نشرت بجريدة"البناء" و"القدس العربي"
تاريخ 26/9/2016
تحرير الموصل هدية اوباما لهيلاري كلينتون
وتحرير حلب هدية محور المقاومة لوحدة سوريا
د. عصام نعمان
حيدر العبادي وجنرالات "البنتاغون" اعلنوا ان تحرير الموصل سيبدأ مطلعَ تشرين الاول/ اكتوبر المقبل. بشار الأسد سارع الى الإعلان بلسان "قيادة العمليات العسكرية في حلب" عن مباشرة تحرير الاحياء الشرقية للمدينة. لتحرير ثانية مدن العراق دافع وغاية. الامر نفسه ينطبق على ثانية مدن سوريا.
الدافع الاول لتحرير الموصل استكمال توحيد العراق ارضاً وشعباً . الغاية الاولى رغبةُ باراك اوباما في تقديم هدية لمرشحة حزبه الديمقراطي للرئاسة الاميركية هيلاري كلينتون املاً بتعزيز فرصة انتخابها مطلعَ تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل. هيلاري بحاجة ماسة الى رافعة سياسية بعد تراجع شعبيتها اخيراً نتيجةَ انكشاف وضعها الصحي الدقيق. ثمة دوافع وغايات اخرى ، موضوعية، لتحرير الموصل . لكن ذلك لا يحجب الدافع والغاية الشخصانيين لمطلب التحرير في هذه المرحلة تحديداً. فالسياسة ، بدايةً ونهايةً ، من فعل سياسيين . وهؤلاء بشر من لحم ودم ومشاعر ورغبات تُخالطها دائماً منافع ومصالح خاصة.
الدافع الاول لتحرير ثانية مدن سوريا إحباطُ مخطط تقسيم البلاد . الغاية الاولى رغبةُ الأسد شخصياً كما القيادة السياسية في كلٍ من ايران وروسيا في توفير رافعة ميدانية لتعزيز معنويات القيادات الوطنية السورية الناهضة بمسؤوليات المواجهة والتحرير والتوحيد . ثمة ، دونما شك ، دوافع اخرى موضوعية لمطلب تحرير حلب الشرقية . لكن ذلك لا يحجب الدافع والغاية الشخصانيين لمطلب التحرير والتوحيد في هذه المرحلة تحديداً.
في العراق ، يشعر العبادي واركان التحالف السياسي الذي يدعمه ان وضع البلاد تردّى كثيراً بفعل عوامل الفساد الهائل ، وانفلات النوازع الطائفية والمذهبية ، وبروز دوافع انفصالية اثنية قوية لدى الوسط الكردي المؤيد لمسعود البرزاني ، وتعمّق الإنقسام في اوساط القوى الشيعية السياسية بين فئة موالية لأميركا واخرى متعاطفة مع ايران ، وصعود فئة ثالثة تدعو الى استقلالية عراقية عن قوى الخارج المتصارع في الساحات الداخلية . الى ذلك ، يلمس الجميع دوراً اميركياً متنامياً في هذه المرحلة على الصعيدين الميداني والسياسي ، يؤشر الى وجود مخطط متعدد الأبعاد يطاول العراق كما سوريا ، وقد يتناول في مراميه البعيدة ايران وتركيا ايضاً . العبادي يشعر ، في ضوء هذه الواقعات والتحديات ، ان بقاءه في السلطة كما بقاء العراق موحداً باتا مهددَين بتطور الاحداث المتوالدة ، وانه بحاجة تالياً الى رافعة ميدانية وسياسية تنتشل سلطته المهزوزة من جهة وتعزز القوى الملتزمة بعراق واحد موحد من جهة اخرى.
لاوباما هواجس سياسية من طراز مغاير. هو بالتأكيد ليس خائفاً على وحدة بلاده الجغرافية ، لكنه خائف على وحدة شعبه الأهلية . ثمة يقظة لافتة للعنصرية في الاوساط الشعبية يُحسن مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب تأجيجها واستغلالها الامر الذي يُضعف مرشحة حزبه الديمقراطي هيلاري كلينتون . ثمة حاجة ، اذاً ، الى رافعة سياسية تغطّي على ثغرات هيلاري كلينتون الشخصية وتعزز وضع الديمقراطيين المتأرجح . ليس من رافعة متاحة افعل من نصر معجّل الإنجاز في الموصل يُهديه اوباما لكلينتون ويختتم به ولايته الثانية والأخيرة.
