نشرت بجريدة" الخليج" والبناء"
تاريخ 17/9/2016
روسيا "تنوب" عن سوريا في الجولان
و"النصرة" عن اميركا في حلب وادلب ؟
د. عصام نعمان
اميركا وروسيا اتفقتا على اعلان "هدنة مؤقتة " في سوريا. هدنة للتهدئة لا للتسوية . غاية الهدنة ايصال المساعدات الإنسانية الى السكان المدنيين . هي ، اذاً، لا تشمل الإرهابيين . الحرب على هؤلاء ستستمر بالتنسيق بين واشنطن وموسكو.
من هم الإرهابيون ؟ إنهم "داعش" و"النصرة" (التي تلقّب نفسها "فتح الشام") وحلفاؤهما.
من هم الحلفاء ؟ إنهم اطراف "المعارضة السورية المعتدلة" الذين لم يفكّوا ارتباطهم بالتنظيمين الإرهابيين.
معظم الأطراف "المعتدلة" ايّدت الهدنة وإن كانت اعترضت على ضرب اطرافٍ منها ما زالت تقاتل سوريا وجيشها . هؤلاء يتباطأون في فك الإرتباط . يتذرعون بوجود تداخل متعدد الوجوه مع "النصرة" يصعب التملّص منه.
موسكو ترفض هذه الذريعة . تعتقد ان واشنطن ليست جادة في فصل "المعتدلين" عن "النصرة". مازال لـِ "النصرة" وحلفائها دور في المخطط الاميركي لمقاتلة الحكم في سوريا بقصد إضعافه . تلتقي ضمنياً في هذا المجال مع دمشق التي تتهم واشنطن وتل ابيب بإستهداف وحدة سوريا السياسية والجغرافية . الدليل ؟ سماح "اسرائيل" لـِ "النصرة " بالسيطرة على مناطق في الجولان السوري محاذية للقسم المحتل منه ، ونقل المئات من مقاتليها الجرحى الى مستشفياتها للمعالجة والرعاية فضلاً عن مساندة "النصرة" بين الفينة والفينة بقصف مواقع الجيش السوري وقواته في الجوار.
مع اتفاق اميركا وروسيا على اعلان "هدنة مؤقتة" ، اتخذت مساندة "اسرائيل" لـِ "النصرة" شكلاً مباشراً وفاقعاً : قصف شديد لمواقع مدفعية متقدمة للجيش السوري في منطقة القنيطرة مقروناً بطلعات استكشافية واسنادية للمقاتلات الاسرائيلية في سماء الجنوب السوري.
دمشق كانت ، على ما يبدو ، تتوقع تحرشاً اسرائيلياً وشيكاً وعلى استعداد لمواجهته ، فأمرت دفاعاتها الجوية بالرد ، وكان ان أسقطت مقاتلة اسرائيلية من طراز اف -16 وطائرة استطلاع من دون طيار.
صحيح ان "اسرائيل" انكرت إسقاط الطائرتين ، لكنها لم تنكر واقعة التصدي السوري الفوري للعربدة الجوية الصهيونية . وسائل الإعلام الإسرائيلية سارعت الى ابراز الدلالة الإستراتيجية للمواجهة. اجمعت على انها تحوّلٌ بارز وان دمشق باتت مستعدة لرد الكيل كيلين ، وانها ما كانت لتفعل ما فعلت لولا مساندة مسبقة من حليفيها الروسي والإيراني.
موسكو قطعت الشك باليقين . وزير خارجيتها سيرغي لافروف سارع الى الإعلان بأن "النصرة" في الجولان ليست مشمولة بإتفاق الهدنة، وان من حق دمشق ضربها . اكثر من ذلك ، تبرّم من تهاون واشنطن مع "النصرة" وتلكؤها في حمل حلفائها على الإنفصال عنها ، ولوّح بكشف مضمون الإتفاقات المعقودة مع واشنطن في هذا السياق.
كل هذه الواقعات هددت ، ظاهراً، اتفاق "الهدنة المؤقتة" بإنهيارٍ مبكّر . لكن اوساط اهل القرار في موسكو ودمشق استبعدت ذلك. اسرّت الى مقرَّبين بأن اتفاق الدولتين العظميين ، وإن كان لا يضمن نهاية وشيكة للقتال واستئناف مبكّر للمفاوضات بين الأطراف المتحاربة ، حكماً ومعارضة، إلاّ انه ينطوي على اجراءات سيجري تطبيقها مباشرةً او مداورةً لإحتواء الصراع الدموي الطويل والإعداد التدريجي لمحاصرته تمهيداً لإجتراح تسوية سياسية . في هذا السياق ، تُمكن الاشارة الى الإجراءات الآتية:
· التخفيف من نشاط سلاح الجو السوري في منطقتيّ حلب وادلب لتشجيع فصائل "المعارضة المعتدلة" على الإنفصال عن "النصرة" ، مع الحرص على التشدد في مقاتلة "داعش" و"النصرة" بريّاً للحؤول دون استغلالهما الهدنة لإعادة هيكلة قواتهما او محاولة استعادة ما خسرته من مواقع ومناطق.
· عدم إحراج واشنطن بمطالبتها بالتنسيق مع موسكو لضرب مواقع"النصرة" في منطقتي حلب وادلب كي يبقى لها نفوذ وتأثير لدى فصائل "المعارضة المعتدلة" التي تشعر بأن واشنطن" باعتها" في صفقة تفاهمها مع موسكو.
· تكليف سلاح الجو الروسي الإنابة عن سلاح الجو السوري في ضرب "النصرة" وحلفائها في منطقة الجولان والحؤول تالياً دون قيامها ، بدعمٍ من "اسرائيل" ، بمحاولة التمدد في محافظتي درعا والسويداء . إن من شأن هذا الإجراء لجم "اسرائيل" التي لن تتهور بالتصدّي للمقاتلات والقاذفات الروسية.
· محاولة حصر عملية إنهاء وجود "داعش" في الرقة باميركا وروسيا بعيداً من دمشق وذلك لتفادي تعزيز مركزها السياسي في المفاوضات التي ستجري في قابل الأيام .
· التركيز على عمليات إيصال المساعدات الإنسانية الى المناطق المحاصرة ، وتمكين المنظمات الإنسانية من الوصول اليها لنقل الجرحى والمرضى الى المشافي والمناطق الآمنة.
ليس هناك مَن وما يضمن نجاح الإجراءات سالفة الذكر ، ذلك ان بعض الأطراف المحاربة ما زال مقتنعاً بأن السبيل الافعل لتحقيق الأهداف هو في استمرار القتال لتحقيق انتصار يعزز مركزه السياسي في المفاوضات اللاحقة. هذا من شأنه اطالة امد الحرب واستنزاف الأطراف المتحاربة بشرياً ومادياً وعمرانياً.
بإختصار ، ما من نور يلوح بعد في نهاية نفق الأزمة المستعصية ذات الأبعاد الاقليمية المتعددة والمترابطة في حسابات كبار اللاعبين.