نشرت بجريدة "القدس العربي" و"البناء"
تاريخ20/6/2016
هل من دور اميركي للكرد في ايران ؟
د.عصام نعمان
لافتٌ ما جاء في بيان قيادة الحرس الثوري الإيراني منتصفَ الأسبوع الماضي حول مقتل 12 ارهابياً وثلاثة عسكريين ايرانيين في اشتباكات وقعت في منطقة اشنويه ، شمال غرب البلاد . البيان اشار الى "ان الإرهابيين القتلى اعضاء في مجموعة صغيرة معادية للثورة موجهة من قبل الولايات المتحدة والسعودية وكانوا يعبرون الحدود لشن عمليات تخريب والتسبّب بغياب الامن بين السكان".
قائد الشرطة الإيرانية قدّم في بيانه معلومات اضافية. قال إن الإرهابيين القتلى اعضاء في حزب "من اجل حياة حرة في كردستان" (بيجاك) الإيراني القريب من حزب العمال الكردستاني التركي.
بيانا الحرس الثوري وقائد الشرطة الإيرانيين كشفا أن الإشتباك الأخير هو الثالث خلال اسبوع واحد لإختراق الحدود الإيرانية على مقربة من المثلث الحدودي الإيراني - التركي - العراقي ، وان المجموعات المسلحة التي قامت به معروفة بإعتناقها توجّهات عرقية كردية مناهضة للجمهورية الإسلامية . وكان لافتاً ايضاً اشارة بيان الحرس الثوري الى ان محاولات اختراق العمق الإيراني لن تمنع العمل العسكري ضد الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق ، وان محاولات مشاغلة القوات المسلحة الإيرانية " لن تؤثر في الدعم العسكري الإستشاري الذي تقدّمه ايران ضد الإرهاب في كِلا البلدين".
يتحصّل للمراقب المتتبع للمعلومات المتوافرة ان طهران تربط المجموعات الكردية الناشطة على حدودها الغربية بحزب العمال الكردستاني التركي ، كما تفسّر تلك الإشتباكات بأنها لمشاغلة القوات المسلحة الإيرانية وحملها على وقف تقديم الدعم العسكري لكلٍ من العراق وسوريا في صراعهما ضد تنظيم "الدولة الإسلامية –داعش". ذلك كله يطرح سؤالاً مفتاحياً : ما الدور الذي يلعبه الكرد في سوريا وتركيا والعراق خلال الحروب والإضطرابات الدائرة فيها ، وما طبيعة علاقتهم العلنية والمستترة مع الولايات المتحدة ؟
ليس سراً ان اميركا تساند بعض القوى الكردية السورية المتعاطفة مع حزب العمال الكردستاني التركي في كفاحها من اجل تحرير مناطق شمال شرق سوريا وشمالها الغربي من سيطرة "داعش". تجلّى الدعم الاميركي في مساندة " قوات حماية الشعب الكردي" في معركة عين العرب (كوباني) ، كما يتجلّى حالياً في دعم "قوات سوريا الديمقراطية" ذات الغالبية الكردية لتحرير منبج ، غرب نهر الفرات ، وكفاحها للوصول الى جرابلس ، وربما ، الى عفرين في اقصى الشمال الغربي .
الى ذلك ، لم تتوانَ قيادات كردية سورية متعاونة مع الولايات المتحدة عن التلميح حيناً والتصريح حيناً آخر بأن ما يرمي اليه المقاتلون الكرد هو اقامة منطقة للحكم الذاتي في شمال شرق سوريا. ثم ان بعضهم لم يخفِ تعاطفه مع دعوات ترددت في اقليم كردستان العراق حول اجراء إستفتاء لإعلان استقلاله عن جسم الدولة العراقية . كل ذلك في سياق دعوات قديمة جديدة لإقامة دولة مستقلة تضم الكرد الموزعين على دول تركيا وايران والعراق وسوريا.
