جريد’ "القدس العربي"
والبناء" تاريخ 27/1/2014
"القاعدة" في فلسطين ومصر للجهاد ام للتوريط ؟
د.عصام نعمان
ظاهر الحال يشير الى ان تنظيم "القاعدة" باشر نشاطاً عسكرياً في فلسطين المحتلة ومصر صحيح ان لا بيان صدر عن مرجع " قاعدي" موثوق يؤكد وقوع عمليات مؤثرة ضد الكيان الصهيوني ، لكن سلطات "اسرائيل" الامنية كشفت مؤخراً عن اعتقال فلسطينيين بتهمة الإنتماء الى "القاعدة" والتخطيط لعمليات "إرهابية" ، وبأن بعض التنظيمات المعادية لها يخفي ارتباطه بالتنظيم المذكور بأسماء مموّهة
السلطات المصرية لم تتهم "القاعدة" ، بعد ، بالتفجيرات المدوّية التي إستهدفت مديرية امن القاهرة ومراكز للشرطة في بعض أحيائها كما في مدن بني سويف والفيوم ودمياط والسويس ، لكنها كرّست جماعة الاخوان المسلمين تنظيماً إرهابياً بعدما حلّته رسمياً وكان مسؤولون امنيون في القاهرة وسيناء ابدوا شكوكاً في احتمال ان تكون "جماعة انصار بيت المقدس" ، الناشطة في مختلف مناطق البلاد ، تنظيماً مرتبطــــــــــــــــــاً بـِ "القاعدة"
محدودية العمليات الإرهابية وضآلة المعلومات والادلة بشأنها تحولان دون الإحاطة بأبعاد الانشطة الإرهابية التي ينسبها بعض المسؤولين في "اسرائيل" ومصر الى "القاعدة" ، وعمّا اذا كانت ترمي الى مباشرة الجهاد ضد الكيان الصهيوني ام لتوريط "اسرائيل" في حربٍ ضد حكومة لبنان وحزب الله ، ولتوريط حكومة مصر في نزاع مع حركة "حماس" المسيطرة في قطاع غزة
صحيفة "يسرائيل هيوم" (23/1/2014 ) كشفت ان الرقابة العسكرية الإسرائيلية سمحت يوم الأربعاء الماضي بنشر نبأ قيام جهاز الأمن العام (الشاباك) قبل عدة أسابيع بإعتقال ثلاثة شبان فلسطينيين من القدس وجنين بشبهة الإنتماء إلى تنظيم "القاعدة" والتخطيط لعمليات "إرهابية" ولإختطاف جنود إسرائيليين وجاء في لائحة الاتهام أن الشبان الثلاثة كانوا على صلة وثيقة بأحد المسؤولين عن" القاعدة" في قطاع غزة، وكانوا يتلقون أوامر منه من طريق شبكات الانترنت والتواصل الاجتماعي
جهاز "الشاباك" زعم ايضاً أن احد الشبان الثلاثة، إياد أبو سارة ، "اعترف" بأنه خطط لإحضار خمسة من الرعايا الأجانب إلى" إسرائيل" بهويات روسية مزورة للقيام بعمل "إرهابي" مزدوج في "مباني الأمة" بالقدس والسفارة الأميركية في تل ابيب وذلك بزرع عبوات ناسفة وسيارة مفخخة وانتحاريين؛ وان الثاني ، روبين أبو نجمة، "اعترف" بأنه خطط لإختطاف جندي إسرائيلي من محطة حافلات الباص المركزية في القدس وزرع عبوة ناسفة أمام بيت لسكانٍ يهود في منطقة سكنه ؛ وان الثالث ، علاء غانم ، من منطقة جنين "اعترف" بأنه خطط لإقامة خلية "إرهابية" بغية تنفيذ عمليات مسلحة ضد أهداف إسرائيلية ولم يتأخر مصدر أمني إسرائيلي رفيع في الإدعاء بأن قطاع غزة أصبح مرتعاً لتنظيم "القاعدة " وسائر جماعات الجهاد العالمي
بذريعة هذا التشخيص الأمني المقلق ، قامت طائرة لسلاح الجو الإسرائيلي صباح الاربعاء الماضي بشن هجوم على سيارة في شمال قطاع غزة كان يستقلها أحد الناشطين في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ما أدى الى إستشهاده على الفور الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي زعم ان الشهيد كان ضالعاً في عملية إطلاق صواريخ على "إسرائيل" فور الإنتهاء من مراسم تشييع رئيس الحكومة السابق أريئيل شارون ، وان الدافع الى تصفيته هو الحؤول دون الإستمرار في إطلاق صواريخ ضد أهداف إسرائيلية
الى ذلك ، شنّت طائرة إسرائيلية مطلعََ الاسبوع الماضي هجوماً آخر على ناشط من حركة الجهاد الإسلامي ادى الى إصابته بجروح بالغة الناطق بلسان الجيش زعم ان الهجوم جاء على خلفية ضلوع الشهيد في عملية إطلاق صواريخ على مدينة عسقلان
