نشرت بجريدة"القدس العربي" و"البناء"
تاريخ 12/9/2016
لا انتخابات ولا تمديد للبرلمان...
فكيف نواجه متاهة الفراغ الشامل ؟
د. عصام نعمان
من الممكن ، بل من المرجّح ، ان يصل اللبنانيون ، مسؤولين ومواطنين ، الى شهر آذار/ مارس 2017 وهم بلا رئيسٍ للجمهورية ، وبلا قانونٍ للإنتخابات وبالتالي من دون مجلسٍ للنواب ، بل في حالٍ سياسية متفجرة يتعذّر معها على البرلمان الحالي ( الممددة ولايته مرتين) تمديد ولايته مرةً ثالثة ، وربما تكون حكومة الرئيس تمام سلام مستقيلة ايضاً وفي حال تصريف الاعمال...
نعم ، من الممكن ، بل من المرجّح ، ان يصل لبنان الى حالٍ من الفراغ السلطوي الشامل بدليل:
- ان مجلس النواب عاجز عن انتخاب رئيسٍ للجمهورية منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان اواخرَ شهر ايار/ مايو 2014 . وليس ثمة ما يشير الى امكانية التوافق على انتخاب رئيسٍ جديد في المستقبل المنظور.
- ان مجلس النواب عاجز عن الإجتماع للقيام بمهامه الإشتراعية منذ اشهر وسنوات لإستنكاف فريق كبير من النواب عن الحضور بدعوى عدم جواز التشريع بوجود شغور في رئاسة الجمهورية.
- ان مجلس الوزراء عاجز عن الإجتماع بإنتظام للقيام بمهامه التنفيذية بل إن الخلافات المتمادية بين الوزراء الذين يمثلون التكتلات النيابية المتناحرة تهدد الحكومة بشللٍ كامل وربما تدفعها الى الإستقالة ايضاً.
- ان الخلافات والمناحرات بين اركان طاولة الحوار الوطني قد وصلت الى حدٍّ حملت رئيس مجلس النواب على تعليق الحوار الى اجل غير مسمى.
- ان الازمات الإقتصادية والإجتماعية التي تعصف بالبلاد تتزايد وتتناسل من دون ان تلّقى من السلطات المختصة اية معالجة جدّية على مدى اشهر وسنوات .
كل هذه الادلة والشواهد تجعل من فراغ السلطة الشامل احتمالاً ماثلاً ، فما العمل ؟
اهل السلطة من محترفي السياسة وصنّاع الأزمات والمتعايشين معها يسارعون الى "طمأنة" المتخوّفين بالقول إن لبنان عاش تجربةً سياسية واقتصاديــة قاسيــة بيـــن 1972
و 1992، ومع ذلك تمكّن اهل السلطة من ادارتها وتجاوزها بتمديد ولاية مجلس النواب سحابة عشرين سنة الى ان استقامت الأمور بإقرار اتفاق الوفاق الوطني (الطائف ) وإجراء اول انتخابات بعده صيفَ العام 1992 .
محترفو السياسة هؤلاء يعتقدون انهم لن يُعدموا الذرائع والوسائل اللازمة لتمديد ولاية مجلس النواب ولو قبل ساعات معدودات من انتهاء ولايته الممددة ، وان ذلك يُعطي الوضع السياسي جرعةً كافية من "الشرعية" اللازمة لإبقائه ، وابقائهم ، على قيد الحياة.
سياسيون آخرون أبعد نظراً واكثر حنكة لا يستبعدون ان تتطور الأحداث ، سياسياً وامنياً ، على نحوٍ يصل معه اللبنانيون ، مسؤولينَ ومواطنين ، الى فوضى ومتاهة يستحيل معهما إجراء انتخابات نيابية ، كما تستحيل "شرعنة" الوضع السياسي باللجؤ الى المزيد من الشيء نفسه ، اي الى التمديد لمجلس النواب، والتمديد لمجلس الوزراء ، ومعاودة إنعقاد طاولة الحوار ، وإلهاء الناس بمواقف ومظاهر لا تُغني ولا تُسمن من جوع .
