نشرت بجريدة"الخليج "
تاريخ 6/7/2016
ازمة لبنان
هل من مخرج في ظل حال اللادولة ؟
د. عصام نعمان
لبنان في أزمة . يتجلّى عمق الأزمة واستفحالها بعجز اهل السلطة عن الوفاء بإستحقاقات عدّة ابرزها انتخاب رئيس الجمهورية بعد شغور سدة الرئاسة اواخرَ شهر ايار 2014، واجراء الإنتخابات النيابية بعد انتهاء ولاية مجلس النواب منتصفَ شهر حزيران 2013 وإبتداء مهزلة التمديد لأعضائه ، وانعدام التشريع تالياً، وشلل مجلس الوزراء وغياب سلطة التقرير والتنفيذ ، واستشراء التسيّب والإرهاب وإختطاف العسكريين ، والإهدار والفساد والمحاصصة، وفضائح النفايات، والانترنت ، والنفط والغاز ، وتلويث نهر الليطاني ، وتجاوز الدين العام عتبة الثمانين مليار دولار.
الخروج من الأزمة يبدأ بإجراء انتخابات نيابية على اساس قانونٍ ديمقراطي عادل للإنتخاب يتفادى اخطاء الماضي وخطاياه ، ويكفل صحة التمثيل الشعبي وعدالته ، وتوليد قيادات جديدة ملتزمة سلوكية المواطنة ، وتحقيق الإصلاحات السياسية والإقتصادية والإجتماعية المرتجاة.
إن نظام التمثيل النسبي على اساس لبنان دائرة انتخابية واحدة خارج القيد الطائفي يكفل بالتأكيد الوفاء بالإستحقاقات ، وتحقيق الإصلاحات ، وإلتزام احكام الدستور من حيث :
اولاً ، معالجة شرذمة اللبنانيين المفتعلة بأن يضعهم ، مجتمعين ، على مستوى الجمهورية برمتها امام التحديات والأزمات نفسها ويمكّنهم ، مجتمعين ايضاً ، من ان يختاروا من بين الكتل والبرامج السياسية المتنافسة الأفضلَ والأقدرَ على معالجتها وايجاد الحلول الناجعة.
ثانياً ، تطبيق أحكام المادة 27 من الدستور التي تنصّ على ان النائب يمثل الأمة جمعاء، ايّ اللبنانيين جميعاً، فيصبح بإمكان المواطنين ، جميع المواطنين ، في إطار الدائرة الوطنية الواحدة ، ممارسة حق الإنتخاب ، والإفادة من إلغاء التفاوت غير الدستوري في احجام الدوائر الإنتخابية ، وعدد المقاعد النيابية ، وعدد الناخبين في كلٍّ منها ، وتعطيل دور المال السياسي في الإنتخابات.
ثالثاً ، تسهيل تطبيق أحكام المادة 22 من الدستور، ولاسيما لجهة إنتخاب مجلس نيابي على أساس وطني لاطائفي، وتطبيق احكام المادة 95 من الدستور، ولا سيما لجهة إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية.
رابعاً ، تحقيق عدالة التمثيل الشعبي بتنظيم الإنتخابات في الدائرة الوطنية الواحدة على اساس تنافس لوائح (تكتلات وائتلافات) لكلٍّ منها برنامج سياسي ، فيقترع الناخبون لواحدةٍ منها، مع حق الناخب بصوت تفضيلي لأحد مرشحيها، وتفوز كل لائحة (او تكتل) بنسبة مئوية من المقاعد النيابية تعادل النسبة المئوية التي تنالها من مجموع عدد المقترعين.
خامساً، تمكين مجلس النواب الجديد من انتخاب رئيس الجمهورية الجديد وبالتالي انبثاق حكومة وطنية جامعة تكون أُولى اولوياتها وضع التشريعات والمراسيم اللازمة لتحقيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المستحقة ما يؤدي الى إرساء قواعد متينة لإدارة التنوع اللبناني ، ولتفادي الازمات الدورية التي تعصف بالبلاد وتهدد كيانها الوطني بالإنهيار.
