اميركا ليست قدراً... بإمكاننا تخطي سلطة العجز وفرض النسبية في الإنتخابات
نشرت بجريدة "البناء" و"الخليج"
تاريخ 18/6/2016
اميركا ليست قدراً...
بإمكاننا تخطي سلطة العجز وفرض النسبية في الإنتخابات
د. عصام نعمان
يعيش لبنان واللبنانيون ازمة حادة ، متفاقمة وآخذة بالتمادي تحت وطأة شغور رئاسة الجمهورية ، وشلل مجلس النواب ودوره التشريعي ، وتعطيل مجلس الوزراء ودوره التنفيذي. بفعل حال الشغور والشلل والتعطيل والتداعيات الناجمة عن القانون الاميركي لمحاصرة حزب الله مالياً وفضائح النفايات والانترنت ، تحوّلت الشبكة السياسية الحاكمة سلطةَ عجزٍ بكل معنى الكلمة : عجز شامل في ادارة شؤون البلاد والعباد في شتى المجالات .
تفاقمت الأزمة المستعصية وتعقّدت بمسارعة الحكومة ومصرف لبنان المركزي والمصارف الى تنفيذ المراسيم التطبيقية لقانون الكونغرس الاميركي تاريخ 2015/12/6 القاضي بفرض عقوبات على مخالفي احكامه قبل وضع آلية دقيقة لتطبيقه الامر الذي ادى الى اغلاق حسابات مودعين لا علاقة لهم بحزب الله . وفي سياق الجدل المحموم حول مشروعية ما قام به بعض المصارف من إجراءات عقابية متسرعة ، جرى وضع متفجرة على جدار بنك لبنان والمهجر ما ادى الى صبِّ الزيت على نار الجدل الساخن حول مشروعية القانون الاميركي واستهدافاته . وانتهز حزب الكتائب فرصة التأزّم والفوضى فأعلن رئيسه سحب وزيريه من الحكومة احتجاجاً على مسارها وسلوكها و"هريان ما تبقّى من الدولة".
استقالة وزيري الكتائب لن تؤدي الى سقوط الحكومة . ذلك ان لا اتفاق داخل الشبكة الحاكمة على آلية دستورية لقبول استقالة الوزراء مع استمرار الشغور في رئاسة الجمهورية . هكذا يصبح بإمكان الوزيرين المستقيلين ، اذا ارادا ، الإستمرار في تصريف اعمال وزارتيهما مع الإمتناع عن حضور جلسات مجلس الوزراء شأن وزير العدل المستقيل اشرف ريفي !
العجز عن اصدار مرسوم بقبول استقالة وزير ليس النقيصة الوحيدة لسلطة العجز الحاكمة. فقد اضحى عجزها صفةً غالبة وشاملة كلَ ميادين الادارة والتقرير والتنفيذ . انها حال فريدة لا سابق لها ، ومرشحة للإستمرار تحت وطأة الفوضى المتمادية .
كيف يمكن الخروج من حال العجز وسلطته الرابضة بكل ثقلها على شعب البلد ومؤسساته ومرافقه ؟
ثمة ، في هذا المجال ، اراء ثلاثة :
اولاها لا يجد فرصةً ولا مخرجاً مما نحن فيه من فوضى بحجة أن التعددية المرهقة لمكوّنات شعب لبنان وما تنطوي عليه من اراء واهواء ومصالح متضاربة جعلت من التوصل الى صيغة للوفاق الوطني والإصلاح والخروج من الأزمة امراً بالغ الصعوبة إن لم يكن مستحيلاً .
ثانيها لا يجد مخرجاً من المحنة في الحاضر والمستقبل المنظور بدعوى أن للقوى الخارجية، ولاسيما الولايات المتحدة ، مصالح ومخططات شريرة في دول المنطقة ، ومنها لبنان ، تحول دون نجاح قيادات الدول المستهدَفَة وقواها الشعبية في تحقيق خروج آمن من حال الفوضى والحرب والفساد المسيطرة عليها.
ثالثها ، ولعله اهمها ، يؤمن بأن اميركا ليست قدراً ، وانه في مقدور الشعوب التغلّب على مخططاتها شريطة اتحاد قياداتها وقواها الحية في جبهة وطنية عريضة القاعدة الشعبية ، ذات برنامج متكامل للتحرر والإصلاح الديمقراطي والاجتماعي ، ومنخرطة في نضال مدني وميداني طويل النَفَس لتحقيق اهدافه . اصحاب هذا الرأي يقدّمون امثلة حية على صحة مقولتهم :
· اميركا وحربها لم يمنعا شعب فيتنام من دحرها وإكراهها على الإنسحاب وبالتالي تحقيق وحدة شمال البلاد وجنوبها.