اذا كان احتمال الفراغ السلطوي الشامل ماثلاً ومعالجته بالأساليب التقليدية متعذّرةً ، ما العمل ؟
السؤال مطروح ليس على اهل سلطة العجز بطبيعة الحال بل على القوى الوطنية الحيّة ودعاة التغيير والمواطنين الطيّبين الشرفاء . هؤلاء مدعوون الآن وليس غداً الى التحوّط لإحتمال الفراغ السلطوي الشامل وتداعياته السياسية والأمنية وذلك بالمبادرة الى وضع تصوّر وخطة لمواجهته قبل ان تدهمنا جميعاً الفوضى والمتاهة .
يدرك اهل التغيير انهم سيكونون وحدهم في مواجهة تحديات الأزمة المستفحلة ، وان القوى العربية الصديقة لن تستطيع مساندتهم ، وان القوى الخارجية المعادية التي كانت تدعم خصومهم من اهل نظام الطائفية والفساد والتبعية أضحت غير متمكّنة لإنشغالها بالحروب والفتن التي افتعلتها في مختلف انحاء عالم العرب وباتت عاجزة عن التحكم بها.
كما يُدرك اهل التغيير انه محكوم عليهم ، بجميع مشاربهم والوانهم ، بأن يتكتّلوا ويتضامنوا، وانهم بذلك يصبحون اكبر كتلة شعبية وازنة في البلاد ، وانه سيكون في مقدورهم عندئذٍ ان يمارسوا تأثيراً نوعياً يفوق حجمهم العددي ، وان قوى وطنية وشعبية اخرى ممن تتلهى حالياً بلعبة السلطة في اروقة اهل النظام ستجد نفسها مضطرة الى اللحاق بأهل التغيير وبحركتهم الشعبية المتعاظمة كي لا تفوتها ثمار موسم الحصاد ، وان كرة الثلج الشعبية المتدحرجة سيتعاظم حجمها لدرجة تضطر معها الشبكة الحاكمة الى استعادة رشدها والتراجع عن صلفها فتتوافق ، مع غيرها ، على إقرار قانونٍ للإنتخابات على اساس النسبية في دائرة وطنية واحدة او ، اقلّه، في دوائر خمس كبرى.
اما اذا امعنت الشبكة الحاكمة في مكابرتها وصلفها ورفضها فإن قوى التغيير وحلفاءها سيكونون، غالباً ، قادرين على تنظيم مؤتمر وطني جامع يتولى وضع وإقرار اصلاحات دستورية وسياسية جذرية ليس اقلّها نظام للإنتخابات على اساس النسبية في دائرة وطنية واحدة وعلى المبادرة بلا إبطاء الى اجراء انتخابات نيابية بمعزل عن سلطة العجز على كامل الاراضي اللبنانية دونما معوّقات ادارية او امنية مؤثرة من اي جهة سياسية او رسمية . فالإنتخابات المرتجاة ستكون اشبه بإستطلاعٍ للرأي سبق لمؤسسات عدّة متخصصة ان اجرت بسهولة نماذج منه على مستوى لبنان كله .
الجيش اللبناني لن يقوم من تلقاء نفسه او بطلب من سلطة العجز بإعاقة انتخابات وطنية ديمقراطية ستكون الاولى من نوعها في تاريخ لبنان المعاصر . فقد استخلص درساً لا ينسى من تجربته مع اهل السلطة ومعارضيهم في الحرب الأهلية مفاده وجوب عدم التدخل ضد او مع ايٍّةٍ من الجهات السياسية المتصارعة اذ يؤدي ذلك الى تصدّعه وتفككه.
الى ذلك ، قد يستجيب الجيش الذي أضحى مع مصرف لبنان المركزي المؤسستين الرسميتين الوحيدتين الممكن اعتبارهما لبنانيتين بإمتياز لإرادة غالبية اللبنانيين فيعلن اعترافه بنتائج الإنتخابات الديمقراطية وبالبرلمان والحكومة المنبثقين منها.
هذا المشهد السياسي يبدو غير قابل للتحقّيق في نظرصنّاع المشهد الطائفي الفاسد السائد وزبانيتهم ممن تعوّدوا العيش في اطار محاصصةٍ يتوزّعون بموجبها مع شركائهم من اركان الشبكة الحاكمة المناصبَ والمكاسب والمغانم والأسلاب . لكنه في منظور اهل التغيير الشجعان والمترعين بإرادة العمل والتصحيح والإصلاح والبناء والانماء امرٌ ممكن ومتاح وواجب الوجود والحضور.