نشرت بجريدة " البناء" و"القدس العربي"
تاريخ 25/7/2016
في قانون الإنتخاب ...
هل تكون الكلمة الأخيرة للشارع ؟
د.عصام نعمان
ينطق حاضر لبنان بحقيقة جارحة هي انه بات في حال اللادولة ، أو في حال "الدولة الفاشلة" ، على حد تعبير مجلة "فورن بوليسي" Foreign Policy الأميركية ، إذ يحتل المرتبة 18 من أصل 60 دولة في وضع مماثل. إستمراره في هذه الحال ، وسط الأزمات والتحديات الإقليمية والدولية المتفاقمة ، يُشكّل خطراً ماثلاً على كيانه الوطني وقد يتسبّب ، عاجلاً أو آجلاً، بإنهياره.
تفادي الإنهيار يتطلب قيام مبادرة وطنية نهضوية خيارُها الإنتقالُ من حال اللادولة الطوائفية الفاسدة الى الدولة المدنية الديمقراطية ، ونهجُها تنفيذُ جوهر التسوية التاريخية المتمثلة بإتفاق الوفاق الوطني (الطائف) الذي أُدمجت احكامه الأساسية في صلب الدستور ، ولاسيما المادتين 22 و 95 منه .
التوجّهات
لعل المنطلق الأفضل للمبادرة الوطنية النهضوية المطلوبة هو في قيام القوى والقيادات الوطنية الديمقراطية في المجتمع السياسي ، كما الهيئات والنقابات الناشطة في المجتمع المدني، بإطلاقها وفق التوجّهات والاسس الآتية :
* اعتبار الدولة المدنية الديمقراطية جوهر طموحات اللبنانيين ورسالتهم الى عالم العرب.
* الإقرار بالتعددية كخصوصية لبنانية ومصدر ثراء حضاري ، وإعتماد الديمقراطية قاعدةً لإدارة التنوع وضمانة للنظام السياسي الأفضل للبلاد.
* بناء مفهوم المواطنة بتجاوز الطائفية تدريجاً في الدولة والمجتمع من خلال خطط مرحلية تتناول ميادين السياسة ، التربية والتعليم ، الثقافة ، أنشطة المجتمع المدني، مساواة المواطنين امام القانون ، ومكافحة التمييز بكل اشكاله.
* كفالة حرية العقائد الدينية امام القانون ، وممارسة شعائرها شرط عدم الإخلال بالنظام العام .
* تكريس حياد الدولة بين المؤسسات الدينية.
* سن قانون مدني اختياري للاحوال الشخصية.
* اعتماد نظام اللامركزية الإدارية في ظل سلطة مركزية قوية.
* وضع قانون ديمقراطي للأحزاب والجمعيات.
* دعم استقلال السلطة القضائية بتمكين القضاة من إنتخاب غالبية أعضاء مجلس القضاء الأعلى بصفته المرجع المختص بتعيين القضاة ونقلهم وترقيتهم وتأديبهم وتحديد تخصصاتهم.
* اعتماد نظام التمثيل النسبي بما هو مدخل لعملية الإصلاح السياسي وضمانة لإدارة التنوع في ظل نظامٍ ديمقراطي.
الإنتخابات ونظامها
يتجلّى عمق الأزمة واستفحالها بعجز السلطة السياسية عن الوفاء بإستحقاقات عدّة ابرزها انتخاب رئيس الجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان اواخرَ شهر ايار 2014، واجراء الإنتخابات النيابية بعد انتهاء ولاية مجلس النواب منتصفَ شهر حزيران 2013. من هنا فإن إحياء الحياة السياسية الدستورية والخروج من الأزمة يبدأ بإجراء انتخابات نيابية على اساس قانونٍ للإنتخاب يتفادى اخطاء تجارب الماضي من جهة ويكفل الإلتزام بأحكام الدستور وتحقيق الإصلاحات المرتجاة من جهة اخرى.
لعل نظام التمثيل النسبي على اساس لبنان دائرة انتخابية واحدة يكفل اكثر من غيره تفادي الأخطاء وتحقيق المرتجيات وإلتزام احكام الدستور من حيث :
* معالجة انقسام اللبنانيين وتشرذمهم بأن يضعهم ، مجتمعين ، على مستوى الجمهورية برمتها امام التحديات والصعوبات نفسها ، ويمكّنهم مجتمعين ايضاً ، من ان يختاروا من بين الكتل والبرامج السياسية المتنافسة من هو الأفضل لمعالجتها وايجاد الحلول لها.
* تطبيق مضمون المادة 27 من الدستور التي تنصّ على ان النائب يمثل الأمة جمعاء كي يصبح بإمكان المواطنين جميعاً ، في إطار الدائرة الوطنية الواحدة ، ممارسة حق الإنتخاب ، والإفادة من إلغاء التفاوت غير الدستوري في احجام الدوائر الإنتخابية وعدد الناخبين كما عدد المقاعد النيابية في كلٍ منها عند اعتماد نظام التمثيل الأكثري، وتعطيل دور المال السياسي في الإنتخابات.
* تسهيل تطبيق المادة 22 من الدستور التي تقضي بإنتخاب مجلس نيابي على أساس وطني لاطائفي ومجلس للشيوخ لتمثيل الطوائف .
* حصر صلاحيات مجلس الشيوخ بالقضايا الأساسية ( معظمها وليس كلها) المنصوص عليها في المادة 65 من الدستور ، على ان تبقى لمجلس النواب صلاحية تشمل جميع وجوه التشريع كونه صاحب ولاية شاملة في هذا المجال.
* الإسهام ، بعد إستحداث مجلس الشيوخ ، في حصر التمثيل الطائفي والمذهبي في المجلس المذكور على اساس المناصفة المنصوص عليها في المادة 24 من الدستور.
* تحقيق عدالة التمثيل الشعبي بتنظيم الإنتخابات في الدائرة الوطنية الواحدة على اساس تنافس لوائح (تكتلات وائتلافات) مرشحين لكلٍّ منها برنامج سياسي ، فيقترع الناخبون لواحدةٍ منها ، مع حق الناخب بصوت تفضيلي لأحد مرشحيها ، وتفوز كل لائحة (او تكتل) بنسبة مئوية من المقاعد النيابية تعادل النسبة المئوية التي تنالها من مجموع عدد المقترعين.
* الحؤول دون قيام الطوائف والمذاهب بالتصويت لكتلة واحدة صمّاء او بإتجاه واحد كما في النظام الاكثري الامر الذي يفسح المجال لمختلف الجماعات والتيارات داخل الطائفة والمذهب الواحد ، كما لسائر الفئات ، للمنافسة ويؤدي الى تفتيت ايّ اكثرية طائفية او مذهبية الى مجموعة اقليات سياسية قادرة على ان تتمثل في مجلس النواب اذا ما نالت عدداً من الأصوات يفوق نصاب الإبعاد (او العتبة القانونية المقررة للفوز).
* تأمين صحة العملية الإنتخابية ، ولا سيما اذا ما جرى اعتماد الإصلاحات التنظيمية المنصوص عليها في توصيات اللجنة المختصة بإصلاح قانون الإنتخاب المعروفة بإسم لجنة فؤاد بطرس.
* إقرار قانون الإنتخاب الجديد على الاسس المبيّنة آنفاً بالسرعة الممكنة للإسراع في إعداد الموظفين وتدريبهم على تنفيذ احكامه وترتيباته قبل حلول موعد الإنتخابات القادمة خلال ربيع العام 2017 .
* تمكين مجلس النواب الجديد من انتخاب رئيس الجمهورية ( اذا لم يكن قد انتخب بعد ) وانبثاق حكومة جديدة منه تكون أُولى اولوياتها وضع التشريعات والترتيبات اللازمة لتطبيق احكام المادة 22 من الدستور.
المقاربة
لعل الطريقة الأقصر لتحقيق الخطوات والإصلاحات السابقة الذكر هي إضطلاع طاولة الحوار الوطني وبالتالي مجلس النواب بالمسؤولية الوطنية والدستورية الملقاة على عاتق اهل القرار لجهة إقرار التشريعات وإتخاذ القرارات ذات الصلة . ذلك ان اي تقصير في هذا المجال سيزيد الأزمة الراهنة تعقيداً واستفحالاً ما يؤدي الى انهيار الكيان الوطني ، وفي هذه الحال تنتقل مسؤولية الإنقاذ والإصلاح من المجتمع السياسي وقيادييه الى المجتمع المدني وقواه الشعبية ونقاباته وقياداته الفاعلة.
استعداداً لهذا الإحتمال الماثل ، اجتمع ممثلو اكثر من 30 حزباً وتنظيماً سياسياً وهيئة من منظمات المجتمع المدني وتوافقوا على اقامة "هيئة التنسيق الوطنية من اجل النسبية" لتحقيق مطلب مركزي واحد : " التمثيل النسبي في دائرة وطنية واحدة خارج القيد الطائفي" . وقد قررت الهيئة تنظيم اعتصام شعبي كبير في 2 آب المقبل في بيروت ، اي في اول ايام انعقاد "طاولة الحوار الوطني" الرسمية التي يأمل راعيها ، رئيس مجلس النواب نبيه بري ، بأن تنجح بعد مخاضها الطويل في التوافق على مشروع قانون جديد للإنتخابات .
الحاكمون يأملون ، والمحكومون يستبعدون ، نجاح اهل سلطة العجز في تحقيق اي إصلاح في ظل حال اللادولة والفوضى التي يرتع فيها لبنان . فهل تكون الكلمة الأخيرة للشارع الوطني ؟