· اميركا وحصارها الاقتصادي الطويل لم يمنعا شعب كوبا وشعب ايران من النجاح في بناء دولة وتجربة سياسية وإقتصادية متميزة في كلٍ منهما ما اضطر اميركا اخيراً الى مصالحتهما والإعتراف بهما.
· اميركا التي رخّصت لحكومة اولمرت في اسرائيل وساعدتها على شن حرب شعواء على لبنان والمقاومة العام 2006 فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق اغراضها إذ انتصرت المقاومة وتطورت الى قوة إقليمية.
الى ذلك كله ، تبدو اميركا في اواخر ولاية الرئيس باراك اوباما مائلةً الى تخفيف إلتزاماتها واعبائها في منطقة غرب آسيا ، إلاّ ما يتعلق منها بأمن اسرائيل ومطامعها، الامر الذي يشجع اصحاب الرأي الثالث على المبادرة الى تحقيق مشروعهم الوطني وفق الخطوات الآتية :
· إجراء اتصالات وحوارات مكثفة مع قيادات القوى الوطنية الحيّة بغية التوافق على الآتي: تشخيص مشترك للوضع القائم ؛ ضرورة تخطي سلطة العجز القائمة بالعمل الشعبي السلمي ؛ الإتفاق على برنامج العمل وتحديد اهدافه ؛ إقامة هيئة تنسيق عامة مؤلفة من ممثلي القيادات والاحزاب غير الطائفية وهيئات المجتمع المدني ذات الرؤى الإصلاحية والنقابات والشخصيات الوطنية الفاعلة مهمتُها إدارة الحراكات الشعبية المنوي اطلاقها ؛ والتوافق على انبثاق لجنة متابعة منها تتولى الامور التنفيذية .
· اطلاق سلسلة حراكات شعبية في بيروت العاصمة ومراكز المحافظات تحمل شعاراً مركزياً واحداً هو: "إجراء الإنتخابات على اساس النسبية في دائرة وطنية واحدة" .
· تعظيم حجم الحراكات الشعبية بإجتذاب اعضاء وانصار الاحزاب والتيارات السياسية الممثلة في مجلس النواب التي تؤيد مبدأ النسبية والدائرة الوطنية الواحدة .
· الضغط على الشبكة الحاكمة بكل اجنحتها بغية إقرار قانون للإنتخابات على اساس النسبية والدائرة الوطنية الواحدة في خلال مهلة زمنية محدودة والمبادرة الى إجراء الإنتخابات وفق احكامه .
· في حال امتناع الشبكة الحاكمة او تلكؤها في إقرار القانون المطلوب وإجراء الإنتخابات على اساسه ، يُصار الى اقامة المؤتمر الوطني للاصلاح الديمقراطي بأوسع تمثيل للقوى الشعبية المشاركة في الحملة الجماهيرية ، يتولّى وضع نظام ديمقراطي للإنتخابات على اساس الدائرة الوطنية الواحدة والتمثيل النسبي في اطار المادة 22 من الدستور، وتنبثق من المؤتمر لجنة وطنية لمتابعة تنفيذه .
· دعوة المواطنين والمواطنات لإنتخاب ممثلين عنهم وفق احكام نظام الإنتخابات الجديد في كل مناطق لبنان وذلك بالتعاون مع البلديات والهيئات والجمعيات المؤيدة لاهداف الحملة الجماهيرية .
· اجراء الإنتخابات تحت رقابة الجمعية اللبنانية لمراقبة ديمقراطيـة الإنتخابات ، ونقابات المحامين والصحافة والمحررين ، والاتحاد العمالي العام ، والاسكوا ، ومنظمة العفو الدولية .
· اعلان نتائج الإنتخابات في مؤتمر صحافي يُعقد في اطار هيئة التنسيق العامة وابلاغها الى المراجع الرسمية ذات الصلة ، محلياً وعربياً واممياً .
ليس من شك في ان اهل سلطة العجز عاجزون قطعاً عن منع اجراء الإنتخابات المنوّه بها بحسب نظامها الجديد لأنها اقرب ما تكون الى استفتاء او استطلاع عام يُجرى بلا إستفزاز لأية جهةٍ سياسية . ومن المؤكد ايضاً ان القوى الخارجية غير قادرة على التدخل لإنشغالها بنفسها او لتورطها في ازمات وحروب افتعلتها في مختلف دول المنطقة .
في هذا المسار يمكن ، عاجلاً او اجلاً ، تشريع نتائج الإنتخابات والتغيير الحاصل بأن يُعتبر المرشحون الفائزون برلماناً انتقالياً لمباشرة العملية الإصلاحية الشاملة المرتكزة على المادة 22 من الدستور التي تنص على انه "مع انتخاب مجلس نيابي على اساس وطني لاطائفي يُستحدث مجلس شيوخ لتمثيل العائلات الروحية" (الطوائف) .
اذذاك يبدأ اللبنانيون الاحرار جدّياً ببناء الدولة المدنية الديمقراطية .