تحرير الموصل مطلوب ، اذاً ، ومرغوب فيه عراقياً واميركياً . لكن ماذا بعد الإنتصار؟ المراقبون المتفائلون يقولون إن التحرير سيدشن مرحلة جديدة في مسار اعادة توحيد البلاد. المتشائمون يخشون من انفجار مراجل الأحقاد والنوازع الطائفية والاهواء السياسية المتضاربة، ومن قيام الاميركيين ، مباشرةً او مداورةً ، بصبِّ الزيت على نارها بغية النيل ، في الوقت نفسه، من ايران وحلفائها داخل العراق.
في سوريا ، يشعر الأسد وحلفاؤه بأن واشنطن تنتهج سياسةً مراوغة ومخادعة وان ما تهدف اليه في التحليل الاخير هو تقسيم سوريا خدمةً لأمن اسرائيل ومصالحها الاقليمية وتطويقاً لنفوذ ايران المتنامي في المنطقة . تجلّى مخطط واشنطن التقسيمي في دعم تنظيمات ما يسمى "الإسلام الجهادي" من جهة والتنظيمات الكردية الانفصالية من جهة اخرى، وكذلك في تعطيل مساعي التهدئة والمحادثات الرامية الى استشراف حل سياسي للصراع. كما تجلّى تنفيذ المخطط الاميركي بشكل فاقع اخيراً بقصفٍ جوي لمواقع حاكمة محيطة بمطار دير الزور لتمكين "داعش" من السيطرة عليه . ويبدو ان القيادات السياسية في دمشق وطهران وموسكو توصّلت الى قناعة بأن تعجيل واشنطن بفتح معركة إزاحة "داعش" من الموصل يرمي الى دفع مقاتليه للتوجّه نحو محافظتي الرقة ودير الزور بقصد توفير القدرات العسكرية اللازمة لمواجهة الجيش السوري وإقامة كيان سياسي انفصالي على طول الحدود السورية - العراقية يمتد من طرف محافظة الحسكة في الشمال الى نقطة تلاقي الحدود مع الاردن في الجنوب . الغاية الإستراتيجية المرتجاة من هذا الكيان– الإسفين فصل سوريا عن العراق وبالتالي عن ايران . بذلك يتّم تعطيل فعالية محور قوى المقاومة ( الجيش السوري وحزب الله والحرس الثوري الإيراني مدعومين بالطيران الحربي الروسي) ، وتسريع عملية تفكيك سوريا نفسها الى جمهوريات موز ركيكة قائمة على اساس طائفي واثني وقبلي ، وعزل ايران بعيداً عن قلب عالم العرب ما يعزز امن "اسرائيل" ويُطلق يدها في المنطقة .
في المقابل ، ادّى نجاح القيادة السورية في تحقيق مصالحات وطنية وازنة في داريا والقَدَم والوعر وتالياً خروج مجاميع من مقاتلي التنظيمات الإرهابية من تلك المناطق الى تحرير ما لا يقل عن عشرة الآف جندي سوري من اعباء مواجهتها عسكرياً ، وبالتالي ادى الى زجّ هذه القوات النظامية بلا ابطاء في جبهات اخرى ساخنة ، تأتي في مقدمها جبهة حلب ومحيطها. الى ذلك ، يبدو ان دمشق وطهران وموسكو ادركت ان تحوّل اوباما في نهاية ولايته الى "بطة عرجاء" بطيئة الحركة ومحدودة التأثير يتيح لقوى محور المقاومة انسب الفرص للإنتقال من الدفاع الى الهجوم وتحقيق مكاسب ميدانية وسياسية وازنة.
هديّتا حلب والموصل ستصلان ، على ما يبدو ، الى صاحبتيهما ، سوريا وهيلاري كلينتون ، قبل الإنتخابات الرئاسية الاميركية مطلعَ تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل...