جريدة "الخليج"
تاريخ 25/1/2014
اي مفاوضات مع معارضات وتدخلات؟
د. عصام نعمان
الحرب بالوكالة ممكنة المفاوضات بالوكالة غير مجدية الكبار تحاربوا بصغارهم في سوريا ، فهل يتفاوضون بصغارهم ايضاً في سويسرا ؟
الحرب في مونترو السويسرية كانت مشهدية مسلية لكن غير مجدية لماذا؟ لأنها كانت مجرد متابعة بالصوت والصورة لحوار بالنار يجري في الميادين السورية
صوت الحكم السوري في مونترو كان عالياً ومتحدياً بينما صوت المعارضة السورية كان خافتاً لماذا ؟ لأن الحكم واحد موحّد بينما المعارضة متعددة مشتتة ثمة سبب آخر أيضاً : الحكم تحدّث بالاصالة عن نفسه بينما المعارضة تحدثت بالوكالة عن غيرها
لا تستطيع معارضة الخارج ان تتحدث بالاصالة عن معارضة الداخل لأنها غير مفوَّضة بذلك ثمة سبب آخر ايضاً: إنها معارضة بلا اسنان فالمعارضة او المعارضات المحاربة على الارض رافضة مبدأ المفاوضة او ، في الاقل ، غير موافقة على تفويض "الإئتلاف" غير المؤتلف تمثيلها في مؤتمر جنيف -2
الغريب ان الكبار الذين يدعمون "الإئتلاف" ويعتبرونه الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري يعرفون انه في الواقع ليس كذلك لماذا ؟ لأن اطرافاً اخرى معارضة تدين لهم بالولاء وتحارب نيابةً عنهم انكَرَت عليه صفته التمثيلية وأعلنت انفصالها عنه
في المقابل ، يتحدث الكبار الذين يدعمون الحكم السوري بلغة هادئة شبه حيادية وكأن حليفهم او صديقهم ليس بحاجة الى دعمهم ، وان ما يبتغونه هو الوئام والسلام ليس إلاّ
هل الكبار الذين يدعمون "الإئتلاف" غير جادين في إنجاح مؤتمر جنيف -2 ام انهم في ورطة ؟
الارجح انهم في ورطة سببها الرئيس مطالبتهم بأمورٍ غير قادرين على تحقيقها صحيفة "نيويورك تايمز" حذّرت جون كيري ، صبيحةَ مشهدية مونترو، من "تكبير" حجره فلا يصيب غريمه البراهين كثيرة:
الدعوة الى تشكيل حكومة انتقالية " لايكون الاسد جزءاً منها " كيف لا يكون الاسد ، وهو رئيس لدولةٍ طرف في حكومة انتقالية يُراد تشكيلها ، جزءاً منها ؟ هل تستطيع الولايات المتحدة ، منفردةً ، اقصاءه ؟ هل يستطيع مؤتمر جنيف – 2 ذلك ؟
الجزم بأنه " لن يكون للاسد دور في مستقبل سوريا" كيف يمكن تحقيق ذلك ؟ هل انتصرت قوى المعارضة في الحرب بحيث تستطيع بناء نظام جديد في سوريا بمعزل عن الاسد وحلفائه ؟
بيان مؤتمر جنيف -1 يدعو الى تأليف هيئة انتقالية بالتوافق لأدارة البلاد والإنتقال بها من الحرب الى السلم ما دام التوافق بين الاطراف المتصارعين سياسياً وعسكرياً هو السبيل المحدد لتشكيل الهيئة الإنتقالية، فلماذا التسرع بإملاء شروط تشكيلها وتحديد ادوار اعضائها ؟ وماذا يبقى من مفهوم التوافق اذا كانت قوى خارجية هي التي تتدخل لتشكيل الهيئة المذكورة ؟
دعوة الحكم السوري الى وقف النار ورفع الحصار عن بعض المناطق والموافقة على اقامة ممرات آمنة للمساعدات الإنسانية هل يمكن تحقيق هذه الامور من دون الإتفاق مع الحكم السوري او قبل تشكيل الهيئة الإنتقالية بالتوافق ؟ ثم ، هل يمكن تحقيقها من دون تعاونٍ وإلتزام من طرف تنظيمات المعارضة المسلحة ؟ واذا كان الامر كذلك ، فلماذا لا يصار الى مطالبتها بهذه الامور اسوةً بمطالبة الحكم السوري؟
مستقبل سوريا ، دستوراً ونظاماً وحاكمين ، يقرره شعب سوريا ، فلماذا يدعو بعض الكبار الى رسم اطاره ومضمونه حتى قبل ان تبدأ المفاوضات ؟
الحقيقة ان الإجتماع في مونترو لم يكن إلاّ مشهدية وتمريناً تمهيدياً في الحوار الذي يؤمل تطويره الى مفاوضات غير ان شرط الحوار ومن ثم المفاوضات وجودُ مناخ نفسي وسياسي مساعد على ولوجها وممارستها هذا المناخ لم يتوفّر بعد وقد لاحظ بعض الخطباء هذا النقص ودعوا الى استدراكه لعل ذلك يتحقق بجملة مواقف وتدابير اهمها : وقف الحرب الإعلامية ، وقف ضخ الاسلحة الى الاطراف المتحاربة ، اغلاق حدود الدول المجاورة لسوريا في وجه المرتزقة الزاحفين عليها من اربع جهات الارض ، التوافق بلا إبطاء او مراوغة على مكافحة الإرهاب والإسراع في توحيد شرائح المعارضة الداخلية والخارجية ، السياسية والعسكرية ، في إطار جامع يتيح اوسع تمثيل ممكن وقد أحسن وزير الخارجية المصري نبيل فهمي بالتأكيد على ضرورة إستكمال هذه المهمة الإستراتيجية واوحى بأن القاهرة تبذل جهداً في هذا السبيل
الى ذلك ، يقتضي مبادرة القوى الوطنية الحية في سوريا كما في عالم العرب الى التركيز على وحدة سوريا ارضاً وشعباً ومؤسسات ، وضرورة التصدي للمشروع الامبريالي القديم – الجديد الرامي الى تقسيم بلاد العرب ، ولا سيما بلاد الشام وبلاد الرافدين ، الى جمهوريات موز ودويلات قميئة على اسس قبلية وطائفية واثنية لتمكين "اسرائيل" من السيطرة على المنطقة برمتها وتوفير طوق امني لكيانها العنصري العدواني والجدير بالذكر ان وزراء خارجية مصر والمغرب والجزائر ولبنان شددوا في كلماتهم على وحدة سوريا ، وحذروا من اعتماد اي تسوية تحمل بذور التقسيم
لا غلوّ في القول إن الحرب في سوريا وعليها هي اقسى حرب اهلية وعالمية في التاريخ المعاصر لذلك فإن الخروج منها لن يكون مجرد قرار بل مسار اجل ، مسار الخلاص من المحنة طويل ومليء بالعراقيل وفيه الكثير من النار والعار والآلام والدموع