خطر آخر غير "اسرائيل" يهدد العرب ، او بعضهم في الاقل ، هو ايران النووية ، وان اولوية المواجهة يجب ان تُعطى لها
انقسام العرب بين اولوية الخطر الصهيوني والخطر الإيراني فاقَمَ الاوضاع الداخلية في اقطارهم سؤاً وفساداً وتشرذماً ما ادى الى انفجار السخط الشعبي على نحوٍ غير مسبوق في تونس ثم في مصر وبعدهما في اقطار المشرق والمغرب العربيين هكذا انطلق عصر "الربيع العربي" المزعوم بكل "ثوراته" الشعبية واضطراباته الامنية وتنظيماته الإرهابية وتداعياته الاقليمية والدولية
مع انحسار مركزية القضية الفلسطينية وتراجع اولوية الخطر الإيراني ، تصاعد حضور الإسلام السياسي بوجهيه "الاخواني" والإرهابي التيار الاخواني نجح في تونس من خلال حركة "النهضة بالإمساك بالمجلس التأسيسي ، كما نجح بتعاونه مع سائر القوى العروبية والليبرالية واليسارية من إقرار دستور ديمقراطي يضع البلاد على سكة الإستقرار والتقدم
التيار الاخواني في مصر نجح من خلال تعاونه مع المجلس العسكري في استغلال الإنتخابات البرلمانية والرئاسية للإستحواذ على السلطة غير ان انفراد الاخوان بالسلطة بشخص الرئيس محمد مرسي ، وسؤ ادارتهم البلاد والعباد ، وإخفاقهم في معالجة الازمة الإقتصادية – الإجتماعية استولد سخطاً شعبياً كاسحاً ضدهم كما ان محاولتهم الإستيلاء على مواقع مفتاحية في الدولة العميقة إستولد نقمة القوات المسلحة بما هي قيادة الدولة العميقة ومحركها وحاميها هكذا ترسملت قيادة القوات المسلحة بشخص وزير الدفاع الفريق اول عبد الفتاح السيسي على سخط الشعب الجارف ضد الاخوان المسلمين الذي بلغ ذروته بتظاهرات 30 يونيو المليونية من اقصى مصر الى اقصاها ، فأزاحت مرسي وحكومته ووضعت خريطة طريق للعهد الجديد انتجت دستوراً جديداً جرى إقراره في إستفتاء شعبي بنسبة مئوية عالية ، رافقه صعود قياسي في شعبية السيسي (الذي جرت ترقيته الى رتبة مشير) وترشيحه بحرارة الى مقام الرئاسة
سبق صعود شعبية السيسي ورافقها صعود الإرهاب في سيناء مستهدفاً مواقع الجيش المصري وجنوده ، ثم انتقل الى العمق حيث جرى تفجير مديرية امن القاهرة كما مواقع اخرى في احيائها وفي مدنٍ عدة رأس رمح الإرهاب تمثّل في "جماعة انصار بيت المقدس" المظنون ارتباطها بتنظيم "القاعدة" واللافت ان هذه الجماعة كانت تبنّت عملية اطلاق صواريخ على مدينة ايلات الاسرائيلية من سيناء الامر الذي حمل بعض المحللين السياسيين على الشك في ان الغاية من ورائها ، ربما ، توريط مصر في حربٍ مع "اسرائيل" في وقت تنشغل القيادة السياسية الجديدة بشخص المشير السيسي بمشاكل داخلية معقدة ليس اقلها الصراع الدموي مع الاخوان وتصاعد العمليات الإرهابية أليس لافتاً كذلك ان يقترن ترشيح السيسي للرئاسة بإقدام "جماعة انصار بيت المقدس" الإرهابية على اغتيال مساعد وزير الداخلية اللواء محمد سعيد اثناء خروجه من منزله ، وان تتوجه الى رئيسه والى السيسي بالذات بالقول : "إبشر بما يسؤوكم فقد اقترب القصاص" ؟!
مصر ، مواطنينَ ومسؤولين ، تنتظر الكثير من السيسي ولا سيما في ميدان بناء الدولة المدنية الديمقراطية وتنفيذ شعار ثورة 25 يناير الثلاثي: "عيش وحرية وعدالة اجتماعية " لكن هؤلاء جميعاً سيكتشفون عاجلاً وليس آجلاً ان ثمة اولوية اولى واجدر بالإهتمام إنها الإرهاب المتصاعد في وجه الجميع ، داخل مصر وعلى امتداد عالم العرب وقد يجد السيسي نفسه مضطلعاً بدور مستجد هو قيادة دول العرب ضد الإرهاب الذي يقوده تنظيم "القاعدة" وتفرعاته ويستفحل حالياً في العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا الإرهاب بما هو اولوية اولى عند المصريين والعرب اجمعين