من المعلوم ان الكرد في تركيا معارضون لحكومة رجب طيب اردوغان الذي يقاتل حزب العمال الكردستاني التركي كتنظيم انفصالي ، ولا يتوانى عن اتهام الولايات المتحدة بأنها تؤيد حلفاءه من الكرد السوريين الناشطين لإقامة حكم ذاتي في شمال شرق سوريا وعلى امتداد الحدود التركية – السورية.
الولايات المتحدة لا تخفي مساندتها للكرد السوريين وتحاول طمأنة اردوغان بأن ذلك يتمّ في اطار الحرب ضد "داعش" و... قوات سوريا الاسد . غير ان افتضاح امر العمليات الإرهابية الثلاث من قبل مجموعات كردية لإختراق الحدود الإيرانية ومشاغلة الحرس الثوري حملت خبراء استراتيجيين في دمشق وطهران وموسكو على الإعتقاد بأن ما تقوم به او تقف وراءه الولايات المتحدة في سوريا والعراق وايران إن هو إلاّ جوانب من استراتيجية متكاملة ترمي الى إضعاف محور المقاومة وصولاً الى تفكيك سوريا وتحويلها الى جمهورية كونفدرالية بكيانات اثنية (كردية وتركمانية) ومذهبية (علوية وسنية ودرزية) ، ومن ثم محاصرة حزب الله مصرفياً من خلال القانون الاميركي المتعلّق بحظر تمويله دولياً ، وتهديده بضربة عسكرية اسرائيلية لحمله على سحب قواته العاملة في سوريا وصولاً الى محاولة استغلال التعددية الاثنية في ايران بتسليح مجموعات كردية (وربما بالوتشية ايضاً) من اجل مشاغلة القوات المسلحة الإيرانية بإضطرابات امنية داخلية لحملها على وقف دعمها لحلفائها في سوريا ولبنان والعراق وفلسطين المحتلة.
من مجمل هذه المعطيات والاحتمالات يمكن الإستنتاج ان الصراع بين الولايات المتحدة وايران لم ينتهِ بإقرار الإتفاق النووي ، وان واشنطن تحاول ، لاسباب تتعلق بنفوذها ومصالحها في الشرق الاوسط من جهة، وبأمن اسرائيل ومطامعها من جهة اخرى ، تحويل سوريا ولبنان والعراق وتركيا ذات التعددية الاثنية والمذهبية الى دول كونفدرالية ضعيفة ، منشغلة بأوضاعها الداخلية ، وغير قادرة في المدى الطويل على تشكيل قوة اقليمية مركزية قادرة على تهديد المصالح الاميركية وامن اسرائيل .
إن وجود هذا المخطط الإستراتيجي البعيد المدى وقيام واشنطن بتنفيذه عبر عهود رئاسية متتالية لا يعني بالضرورة انه قابل للتحقيق . ذلك ان تغييرات عدّة حدثت تباعاً وأدّت الى إضعاف قدرات اميركا ونفوذها من جهة والى تعزيز قدرات غيرها من دول المنطقة من جهةٍ اخرى. الى ذلك ، فإن حضور روسيا في سوريا وانخراطها في الحرب ضد "داعش" هو تعبير واضح عن اقتناعها بأن إضعاف سوريا والعراق وصولاً الى تقسيمهما يؤذيان امنها القومي من حيث انهما يصبّان في مصلحة تنظيمات "الإرهاب الجهادي" الساعية الى تعزيز وجودها ونشاطها في قلب روسيا الإتحادية ذات التعددية الاثنية ، وفي مقدّمها القوميات الإسلامية .
روسيا ستثابر في تصديها ، اذاً ، لـِ "داعش" ولمخطط اميركا البعيد المدى الذي يهدد أمنها ووحدتها السياسية . معنى ذلك ان بلدان غرب آسيا ستعاني فصولاً متعددة ومتصاعدة من صراعات ساخنة قد تنعكس على العالم برمته .