المحلل العسكري لصحيفة "يديعوت احرونوت" (23/1/2014 ) اكد ان هذين الهجومين "يعكسان عودة الجيش الإسرائيلي الى سياسة التصفيات الموضعية بحق ناشطين فلسطينيين ضالعين في عمليات ضد أهداف إسرائيلية الامر الذي يشكّل تغييراً في رد فعل الجيش على إطلاق الصواريخ من القطاع الذي اتسم ، حتى الآن ، بمهاجمة مواقع او بنى عسكرية تحتية تابعة للمنظمات الفلسطينية"
ليس قطاع غزة وحده تحوّل ، في نظر "إسرائيل" ، مرتعاً لتنظيم "القاعدة" بل ان لبنان ايضاً اصبح مثله بعدما وصلت اليه منظمات الجهاد العالمي التي تحمل ايديولوجيا "القاعدة" ، وكان آخرها تنظيم "داعش" الذي توّعد آمره أبو سيّاف الأنصاري حزب الله والنصيريين والجيش اللبناني بعمليات مدمّرة في هذا السياق ، يزعم مسؤولون امنيون اسرائيليون ان النشاط المكثف للتنظيمات "الإرهابية" ادى الى إثارة التوتر من جديد بين لبنان و"إسرائيل" ، ولاسيما جرّاء وقوع حادثتي إطلاق صواريخ كاتيوشا في آب /اغسطس وأيلول/سبتمبر العامَ الماضي ، ومقتل جندي إسرائيلي في موقع رأس الناقورة الحدودي منتصفَ الشهر الماضي على يد جندي لبناني وفي تقدير المسؤولين الإسرائيلين ان هذا الجندي متأثر بأيديولوجيا التنظيمات السلفية المتشددة ، وأن اتصالات مكثفة بين "إسرائيل" والسلطات اللبنانية عبر القوات الدولية "يونيفيل" ساعدت في تفادي تصعيد كبير على الحدود
مع ذلك ، يعتقد قادة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية أن جهات في الجهاد العالمي مرتبطة بـِ "القاعدة" تواصل محاولاتها ، بواسطة تنظيمات "قاعدية" في لبنان ، لجرّ "اسرائيل" الى حمأة الصراع في الداخل اللبناني
في بيروت ، يرى اعلاميون مقربون من حزب الله ان عمليات اطلاق الصواريخ من لبنان ضد "اسرائيل" التي تقوم بها تنظيمات تكفيرية مرتبطـــــة بـ "القاعدة" لا تهدف اساساً الى الإضرار بـِ "إسرائيل" ولا معنية بمواجهتها بقدر ما هي معنية بجرّ الجانب الإسرائيلي للإنخراط في حربها ضد حزب الله عبر ردٍ يخدم هذه الجماعات في حربها ضده في الساحتين اللبنانية والسورية
في مصر ، اعلنت "جماعة انصار بيت المقدس" مسؤوليتها عن تفجير مديرية امن القاهرة ما ادى الى استشهاد نحو ستة اشخاص وإصابة العشرات وإلحاق تخريب مريع بمتحف الفن الإسلامي كما جرى إستهداف مراكز للشرطة في بعض احياء العاصمة غير ان ردود الفعل في صفوف ابناء الشعب الساخطين تجاوزت تبني "انصار بيت المقدس" للعملية الإرهابية وثابرت على إتهام الاخوان المسلمين بإرتكابها ، كما بإرتكاب تفجيرات مماثلة في مناطق اخرى
الواقع ان السلطات العسكرية في مصر كما في "إسرائيل" تعرف ان "جماعة انصار بيت المقدس" لم تبدأ نشاطها بتفجير مديرية امن القاهرة ذلك انها اطلقت صاروخين يوم الاثنين الماضي على مدينة ايلات الإسرائيلية من دون وقوع اصابات بشرية وكانت ايلات تعرّضت خلال 2013 الى ثلاث عمليات اطلاق صواريخ من سيناء كان آخرها في آب/اغسطس الماضي ، وقد نُسبت في حينه الى جماعات اسلامية متطرفة
لم يصدر عن القيادة العسكرية الإسرائيلية حتى الآن ما يفيد ان العمليات التي تقوم بها "جماعة انصار بيت المقدس" لها علاقة بالوضع المتوتر بين سلطات الإحتلال الإسرائيلي ومنظمات المقاومة في قطاع غزة لكن محللين سياسيين مصريين لا يستبعدون ان تكون الغاية منها توريط مصر في نزاع مع حركة "حماس" وتحميلها المسؤولية كونها السلطة الحاكمة في قطاع غزة
يتحصّل من كل هذه التطورات ان صفحة جديدة من الصراع قد فتحها تنظيم "القاعدة" في مصـر ولبـنان وفلسطين المحتلة بالإضافة الى العراق وسوريا واليمن وليبيا، وان نشاط "الإسلام القاعدي " بات يعمّ المنطقة كلها