لمواجهة خطر الإنهيار يقتضي اطلاق مبادرة وطنية نهضوية خيارُها الإنتقال من حال اللادولة الطوائفية الفاسدة الى الدولة المدنية الديمقراطية وذلك بقيام القوى والقيادات الوطنية والديمقراطية والتقدمية في المجتمع السياسي ، كما الهيئات والنقابات الناشطة في المجتمع المدني، بإرسائها على الاسس الآتية :
* اعتبار الدولة المدنية الديمقراطية جوهر طموحات اللبنانيين ورسالتهم الى عالم العرب.
* الإقرار بالتنوع كخصوصية لبنانية ومصدر ثراء حضاري ، وإعتماد الديمقراطية قاعدةً لإدارة التنوع وضمانة للنظام السياسي الأفضل للبلاد.
* بناء مفهوم المواطنة بتجاوز الطائفية في الدولة والمجتمع من خلال خطط مرحلية تتناول ميادين السياسة ، التربية والتعليم ، الثقافة ، ومكافحة التمييز بكل اشكاله.
* تكريس حياد الدولة بين المؤسسات الدينية.
* سنّ قانون مدني اختياري للاحوال الشخصية.
* دعم استقلال السلطة القضائية بتمكين القضاة من إنتخاب أعضاء المجلس الأعلى للقضاء بصفته المرجع المختص بتعيين القضاة ونقلهم وترقيتهم وتأديبهم وتحديد تخصصاتهم.
* اعتماد نظام التمثيل النسبي بما هو مدخل لعملية الإصلاح السياسي وضمانة لإدارة التنوع في ظل نظامٍ ديمقراطي.
ظنّ بعض ذوي النيات الطيبة ان الطريق الآمن لتحقيق الإصلاحات سابقة الذكر هو في إضطلاع "طاولة الحوار الوطني" وبالتالي مجلس النواب بالمسؤولية الوطنية والدستورية الملقاة على عاتق اهل القرار لجهة إقرار التشريعات وإتخاذ القرارات اللازمة. غير ان التقصير الفادح الناجم عن إصرار معظم زعماء التكتلات البرلمانية على تفصيل قانون الإنتخاب على مقاسات مصالحهم الشخصية زاد الأزمة الراهنة تعقيداً واستفحالاً وقد يؤدي الى انهيار الكيان الوطني . وفي هذه الحال، تنتقل مسؤولية الإنقاذ والإصلاح ، بالضرورة ، من المجتمع السياسي الرسمي الى المجتمع المدني وقواه الشعبية ونقاباته وقياداته الفاعلة.
استعداداً لهذا الإحتمال الماثل ، اجتمع ممثلو اكثر من 30 حزباً وتنظيماً سياسياً وهيئة في المجتمع المدني وتوافقوا على اقامة "هيئة التنسيق الوطنية من اجل النسبية" لتحقيق مطلب مركزي واحد :"التمثيل النسبي في دائرة وطنية واحدة خارج القيد الطائفي" . ولتحقيق هذا الهدف نظمت الهيئة اعتصاماً شعبياً في اول ايام انعقاد "طاولة الحوار الوطني" الرسمية مطلعَ الأسبوع . بعض اركان الطاولة ما زلوا يأملون بأن تنجح بعد مخاضها الطويل والمتعثر في التوافق على مشروع قانون جديد للإنتخابات.
الحاكمون يأملون ، والمحكومون يستبعدون، نجاحَ اهل لسلطة في انجاز اي إصلاح للنظام الإنتخابي في ظل حال اللادولة والفساد والمحاصصة والفوضى التي يرتع فيها لبنان . لذا فــإن الكلمة الأخيرة ستكون للشارع الوطني. أليس الشعب في نهاية المطاف مصدر السلطات ؟